ميرغني النقي «إلى طائر غريب»

ا

ابو نمر

Guest
يا أيها الشادي المغرد ها هنا يا منشداً أنشودة الأحرارِ
يا عاشقاً ثمل الشعورِ بعشقه وهيامه بالفجر والأسحارِ
يا ساجعاً طرب الفؤادِ مغنياً عند الصباح مشارق الأنوارِ
متناسياً أو ناسياً لسروره داجي الليالي وقسوةَ الإعصارِ
أنسيني دنيا ابن آدم إنني أدمنتُ في دنياه قبض النارِ
واهرب بنفسي إلى دناك وغنني دنيا الطيورِ وعشرةَ الأوكارِ
واسكب فؤادك في دنانك واسقني كأساً تعيدُ الروحَ في قيثاري
كأساً تغيبني وتسكر خاطري وتذيب خوفي وتستبيني وقاري
وللحنك الرقراقِ سكرٌ طاهرٌ لا سكر خمرٍ من يد الخمَّارِ
يا تائهاً ضلّ الطريقَ فاهتدى لدياره بقدومه لدياري
وأقام ينشدني رؤاه مترجماً في لحنه ما أضمرت أشعاري
فيما ارتعاشك وارتعادك ما أنا يا بلسم الأرواحِ بالغدَّارِ
إن كان راعك ما يبينه مظهري لا يخدعنك ما يبين إطاري
إن يبدو شكلي ابن آدم إنني روضٌ تغرد داخلي أطياري
أنا يا سميرَ الروضِ مثلك ساجعٌ للحسنِ أرسل دائماً مسداري
إن طال عهدي بالغناءِ فعلتي دنيا المظالم ِ حطمت مزماري
عفت الديارُ كنارها وهزارها واستأنست بالبومِ والصرصارِ
لـمّا رأيتُ الناسَ أُطلق بومهم متغنياً أخرستُ صوت كناري
يا ساكب الأنفاسَ لحناً دافقاً يا قائلاً في الحقِّ غير مماري
أنا يا أسيرَ الحقِّ مثلك شاعرٌ قولُ الحقيقةِ مبدئي وشعاري
لـمّا جعلت من الحقيقةِ مرتعاً لفنون شعري تقلصوا أنصاري
وفقدتُ أهلي والرفاقَ ومسني هجرُ الحبيبِ وعافني سماري
عافوا مسامرتي وهابوا مجلسي وجفوا مزاري وصيّروني غفاري
أشكو إلى البيداء جمَّ مواجعي في جنحِ ليلِ غائر الأقمارِ
وأبثها ألم الفؤادِ قصيدةً وأعيدها لحناً على أوتاري
وأبيتُ أسأل كلّ غيمٍ عابرٍ يا راحلاً بمصائرِ الأمصارِ
من أين جئتَ وأين وجهك يا ترى ولأيّ دارٍ قد هجرتها داري
يا شارباً دمع البحارِ وساكباً عطر الزهورِ وخضرة الأشجارِ
كم دمعة للبائسين شربتها وسكبتها في دمعك المدرارِ
رجعت إليهم زهرةً فتنشقوا أرج المدامعِ في شذا الأزهارِ
يا جالباً خير الربا ودمارها أجلبت خيري أم جلبت دماري
فيجيبني ذاك السحابُ مدمدماً لا الأمرُ أمري ولا الخيارُ خياري
هي ذي الطبيعةُ لست أعلم كنهها حكمت عليَّ بحملها أقداري
والفكرُ في درب الحقيقةِ حائرٌ والعلمُ وحده كاشفُ الأسرارِ
لكنه ما زال في طور الصبا وأمامه جبلٌ من الأخطارِ
فأعودُ نحو مضاجعي ومواجعي والظلمُ والظلماتُ في أنظاري
أرنو إلى الأفقِ البعيدِ بمقلتي متطلعاً للصبحِ والإسفارِ
من أين للإصباحِ في ساحاتنا والليلُ يبدو مثل طفلٍ عاري
ولربَّ طفلٍ مات قبل فطامه ولربَّ شيخٍ عاش بالأعمار
يا ناقلاً فوقَ الغصون رحاله ليعود من سفرٍ إلى أسفارِ
لي في خيالي يا سميرُ قصائداً ظلت تعيش سجينة الأفكارِ
حكموا عليها بأن تظل سجينتي وسجنتُ فيها فأصبحت أسواري
قد طال عهدي بالسجون وعهدها من ذا يحرر أسرها وإساري​
 
أعلى أسفل