معالم سودانية

رد: معالم سودانية

منابر شعبية ومنتديات للسياسة والأدب....السودان ..عن المقاهي نحكي..!َ
ودمدني حامد محمد حامد نشر في الرأي العام
يوم 28 - 06 - 2010

تلك هي المقاهي العامرة بخليط مميز من فئات وقطاعات المجتمع المدني كانت تشكل رأياً عاماً شعبياً مستمداً أبعاده من الحركة الوطنية التي شكلت قوى المقاومة ضد الظلم الإنساني في أوقات سبقت الاستقلال فقد كانت المقاهي رغم طبيعة خدماتها الترفيهية شعلة متقدة لحركة العصيان المدني غير المرئي ضد حكم الإدارة البريطانية وسارت من قلب تلك المقاهي مظاهرات صاخبة وفي أوقات أخرى بعد الاستقلال كانت بريقاً لأماني الطبقة الوسطى لحياة أفضل. وعلى صعيد آخر كنا نسمع على مقاعدها حكايات وأساطير وروايات وقصصاً تتبادل بين الرواد وسرعان ما تنتقل للشارع وتشكل رأياً. حكايات عن السياسة والساسة والفنون والغناء والمسرح بجانب أهازيج مفردات ليست للنشر كانت تدور بين ظرفائها. وفي العاصمة القومية الخرطوم مقاهي شهيرة منها على سبيل المثال لا الحصر- مقهى المحطة الوسطى الذي كان بحق يعتبر جامعة شعبية مفتوحة رواده المسجلون عرفاً والمستديمون من طلاب الجامعة وكأنهم هم داخل مقهى للنشاط الطلابي، بجانب مداومة أعداد من السياسيين يلتقون بمن فيهم الشعراء ومنهم الأديب مبارك إبراهيم رائد الجيل الثاني لحقيبة الفن بعد علي شمو وصلاح أحمد محمد صالح.. ولمبارك أقوال وملح بليغة. وهناك أيضاً عدد من الصحافيين قرشي محمد حسن صاحب الخمريات المعتقة من أغاني عثمان حسين ومن منا ينسى (الفراش الحائر)، ومحمد مفتاح الفيتوري وأشعاره الأفريقية وغيرهم من الشعراء. وهناك مقهى خباز ومن رواده رجال الفكر وأصحاب العمل والأديب المترجم لعدة لغات محجوب عمر باشري وعوض عبد الرازق السياسي اليساري المتمرد على عبد الخالق محجوب، وعوض كان دائماً قلقاً وسريع الخطى- كل هؤلاء كانوا من أصدقائنا بحكم الزمالة المهنية في الصحافة في فترة الستينيات والسبعينيات. وهناك مقهى (شناكة) ومن أخلص رواده الفنانان إبراهيم الكاشف وحسن عطية والصحافي رحمي محمد سليمان، والامبراطور عثمان المشلي صاحب النكات والضحكات العالية، والمشلي يعتبر أشهر ظرفاء الخرطوم بلا منازع وله نوادر عجيبة- الثالوث كان يشكل حلقة للطاولة في الأمسيات. وهناك مقهى أتينيه وسط عمارتي الشيخ مصطفى الأمين وأبو العلا الجديدة. ومن المقاهي الكبرى أيضاًَ مقهي (حلوني البرلمان) حالياً أصبح مبنى للبنك التجاري ورواده من المحامين بطرس غالي وعابدين إسماعيل. وفي السوق العربي بالخرطوم مقهى (الزيبق) أقدم المقاهي واشتهر روادها بتعاطي الشيشة والمعمرة ايضاً. وفي العاصمة الوطنية أم درمان سوق الموية الأشهر- مقاهي (جورج مشرقي) و(يوسف الفكي) و(ود اللقا) مواجه لدار الخريجين- الثالوث كان يشكل ملتقى للطبقة الوسطى من المثقفين والأدباء والشعراء والفنانين والسياسيين والباحثين وعشاق السينما وقراء الصحف والمجلات والحظوظ. وسوق الموية كان محطة أولى للانطلاق لسهرات ليلية أخرى قد تتحول لحدائق الريفيرا والجندول والموردة وربما إلى المقرن. وكانت بالخرطوم بحري بعض المقاهي الشعبية العامرة إلا أن مترفيها اهتموا بالسينما. وفي بورتسودان أيام عزها ومجدها كانت مقاهي (رامونا) و(دي بلاس) (de. Place) على شارع البلدية.. يشاهد البحارة بأرديتهم القصيرة البيضاء يطلون صباحاً على هذه المقاهي- لقد كانت بورتسودان في عهدها الذهبي وجهة للسياحة لعدد من سكان البلاد يستمتعون بطقسها الشرق أوسطى شتاء وتنتعش حركة السياحة على سواحل البحر الأحمر بشعبه الملونة وأسماكه. وفي عطبرة مقهى (سيكاتلس) وهو مقهى مزود به فندق صغير ويتجمع في التاسعة صباحاً مع صافرة الإفطار بالسكة الحديد رواد لعب الطاولة ولهم طقوس في تسجيل الإصابات، وكان عمدة عطبرة كابتن الحلقة وفارسها له دفتر مسجل به الإصابات الفائزة. وفي مدني أشتهرت المقاهي بتنوعها مقهى (الشاطيء) وصاحبه كعكاتي شامي ومقهى (جورج اليوناني) و(ندليس).. ومن المقاهي الشعبية (ود أبو لبدة) و(علي بوزمات) والزين وعبد المجيد عبيد وبالسوق الصغير محمد جادين. ولكن كان مقهى الأمين حمد مشهوراً وصاحبه ساخر ومجدد للنوادر وكانت جميع تلك المقاهي تبث من خلال فنوغرافاتها العتيقة الأغاني ذائعة الصيت (غضبك جميل) و(حبيبي أنا فرحان) و(يا عظيم يا عظيم أنت في القلب مقيم) تلك هي أغاني أحمد المصطفى، بجانب أغاني الكاشف( أنا أكتب ليك وأنت تكتب لي يا حبيب عمري) ولا ننسى أغاني المطربين التاج مصطفى (الملهمة) وعثمان حسين الرائع - تلك هي بعض مقاهي السودان التي نفتقدها حالياً بعد التصحر والجفاف الاجتماعي وبهذا انفض سامر حركة المجتمع من السمار والمبدعين وتلاشت دولة المقاهي بعد العتمة التي غطت سماءنا.
 
