رحلة إلى الطرف الآخر من العالم....؟؟

دقاش

:: كاتب نشـط::
رحلة إلى الطرف الآخر من العالم....؟؟
تتصارع الأشياء في داخله ...لكنه ينتصر دائماً للقيم كما يظن؟؟
القيم .. الأخلاق .. القانون .. يحاول إعادة تعريف ذلك على مدى رؤياه المنظور...لا يرى غير الضباب .. والغيوم .. لا أمل ولا نور في نهاية مدى هذا النظر .. يلعنها في ذاته .. لكنه يتمسك بها كمبدأ يؤمن به إيماناً مطلقاً..
لا يدري ما الذي زج به وحشره حشراً في كلية الحقوق .. ماذا لو اختار التربية .. أو الاقتصاد.. أو .. أو ..
على كل حال هو لم يختار هذه الكلية عن رغبة .. لكن عن ظروف .. كما أنه لم يختار أشياء كثيرة في حياته .. تختار الظروف هذا الوضع.. وتضعه فيه راغماً ..فيسلم هو بذلك لعلَّ وعسى ..
اختارت له الظروف كلية الحقوق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم .. لأنه لا يملك حيلة أن يذهب إلى كلية التربية بجامعة الخرطوم-إذ كان في نيته الأولى أن يكون معلماً - في الجزء الشمالي من مدينة أم درمان.. لا الوقت يسمح بذلك ولا الظرف المادي .. ولا يستطيع البقاء في الداخلية .. لأنه يريد أن يعمل .. أن يكون له مصدر رزق .. فأخوته وأمه في انتظاره ..
كان يعمل صباحاً ويأتي إلى الجامعة عصراً فيلحق بآخر المحاضرات .. ويستمع لآخر قفشات البروفسور المصري أستاذ القانون الجنائي ..
واختارت له الظروف أن يكون ضمن الذين يشهدون ويشاهدون الإنقاذ ويستمع إلى بيانها الأول .. وأن تشمله ثورة التعليم .. وثورة التغيير .. وثورة أشياء كثيرة لم يعجب بأي منها .. لكنها الظروف على كل حال هو لم يختار أن يولد في هذا البلد العجيب على لكل حال ..
تبدلت الجامعة .. تبدل معها كل شيء .. تحولت أسماء القاعات العتيقة إلى أسماء صحابة وتابعين وأسلاف صالحين وغير ذلك ... الحدائق تحولت إلى بدر وحنين والقادسية وذات الرماح وذات النطاقين .. النشاط تحول إلى العقبة وما أدراك ما هي .. والأمكنة كلها حملت أسماء الشهداء والثوار .. كل شيء تحول إلى قريش بلمح بالبصر .. حمل الطلاب العصي وتمنطقوا بالسيخ والحديد والنار .. ومن أراد أن تثكله أمه ويرمل زوجته .. وهلمجرا..
حاوله صديقه القديم أن ينتمي إلى الجماعة فيفوز بالدارين إن شاء الله .. رفض هذا الطريق الذي قد يؤدي إلى إحدى الدارين أو كليهما ..
صديق آخر حاوله أن ينتمى إليهم .. رفض ... كان مصمماً على الرفض .. هكذا وجد نفسه عصياً يأبى الانتماء إلا إلى مشروعه الخاص..
يومه مليئاً بالعمل ... يغسل السيارات نهاراً .. ويعمل حارساً في كوافير عواطف بالخرطوم(2) ليلاً .. ليوفر لأخوته وأمه بعض الرزق ..
تخرج في سنوات عنفوان الثورة وعنفها الاقصائي .. كان الأول على دفعته .. لكنه لم يحظى بوظيفة المحاضر في الجامعة لأنه لم يكن منتمياً .. هو ليس شيوعياً .. كما جاء في تقرير مكتب الطلاب .. لكنه لم يدخل المسجد منذ دخوله إلى الجامعة .. و العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر ..
اغتنم فرصة الماجستير المجاني التحق به .. أكمل رسالته .. حمل أوراقه .. حاول كثيراً دون جدوى .. لا عمل .. لا قانون ...
كانت عواطف تتقصى أخباره . .. قالت له أن عملاءها كلهن زوجات وزراء وشيوخ من وجهاء الثورة ...
أخبرته يوماً أن هناك وظائف شاغرة في الجهاز القضائي .. حظي بهذه الفرصة .. عمل كاتباً في السلطة القضائية... ضحك كبير الكتبة عندما علم أن صاحبنا يحمل شهادات جامعية عليا في القانون .. وقال له في سخرية مستترة "القلم ما بزيل بلم" ... يا ابني الجامعات ذاته بقت ذي الهم في القلب .. ذي المدارس المتوسطة التي درسنا فيها زمان ..
بعد ثماني سنوات من الكد المتواصل .. والمحاولات المستميتة للالتحاق بالسلك القضائي أو النيابي .. قيل له إن أردت أن تكون ضمن المرشحين للقضائية يجب عليك أولاً أن تتنازل عن وظيفتك .. حتى نضمن الحياد والشفافية .. نحن قوم لا يظلم عندنا أحد..
قال في نفسه .. "أنا ما لي ومال التلتله" ..
يخرج من عمله باكراً إلى حدائق الشعب .. يجمع له ابن عمه "أحمد" طلاب القانون .. يراجع لهم الاختبارات ... يحاضرهم في الهواء الطلق .. يجمع ابن عمه النقود في نهاية المحاضرة .. يختلس الجزء الأكبر .. ثم يعطيه نصيبه .. ويقول له في خبث إن الطالبة التي كانت تلصق أنفاسها به لم تدفع شيئاً .. كان يحس بها.. يكتم آهه قديمة .. ثم يمضي في طريقه لا يلوي على شيء .. كتب عليه ظرفه أن لا يجرب الحب .. أن يقهر هذا الشعور في نفسه .. أن ينسى تلك المواضع الملتهبة .. إلى حين ... أو إلى الأبد....
ظل القهر غائراً في نفسه يأبى أن يذهب أو أن يزول .. كل شيء عصياً وأبياً عليه .. وهو يناضل ويكافح .. ويقاتل نزواته وشهواته ... عندما يدلف آخر الليل ليأوي في كوافير عواطف، وتلفحه كل عطور الإثارة .. التي ينعم بها آخر كل ليلة الوزراء والشيوخ شيباً وشباباً ومن شايعهم، وخالطهم، وعاونهم... من الذين يملكون المثنى والثلاث والرباع .. ودون ذلك مما ملكت أيمانهم .. حيثما توجهوا وجدوا اللذة ...
تمضى سنواته عنيفة لا تلوي على قهره وصبره وانتظاره الطويل ... تعصره .. تمتطيه ... وتسلبه شيئاً مهماً في حياته .... لكنه مقهور ... والقهر جزء من ظرفه لا حيلة له به.

