بكرى سوركناب
:: كاتب نشـــط::
رد: معالم سودانية
منابر شعبية ومنتديات للسياسة والأدب....السودان ..عن المقاهي نحكي..!َ
ودمدني حامد محمد حامد نشر في الرأي العام
يوم 28 - 06 - 2010
تلك هي المقاهي العامرة بخليط مميز من فئات وقطاعات المجتمع المدني كانت تشكل رأياً عاماً شعبياً مستمداً أبعاده من الحركة الوطنية التي شكلت قوى المقاومة ضد الظلم الإنساني في أوقات سبقت الاستقلال فقد كانت المقاهي رغم طبيعة خدماتها الترفيهية شعلة متقدة لحركة العصيان المدني غير المرئي ضد حكم الإدارة البريطانية وسارت من قلب تلك المقاهي مظاهرات صاخبة وفي أوقات أخرى بعد الاستقلال كانت بريقاً لأماني الطبقة الوسطى لحياة أفضل. وعلى صعيد آخر كنا نسمع على مقاعدها حكايات وأساطير وروايات وقصصاً تتبادل بين الرواد وسرعان ما تنتقل للشارع وتشكل رأياً. حكايات عن السياسة والساسة والفنون والغناء والمسرح بجانب أهازيج مفردات ليست للنشر كانت تدور بين ظرفائها. وفي العاصمة القومية الخرطوم مقاهي شهيرة منها على سبيل المثال لا الحصر- مقهى المحطة الوسطى الذي كان بحق يعتبر جامعة شعبية مفتوحة رواده المسجلون عرفاً والمستديمون من طلاب الجامعة وكأنهم هم داخل مقهى للنشاط الطلابي، بجانب مداومة أعداد من السياسيين يلتقون بمن فيهم الشعراء ومنهم الأديب مبارك إبراهيم رائد الجيل الثاني لحقيبة الفن بعد علي شمو وصلاح أحمد محمد صالح.. ولمبارك أقوال وملح بليغة. وهناك أيضاً عدد من الصحافيين قرشي محمد حسن صاحب الخمريات المعتقة من أغاني عثمان حسين ومن منا ينسى (الفراش الحائر)، ومحمد مفتاح الفيتوري وأشعاره الأفريقية وغيرهم من الشعراء. وهناك مقهى خباز ومن رواده رجال الفكر وأصحاب العمل والأديب المترجم لعدة لغات محجوب عمر باشري وعوض عبد الرازق السياسي اليساري المتمرد على عبد الخالق محجوب، وعوض كان دائماً قلقاً وسريع الخطى- كل هؤلاء كانوا من أصدقائنا بحكم الزمالة المهنية في الصحافة في فترة الستينيات والسبعينيات. وهناك مقهى (شناكة) ومن أخلص رواده الفنانان إبراهيم الكاشف وحسن عطية والصحافي رحمي محمد سليمان، والامبراطور عثمان المشلي صاحب النكات والضحكات العالية، والمشلي يعتبر أشهر ظرفاء الخرطوم بلا منازع وله نوادر عجيبة- الثالوث كان يشكل حلقة للطاولة في الأمسيات. وهناك مقهى أتينيه وسط عمارتي الشيخ مصطفى الأمين وأبو العلا الجديدة. ومن المقاهي الكبرى أيضاًَ مقهي (حلوني البرلمان) حالياً أصبح مبنى للبنك التجاري ورواده من المحامين بطرس غالي وعابدين إسماعيل. وفي السوق العربي بالخرطوم مقهى (الزيبق) أقدم المقاهي واشتهر روادها بتعاطي الشيشة والمعمرة ايضاً. وفي العاصمة الوطنية أم درمان سوق الموية الأشهر- مقاهي (جورج مشرقي) و(يوسف الفكي) و(ود اللقا) مواجه لدار الخريجين- الثالوث كان يشكل ملتقى للطبقة الوسطى من المثقفين والأدباء والشعراء والفنانين والسياسيين والباحثين وعشاق السينما وقراء الصحف والمجلات والحظوظ. وسوق الموية كان محطة أولى للانطلاق لسهرات ليلية أخرى قد تتحول لحدائق الريفيرا والجندول والموردة وربما إلى المقرن. وكانت بالخرطوم بحري بعض المقاهي