رد: معالم سودانية

{بعض النماذج لأمثال من غرب السودان }

1- نٍمر كَان مات كُله جلدايتو أرقطْ
2- دُوانى ماَ بمشى لَبيْر
3- كديسه ما بِنْشَال في طبق
4- أبَوالقَدح بَعْرفي مَحل بَعضي أخيّو
5- شَدَره كَان مَالت بِتَكي في أخيّوْ
6- المُفَنْقَل بَسروالو و الكريم بأم عيالو
7- دُنْيا دَبَنْقَا دَرْدقُي بِشيييش
8- جَقْلّو مَامشِى عُرجّه
9- الديّك أجاويدو السّواَسيِو
10- أَبو جَنْقُور في فَاشر مَاعندوُ رأىَ
11- نَعالَ بِقديد ولاَ مَرَا بوليد
12- سَفْر خَرِيْف وأكل تَفَاتِيف وجِيْزة بِنىّ لَفيِف كُله منّو أقِيف .
13- شَدَره كَان هُوزَزَتْ ولاَ وِحيْدا .. يا هَبُوبَاي يا أبلاى ( أبلاي القرد ) .
14- أُم سَلمبويّتى ولا كدكاى زول
15- الرِجَال دَنَاقِر ما كُبر عَناقِر
16- جَراداي في سروال ولَا بَعضى إلاّ قُعَادا ما حِلو
17- ألْمى حَار مَا لِعبْ قُعُونْج
18- مِسكِين جُدلاى دَربْ
19- أمُ جُركُم مابِتَاكل دَرتين
20- الجِعَان مابستَحمْل فَورةَ البُرمة
21- أخيّك كَان زَيَنو ترا بِل راَسك
22- الْمره بِدُقُوها باختا
23- الجَمل ما بَعْرفي عَوجَةْ رَقبْتَو
24- اَبَلاى بِرقَبْتُو بَربطُو في صُلبو مَالو ؟
25- بَليلَة مباشر ولا ضبيحة مُكَاشر
26- بَعاين في الفيلِ وَبطعَنْ في ضُلو
27- أمْبُلَيتيتى ولا تَقلية زُول
28- دَابَى كَان في خَشْمُو جَراداى مَا بَعَضِى
29- كِلاب كانَ داوَسُو بَختْ أرنب
30- ما تعضى حَلوفُ وتملأ خَشمك صُوف
31-زرع درب وتَربى كلب وهامل دار غرب عشانهم ما تنكرب
32- تربى كدايس وتردد حدايث وجيزة عجايز كلو نقايص في نقايص
33- العندو بخور بنشم
34- تِلصق طين في كِرعين ولا بَبقى نِعلين
35- عِيال كان سَكتُوا يا غدرُوا يا شرُدوا
36- أهلكَ كان كلابَ بنبحوا كُله أنبحْ معاهم
37- حِيلك كان دابِى كُلو أربطىِ في صُلبك
38- السنُون عُضام والبُطون بُرام
39- كم فاتوكَ في الذنب إزوِج مرتينَ وربىّ كلب
40- تِجخِجِخ سُنون بجيب دم
41- اللَحم بدمَو والِبنية بِشَمو
42- تِنَقه سخانُه في زِرع
43- أبياناً باينَ ولا جوداً مُلخلخ
44- العندوُ عويَش في َضهره ما بِكتلي نار
45- خلونا نلد توا نفكر في السماية
46- البجي بيت أبو رمضان كله ببقى ود الملك وود السلطان
47- البنات جنة للبجنه ..اللحم الغسيب جابنه ..وولد الناس عبدنه
49- زعلة الكلب شجت أم داقور
50-دنيا أم سفاريك ..كان ما كتلاك قالوا بوريك
منقول
 