حمل أوراقه . . يمم شطر السفارة الأمريكية .. التي كان يلعنها الثوار كجزء من وردهم اليومي دبر كل صلاة .. وعقب كل حديث سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي. ... لم يأبه لهذا اللعن فهي ليست مشكلته ..
كان يعلم أن ذلك الطرف الآخر من العالم .. واضحاً وبسيطاً ومباشراً ... لا يلفه الغموض مثل عالمنا الذي فيه كل شيئاً غامضاً ومبهماً ...
سألته موظفة السفارة عن سبب هجرته .. بدا واضحاً ومباشراً وبسيطاً... "أنا أكبر بسرعة في هذا البلد .. أربعون عاماً ... تزيد بخطوات ثلاث .. لم أعرف ماهية الجنس.. أشعر بالقهر .. بالكبت .. أريد أن أشعر بهذا الجانب من إنسانيتي ومعرفة جوانب أخرى، لم أعرفها حتى الآن .. أنا ما أزال عذري في كل شيء .. كل شيء.. "
طأطأت رأسها قليلاً .. طفرت دمعة في عينيها حاولت عبثاً مقاومتها .. لكنها انفلتت عنوة.. أحست بقهره ..
حمل آخر ذكرياته .. وبقايا قهره .. وسافر إلى الطرف الآخر من العالم .. ليبدأ مشوار المباشرة .. والبساطة .. والوضوح .. في كل شيء.. ..
 