الشعبية العامرة إلا أن مترفيها اهتموا بالسينما. وفي بورتسودان أيام عزها ومجدها كانت مقاهي (رامونا) و(دي بلاس) (de. Place) على شارع البلدية.. يشاهد البحارة بأرديتهم القصيرة البيضاء يطلون صباحاً على هذه المقاهي- لقد كانت بورتسودان في عهدها الذهبي وجهة للسياحة لعدد من سكان البلاد يستمتعون بطقسها الشرق أوسطى شتاء وتنتعش حركة السياحة على سواحل البحر الأحمر بشعبه الملونة وأسماكه. وفي عطبرة مقهى (سيكاتلس) وهو مقهى مزود به فندق صغير ويتجمع في التاسعة صباحاً مع صافرة الإفطار بالسكة الحديد رواد لعب الطاولة ولهم طقوس في تسجيل الإصابات، وكان عمدة عطبرة كابتن الحلقة وفارسها له دفتر مسجل به الإصابات الفائزة. وفي مدني أشتهرت المقاهي بتنوعها مقهى (الشاطيء) وصاحبه كعكاتي شامي ومقهى (جورج اليوناني) و(ندليس).. ومن المقاهي الشعبية (ود أبو لبدة) و(علي بوزمات) والزين وعبد المجيد عبيد وبالسوق الصغير محمد جادين. ولكن كان مقهى الأمين حمد مشهوراً وصاحبه ساخر ومجدد للنوادر وكانت جميع تلك المقاهي تبث من خلال فنوغرافاتها العتيقة الأغاني ذائعة الصيت (غضبك جميل) و(حبيبي أنا فرحان) و(يا عظيم يا عظيم أنت في القلب مقيم) تلك هي أغاني أحمد المصطفى، بجانب أغاني الكاشف( أنا أكتب ليك وأنت تكتب لي يا حبيب عمري) ولا ننسى أغاني المطربين التاج مصطفى (الملهمة) وعثمان حسين الرائع - تلك هي بعض مقاهي السودان التي نفتقدها حالياً بعد التصحر والجفاف الاجتماعي وبهذا انفض سامر حركة المجتمع من السمار والمبدعين وتلاشت دولة المقاهي بعد العتمة التي غطت سماءنا.
منابر شعبية ومنتديات للسياسة والأدب....السودان ..عن المقاهي نحكي..!َ
ودمدني حامد محمد حامد نشر في الرأي العام
يوم 28 - 06 - 2010
تلك هي المقاهي العامرة بخليط مميز من فئات وقطاعات المجتمع المدني كانت تشكل رأياً عاماً شعبياً مستمداً أبعاده من الحركة الوطنية التي شكلت قوى المقاومة ضد الظلم الإنساني في أوقات سبقت الاستقلال فقد كانت المقاهي رغم طبيعة خدماتها الترفيهية شعلة متقدة لحركة العصيان المدني غير المرئي ضد حكم الإدارة البريطانية وسارت من قلب تلك المقاهي مظاهرات صاخبة وفي أوقات أخرى بعد الاستقلال كانت بريقاً لأماني الطبقة الوسطى لحياة أفضل. وعلى صعيد آخر كنا نسمع على مقاعدها حكايات وأساطير وروايات وقصصاً تتبادل بين الرواد وسرعان ما تنتقل للشارع وتشكل رأياً. حكايات عن السياسة والساسة والفنون والغناء والمسرح بجانب أهازيج مفردات ليست للنشر كانت تدور بين ظرفائها. وفي العاصمة القومية الخرطوم مقاهي شهيرة منها على سبيل المثال لا الحصر- مقهى المحطة الوسطى الذي كان بحق يعتبر جامعة شعبية مفتوحة رواده المسجلون عرفاً والمستديمون من طلاب الجامعة وكأنهم هم داخل مقهى للنشاط الطلابي، بجانب مداومة أعداد من السياسيين يلتقون بمن فيهم الشعراء ومنهم الأديب مبارك إبراهيم رائد الجيل الثاني لحقيبة الفن بعد علي شمو وصلاح أحمد محمد صالح.. ولمبارك أقوال وملح بليغة. وهناك أيضاً عدد من الصحافيين قرشي محمد حسن صاحب الخمريات المعتقة من أغاني عثمان حسين ومن منا ينسى (الفراش الحائر)، ومحمد