رد: معالم سودانية

سلامات يا مدير ..
بوستيك زي العسل .. بس داير ليهو يوم فاااضي كدي .. نجيك بي رواقة ..
تخريمة :
كان لي الشرف بمشاهدة شجرة زاانوق حقت بارا دي .. تقريبا حصل لينا الشرف قبل عشرة يوم .. يقال انو عمرها 150 سنة تقريباً .. وهي بالفعل شجرة كبيرة ومهابة .. ولها وقع خاص لدي انسان بارا ..
بارا منطقة جميلة جداً .. يلفها الهدوء وتتخلها الاشجار العملاقة ..ويقطنها نسان جميل وفطري بشكل محبب .. امضيت فيها يومين من الدهشة والحبور .. ازهلني انسانها قبل طبيعتها .. استغربت جداً من منظر اشجار "المرخ" لم اقابلها في اي مكان اخر في السودان عموماً وفي كردفان خصوصاً ..
الحديث عنا بارا وكردفان يطول .. شاءت ارادة الله ان يكون العمل سبب تعرفي علي هذا الاقليم الحبيب الي نفسي ..

ولنا عودة ان شاء الله ..

زروق
 
رد: معالم سودانية

سلامات يا مدير ..
بوستيك زي العسل .. بس داير ليهو يوم فاااضي كدي .. نجيك بي رواقة ..
تخريمة :
كان لي الشرف بمشاهدة شجرة زاانوق حقت بارا دي .. تقريبا حصل لينا الشرف قبل عشرة يوم .. يقال انو عمرها 150 سنة تقريباً .. وهي بالفعل شجرة كبيرة ومهابة .. ولها وقع خاص لدي انسان بارا ..
بارا منطقة جميلة جداً .. يلفها الهدوء وتتخلها الاشجار العملاقة ..ويقطنها نسان جميل وفطري بشكل محبب .. امضيت فيها يومين من الدهشة والحبور .. ازهلني انسانها قبل طبيعتها .. استغربت جداً من منظر اشجار "المرخ" لم اقابلها في اي مكان اخر في السودان عموماً وفي كردفان خصوصاً ..
الحديث عنا بارا وكردفان يطول .. شاءت ارادة الله ان يكون العمل سبب تعرفي علي هذا الاقليم الحبيب الي نفسي ..

ولنا عودة ان شاء الله ..