التعديل الأخير:
رد: رحلة إلى الطرف الآخر من العالم....؟؟

أخـــي دقـــاش : الســـلام عليكم
أسعدني المرور بمخطوطتك الصغيرة وأحبطني كذلك ....
أصدقــــك القول في البدءِ أحبطتني البداية التي توحي بالإستسلام في كل شيءٍ واليأس المطلق والإنقياد دون مقاومة ... وهي نفس النظرية التي ختمت بها قصتك بالاستسلام ورفع راية الخضوع ... بل تركت بطل قصتك يلوذ بالفرار مما أكسبنا يقيناً بحتمية الواقع ودون العمل على تغييره وتركه ( للدعاء ) عسى الله أن يبدله ويحيل بلدنا جنة ثم يأتي بنا لنسكنها دون شياطين تقاسمنا صدقاً بالخلود ولا شجرٍ يبدي لنا عورات دفنت عن يقين بخبث ضلعنا الأيسر المعوج ....
ثم يغوص المرء منا في نقدٍ جميل لكثير من سياسات التمكين والولاء، ودحر لنظرية أسلمة الحياة السودانية التي أوفاها من قبل المرحوم حميد، ولكن لا يلبث أن يعود من جديد للمربع الأول ...
عزيزي دقــــاش: هذه أول مرة أقرأك فيها فلا أستطيع الحكـــــم أن هذا فقط سياق القصة أم نظرتك ككل للحياة والتي لا أرجوها كذلك ....
عموماً أسعدني صياغك اللغوي القصصي بعيداً عن المحتوى والإحباط ... فقد سقت القصة بقالب ممتع شيق يجبرك على المواصلة بعيداً عن الإسفاف في قضايا جانبية تفصلنا عن المضمون ...
وتقبل مروري وكلماتي ...
دم بخير
 
رد: رحلة إلى الطرف الآخر من العالم....؟؟

أخي منصور
لك الشكر أجمله

القراءة الناقدة هي حافزنا على الكتابة ....

لا تعليق على النقد .... إذ لا يجوز ذلك .. كما اقتضى العرف ..

لكن هناك ملمح : الأبطال يختارون نهاياتهم ؟؟؟!!

الآمال الكاذبة ... توقع في الإحباط ...
والهروب واقع ... نمارسه بشكل يومي ..... أو يمارسه من أراد الواقع ....

لك الود ..... مني والتحايا ...
 
رد: رحلة إلى الطرف الآخر من العالم....؟؟

دقاش تحياتي
قصة الرحلة الي الطرف الآخر لا تقل غموضا عن طرف بطلنا الحالي الذي غادره مهاجرا بمحض ارادته قد تبدو اسباب هجرته منطقية ولكني اخشي عزريته خشية ان ينال منه ( البلاد الاخر ) ويعود لنا باشياء لم يالفه انفسنا وعادتنا وتقاليدنا سيما الرجل لم يقل انه لن يعود .. ومن الملاحظ ان بطلنا هذا بعد ان كان ناقدا ومخالفا بل وكافرا بكل شئ حوله تقريبا لكنه طمح بالأخر حد العشق وبات يصفه ب ( الوضوح والبساطة ) رغم انه لم يزره ولا مرة !!!
ونصيحتي لك عزيزي ( البطل المهاجر ) هذا ان كنت تسمعني !! لست وحدك من عاني ويلات الظلم وشقاوة في هذا الطرف ، هنالك مئات بل الوف ان لم نقل ملايين مثلك حاملين الشهادات ويعانون من نفس الطرف ، اعيب عليك الاستسلام الواضح وبما انني لا اعترض علي هجرتك ولكن فليكن وسلية ترجي بعدها غاية نبيلة ان لم تقوي علي زوال الظلم فيكفي شرف المحاولة
شكرا دقاش
 
رد: رحلة إلى الطرف الآخر من العالم....؟؟

دقاش تحياتي
قصة الرحلة الي الطرف الآخر لا تقل غموضا عن طرف بطلنا الحالي الذي غادره مهاجرا بمحض ارادته قد تبدو اسباب هجرته منطقية ولكني اخشي عزريته خشية ان ينال منه ( البلاد الاخر ) ويعود لنا باشياء لم يالفه انفسنا وعادتنا وتقاليدنا سيما الرجل لم يقل انه لن يعود .. ومن الملاحظ ان بطلنا هذا بعد ان كان ناقدا ومخالفا بل وكافرا بكل شئ حوله تقريبا لكنه طمح بالأخر حد العشق وبات يصفه ب ( الوضوح والبساطة ) رغم انه لم يزره ولا مرة !!!
ونصيحتي لك عزيزي ( البطل المهاجر ) هذا ان كنت تسمعني !! لست وحدك من عاني ويلات الظلم وشقاوة في هذا الطرف ، هنالك مئات بل الوف ان لم نقل ملايين مثلك حاملين الشهادات ويعانون من نفس الطرف ، اعيب عليك الاستسلام الواضح وبما انني لا اعترض علي هجرتك ولكن فليكن وسلية ترجي بعدها غاية نبيلة ان لم تقوي علي زوال الظلم فيكفي شرف المحاولة
شكرا دقاش

سايمون .. تحياتي ...
الغموض .. يكتنف كل جميل .. لذلك نحن في محاولات مستمرة لمعرفة ما وراء كل غموض ... ولولا الغموض .. ما تكبدنا مشاق البحث.....
شكراً جميلاً ..... ولك الود ....
 
أعلى أسفل