مفتاح الفيتوري وأشعاره الأفريقية وغيرهم من الشعراء. وهناك مقهى خباز ومن رواده رجال الفكر وأصحاب العمل والأديب المترجم لعدة لغات محجوب عمر باشري وعوض عبد الرازق السياسي اليساري المتمرد على عبد الخالق محجوب، وعوض كان دائماً قلقاً وسريع الخطى- كل هؤلاء كانوا من أصدقائنا بحكم الزمالة المهنية في الصحافة في فترة الستينيات والسبعينيات. وهناك مقهى (شناكة) ومن أخلص رواده الفنانان إبراهيم الكاشف وحسن عطية والصحافي رحمي محمد سليمان، والامبراطور عثمان المشلي صاحب النكات والضحكات العالية، والمشلي يعتبر أشهر ظرفاء الخرطوم بلا منازع وله نوادر عجيبة- الثالوث كان يشكل حلقة للطاولة في الأمسيات. وهناك مقهى أتينيه وسط عمارتي الشيخ مصطفى الأمين وأبو العلا الجديدة. ومن المقاهي الكبرى أيضاًَ مقهي (حلوني البرلمان) حالياً أصبح مبنى للبنك التجاري ورواده من المحامين بطرس غالي وعابدين إسماعيل. وفي السوق العربي بالخرطوم مقهى (الزيبق) أقدم المقاهي واشتهر روادها بتعاطي الشيشة والمعمرة ايضاً. وفي العاصمة الوطنية أم درمان سوق الموية الأشهر- مقاهي (جورج مشرقي) و(يوسف الفكي) و(ود اللقا) مواجه لدار الخريجين- الثالوث كان يشكل ملتقى للطبقة الوسطى من المثقفين والأدباء والشعراء والفنانين والسياسيين والباحثين وعشاق السينما وقراء الصحف والمجلات والحظوظ. وسوق الموية كان محطة أولى للانطلاق لسهرات ليلية أخرى قد تتحول لحدائق الريفيرا والجندول والموردة وربما إلى المقرن. وكانت بالخرطوم بحري بعض المقاهي الشعبية العامرة إلا أن مترفيها اهتموا بالسينما. وفي بورتسودان أيام عزها ومجدها كانت مقاهي (رامونا) و(دي بلاس) (de. Place) على شارع البلدية.. يشاهد البحارة بأرديتهم القصيرة البيضاء يطلون صباحاً على هذه المقاهي- لقد كانت بورتسودان في عهدها الذهبي وجهة للسياحة لعدد من سكان البلاد يستمتعون بطقسها الشرق أوسطى شتاء وتنتعش حركة السياحة على سواحل البحر الأحمر بشعبه الملونة وأسماكه. وفي عطبرة مقهى (سيكاتلس) وهو مقهى مزود به فندق صغير ويتجمع في التاسعة صباحاً مع صافرة الإفطار بالسكة الحديد رواد لعب الطاولة ولهم طقوس في تسجيل الإصابات، وكان عمدة عطبرة كابتن الحلقة وفارسها له دفتر مسجل به الإصابات الفائزة. وفي مدني أشتهرت المقاهي بتنوعها مقهى (الشاطيء) وصاحبه كعكاتي شامي ومقهى (جورج اليوناني) و(ندليس).. ومن المقاهي الشعبية (ود أبو لبدة) و(علي بوزمات) والزين وعبد المجيد عبيد وبالسوق الصغير محمد جادين. ولكن كان مقهى الأمين حمد مشهوراً وصاحبه ساخر ومجدد للنوادر وكانت جميع تلك المقاهي تبث من خلال فنوغرافاتها العتيقة الأغاني ذائعة الصيت (غضبك جميل) و(حبيبي أنا فرحان) و(يا عظيم يا عظيم أنت في القلب مقيم) تلك هي أغاني أحمد المصطفى، بجانب أغاني الكاشف( أنا أكتب ليك وأنت تكتب لي يا حبيب عمري) ولا ننسى أغاني المطربين التاج مصطفى (الملهمة) وعثمان حسين الرائع - تلك هي بعض مقاهي السودان التي نفتقدها حالياً بعد التصحر والجفاف الاجتماعي وبهذا انفض سامر حركة المجتمع من السمار والمبدعين وتلاشت دولة المقاهي بعد العتمة التي غطت سماءنا.