زروق
فى انتظار عودتك يا زروق كل احترامى
 
رد: معالم سودانية

كان اول شعار للقوات المسلحة​
16457_10152705343594217_2652127631578781428_n.jpg

بصنعته (المعوجة) يقف (الشوتال ) شامخاً فى تاريخ شرق السودان وفروسيته، خنجراً خصوصى الصنعة، لاينبغى أن يحمله سوى فارس وشيخ قبيلة أو كبير قوم. أسلحة الدفاع البيضاء الصغيرة عند (البجا) ثلاثة كما يعرفها الباحث والمؤرخ جعفر بامكار، فهى إما الخنجر الطويل ذو الرأس المعوج الملفوف أو السكين المقوسة. وقطب رحا سلاحهم الأبيض (الشوتال)، وهو سلاح ذو خصوصية عند أهل الشرق صنعوه لوحدهم، ولا يعرف أحد مكنون إستخدامه غيرهم.
يصف الباحث بامكار الشوتال بأنه سلاح يتوارث، خرج من لدن البيئة البجاوية وغير موجود فى سواها، ويختلف عن الأسلحة البيضاء الحضرموتية، وفى الجزيرة العربية وبدو القرن الأفريقى الذين يستخدمون (الخنجر)، ويضيف أن هنالك (شوتالات) متوارثة عند الأسر العريقة عمرها أكثر من ثلاثمائة عام لا تقدر بثمن يعتزون بإقتنائها وتوارثها، وأكد على إعتزاز البجا بأسلحتهم التقليدية من سيوف بمسمياتها المختلفة (سليمانى - حبشى) والدرقة المصنوعة من فرس البحر أو جلد تمساح عشارى أو جاموس وهذا ديدنهم منذ آلاف السنين.
ويذكر بامكار أن قبائل الشرق استطاع (شوتالها) دحر فلول الأتراك والغزاة عبر التاريخ بجانب الحربة والسيوف. وغير بعيد من ذلك، تحدث الفنان البجاوى المعروف محمد البدرى أن (الشوتال) إرتبط بالحياة البجاوية وقد شاهده منذ أن كان يافعاً فى بداية حياته بمدينة هيا، حيث يرتديه الأعيان ويُوضع فى (كمر)، يصنع من الجلد يسمونه (هباب)، وقد إشتهر بلباسه الفرسان وأشهرهم عبر التاريخ الشاعر الفارس (محمود الفلج) من (تهاميم) وقد عاش فى عهد التركية السابقة وله قصة مشهورة، إذ أن حاكم سواكن عمل على إعتقاله وطمسه فى صحن زيت مغلى أمام سكان حى (ليلى) بسواكن ومن شدة فراسته لم يتنحنح أو يئن حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
وإشتهر بلباس (الشوتال) الفارس محمدين عيسى وغيره من فرسان البجا.
ويضيف البدرى قائلاً:
إن (الشوتال) استخدم فى الغناء التراثى البجاوى وتغنيت كثيراً بأغان ذكر فيها اسم (الشوتال) فى بداياتى الفنية، وأضاف ان الشوتال لا يرتديه الشباب أو الصبية فهو للفرسان وأعيان القبيلة والخنجر يرتديه من هو فوق الخمسين عاماً، أما الصبيان فهم يرتدون (سكين الضهر) التى تسمى فى البجاوية بـ(مننت) أو (لومننت).
يعتبر حسن محمد أحمد المشهور بـ(ابو كراع) والموجود فى مدينة كسلا بشرق السودان هو أشهر من يصنع (الشوتال) بعلامته المميزة (ابونجمة) ويقبل على شرائه أعيان الشرق وفرسانهم لمتانة صنعته، يقول (ابوكراع):
ورثت صناعة (الشوتال) من والدى الذى بدأ العمل منذ العام 1904م إبان الحرب العالمية الثانية، وكان يتسلح به العسكر الذاهبون لمحاربة الطليان على الحدود الأريترية، أول (شوتال) صنعته كان فى العام 1968م وهو صعب مقارنة مع بقية الأسلحة البيضاء لكثرة تعرجاته وخصوصيته.
وعن طريقة صناعته يقول:
إستخدم أدوات الحدادة العادية منفاخ الكور، والمطارق، وأصقل الحديد بالفحم الحجرى الذى استجلبه من مناطق (شللوب وقرقر) على حدود أريتريا من أشجار (السنقنيب والسيال) و(الشوتال) سعره مرتفع نسبياً مقارنة مع الأسلحة البيضاء الأخرى التى أصنعها، لأنه سلاح الفرسان و(الفارس بيقدر قيمة سلاحه)!
البجا يفتخرون ويعتزون بشوتالهم وسيفهم ذو الحدين..
: من مصادر متعددة
 
رد: معالم سودانية

مقدمة الأعمال الكاملة للطيب محمد الطيب ... بقلم: عبد الله علي إبراهيم ** صحيفة سودانايل***

ونشرت هذه الأعمال هئية الخرطوم للنشر (الخرطوم الجديدة) وتم تدشينها بقاعة الصداقة يوم الأحد الماضي. ولن تجد في المقدمة ذكراً ل "بيت البكا" وهو كتاب جديد للمرحوم قدم له الدكتور محمد عبد الله الريح.


الطيب محمد الطيب (1940 - 2007م): عبادة في الهرج
ظهر بيننا الطيب محمد الطيب، الباحث المُصقع في ثقافة البادية والريف العربي الإسلامي السوداني، فجأة في نحو 1965 بشعبة أبحاث السودان بكلية الآداب بجامعة الخرطوم. كنا جماعة: سيد حريز وأحمد عبد الرحيم نصر ومصطفى إبراهيم طه، وزعيمنا الدكتور يوسف فضل حسن. كنا مفتونين بـ(الفولكلور) الذي كلّفتنا الجامعة بجمعه وتبويبه ودرسه. ولم يكن أياً منا قد تخصَّص فيه فاتّسم عملنا بالتجريب والشَّغَف، وكان تاج كل ذلك شعور عميق بالزمالة. لم تكن تنعقد حلقة تسجيل مع مادح أو همباتي شاعر أو راوية تاريخ إلا وجدتنا حضوراً جميعاً نشدُّ أزر بعضنا بعضاً.
وفجأة ظهر بيننا الطيب "قاطع حبلو" من مقرن النيل ونهر العطبرا بجهة بلدة الدامر. قال إنه محب لـ(الفولكلور) وقد طلّق أشغاله كلها وقرّر التفرغ لجمع الأدب الشعبي. لا أذكر أننا سألناه عن مسيرته التعليمية، ولست متأكداً إلى يوم المسلمين هذا كم استحصل الطيب من علم المدارس. وكان واضحاً أنه رجل نيِّر ولكنه صِفْر اليدين من الشهادات. وأذكر أنه قال إنه كان مندوب أهله في المقرن في مجلس ريفي شندي الذي تَبِعت له المقرن، وقال إنه كان تاجراً أو تشّاشاً.
ولم يترك لنا الطيب باباً لمثل هذا السؤال فقد أخذنا بمحفوظاته من التراث وبأدائه بصوت طربنا له. وسعى يوسف في أروقة الجامعة يطلب له وظيفة لم تخطر على بال بيروقراطي وهي (جامع فولكلور) بأجر مجمّد قيمته 50 جنيهاً، وكان مرتب أي منا لا يتجاوز الستين. وقبلت به الجامعة. ووفرت له الشعبة عربة جيب رقمها 5 خ 8731 ومسجلاً (ريكورد) ألمانياً ماركة قروندق وسائقاً (دنقلاوياً) أنيساً هو السيد حسن خير الله، ودفتر بنزين صالح لملء تنك العربة أو شراء صفائح الوقود من أي طرف في السودان.
كانت هذه هي الفترة التي توسعت فيها حصائل الطيب من ثقافة الجماعات السودانية في الحضر والبادية، وفي العرب و(العجم). ووجد منفذاً لنشر هذه الحصائل في (سلسلة دراسات في التراث السوداني)، التي طبعناها بالرونيو كالشيوعيين والجمهوريين. ومكّنت هذه الفترة للطيب أن يقف على الخريطة الثقافية لضروب المأثور وملكات رواته ومؤدّيه، وأن يكشف عن (الضفيرة) النسيقة التي تربط آداب الجماعات السودانية. وكانت هذه الحصائل زاده في رحلته المثيرة في برنامجه التلفزيزني الذي هفت له الأفئدة وتخطفته الأسماع عبر سنوات: (صور شعبية) وكتبه الأخرى مثل (فرح ود تكتوك) و(الإنداية) و(المسيد) و(دوباي).
جاء الطيب إلى إثنوغرافيا (الوصف الثقافي) لثقافة السودانيين العرب المسلمين، الموصوفين كخليط عربي إسلامي أفريقي سفاحي المنشأ، في وقت كانت عورة دراستها بمناهج التخليط قد بانت. فالمنهج الذي كان سائداً اقتصر على التنقيب عن عنصرها وفرزها، وردّها ردّاً بسيطاً إلى مظانّها المرجَّحة: العربية الإسلامية أو الأفريقية. وانتهت مثل هذه الدراسة إلى اصطياد شوارد، أو حربها، أعقمت تلك الثقافة من كل حيوية في الترميز والمعاني والحيل.
ومعلوم أن ثقافة السودانيين العرب من الثقافات المزيج، أو الأمشاج، بقرينة خلطة عناصر عربية مسلمة وأفريقية فيها. والثقافات الخليط بخيسة الحظ في النظرية الثقافية. فهذه النظرية لا تحتفل بالثقافة الأمشاج، لأنها -في انشغالها بالصفاء والأصالة- تزدريها وترى فيها تشويشاً على رادار النقاء الذي تمتحن به الظواهر. فقد حَرّمَت هذه النظرية، في قول الأنثروبولوجي الأمريكي جيمس كليفورد صاحب كتاب عاذرة الثقافة، امتزاج الفكر والجسد عبر الأعراق. ورأت في المزيج سفاحاً من سقط الثقافة. وتولى الترويج لمنهج السفاحية وتطبيقه في دراسة الثقافة العربية الإسلامية كل من هارولد ماكمايكل (1882 ــ 1969م)، السكرتير الإداري للحاكم العام الإنجليزي للسودان في عشرينات القرن الماضي، وصاحب كتاب العرب في السودان (لندن 1967م)، والقس سبنسر ترمنغهام صاحب كتاب الإسلام في السودان (1946)؛ فهما يرياننا نحن السودانيين الشماليين سفاحيين وسَّخنا بياض العرب وكدنا نجعل من الإسلام وثنية أخرى. لقد آذى منهج السفاحية دراسة الثقافة العربية الإسلامية عندنا أذىً كثيراً، فقد مكّن لتخليد نظرية الأوابد، والأوابد هي تعريب الدكتور عبد الله الطيب للمصطلح الإنجليزي (Survivals) ويريدون به بقايا من حطام ثقافة سادت ثم بادت ولكنها انوجدت في ثقافة معاصرة لا يعرف لها أهلها وظيفة ولا كُنهاً. ولتقريب المعنى، فرسم الصليب على جبين المولود يقال إنها مما تبقّت من المسيحية السودانية الآفلة، ويضعه مسلمون الآن على جباه مواليدهم بغير ربط بينه وبين المسيحية.
جاء الطيب إلى وصف الثقافة العربية الإسلامية السودانية على فترة كانت الغاية من درسها هو رد عناصرها الخليط إلى أصولها: عربية مسلمة كانت أو أفريقية. وبذلك هبط المنهج بهذه الثقافة من نظام ترميزي معقَّد إلى مجرد (مستودع تاريخي) غاصٍّ بالشواهد الدامغة على المنشأ العربي أو الأفريقي لمفرداتها. وتحوَّل الناس بمقتضى هذا المنهج إلى حملة سلبيين لسِفْرهم الثقافي. والأصل في أهل الثقافة أن يساوموا بها، رمزياً، حقائق يومهم وتاريخهم، وتتّسع بها حيلتهم ليمخروا عباب الحياة بكفاءة وطمأنينة. وبالنتيجة لم تتعدَّ دراسة الثقافة العربية الإسلامية تفنيط رموزها الهجين. وقد رأينا الحبر الكثير الذي أريق من خبراء وهواة بقصد تأصيل الشلوخ وسَيْرة البحر بالجريد والطهارة الفرعونية. وقد شطَّ هؤلاء في الخلاف حول مناشئ تلك الممارسات، كما هو العهد في مثل من يتبعون مناهج الأوابد.
وجاء الطيب إلى ساحة وصف هذه الثقافة بفحولة منعشة. فكتاباته مثل (ذاكرة قرية) و(الإنداية) أو (دوباي) أو (المسيد) بمنجاة من منهج سوق الدليل من الفلكلور لإثبات عروبة السودان أو أفريقيته. فهو لم يخرج ليطعن في أيٍّ منهما أو ليثبتهما. فعروبة من سعى لوصف ثقافتهم هي من المعلوم بالضرورة. فهم مصدّقون في أنسابهم. وكان هذا قراره كإثنوغرافي. وتتفق معه في ذلك نظريات ثقافية مستحدثة تلزم الإثنوغرافي بأخذ رأي الجماعة في هويتها محمل الجد. فليس دوره أن يغالطها، بل أن يعرف الملابسات السياسية والاجتماعية التي تبنت فيه هذه الهوية دون غيرها. ولم يكترث الطيب بعد قراره الإثنوغرافي بأخذ عرب السودان بما قالوا من أنهم عرب بغير أن يروي قصة عن حياتهم التي يعيشونها حتى النخاع تستغرق قارئها وتمتعه.
فلا تخالط الطيب شبهة في عروبة أهل كتابه (ذاكرة قرية) أو عربية (الإنداية) كحانة للأنس، أو عربية عروض نظم بادية السودان التي درسها في (دوباي)، أو إسلامية مدرسة أو كتاب القرآن الذي فصّله في (المسيد). وهذه واقعية علم الإثنوغرافيا. فباحثها لا يتطفّل في شأن لا يعنيه؛ وهو تكذيب مبحوثيه وإقامة الدليل والبرهان على فساد اعتقادهم عن أنفسهم.
ولما أدار الطيب ظهره للخصومة حول أصول النظم التي درسها انفتح أمامه باب العلم بها من جهة أدائها وسدنتها وجمهرتها ووظائفها. فكان دأبه كإثنوغرافي أن يحيط بالظاهرة الثقافية التي يدرسها إحاطة السوار بالمعصم. وهي الإثنوغرافيا التي سماها كليفورد قيرتز بـ"الوصف الكثيف" الذي لا يترك في وصفه للثقافة المعنيّة شاردة ولا واردة. وهي قراءة زكّاها قيرتز على ضوء فهمه للمطلب من درس الثقافة. فهو يقول إننا ندرس الثقافة لبلوغ المعنى منها، وليس يهمنا قوانين تكوّنها أو انتشارها التي يحسنها العلم التجريبي. وكان من رأيه أن العمل الميداني لجمع المواد الثقافية مغامرة غراء. فهو لم يصمّم لتكييف الإجراءات من مثل التودد للجماعة المدروسة، أو اختيار الرواة أو المخبرين أو تدوين النصوص أو الاحتفاظ بمذكرة تدوِّن فيها ما مرَّ عليك خلال يومك. هذه إجراءات لربما حجبتنا عن العمل الميداني الذي هو ضربٌ من الجهد الفكري. إنه مغامرة فيَّاضة في الوصف الكثيف لعناصر الثقافة المدروسة. والقصد من هذا الوصف الكثيف أن يعظم عوالم الخطاب الإنساني. وهذا ما سنرى أنه كان شاغل الطيب في تآليفه.
كانت النصوص الثقافية التي انشغل بها الطيب قبله (فولكلوراً)، فردها للثقافة بوصفه الإثنوغرافي الكثيف. فقد سبق كليفورد قيرتز نفسه إلى القول بأن الفلكلور كان ثقافة قبل أن (تسخطه) آلهة أهل الشوكة، فتهبط به من مقام الثقافة إلى درك أدب العامة الذي هو الفلكلور. فليس من مأثور يولد فولكلوراً، وإنما يصبح فلكلوراً بفعل فاعل. فالفلكلور هو ثقافة موطوءة، انفرطت من حول مركزها، وتهافتت بعد أن تسيَّدت عليها صفوة غازية أو وطنية أصبحت ثقافتها هي المعيار وما عداها أضغاث عامة. لقد كفت أن تكون ثقافة بالعنوة.ووجدنا الطيب مثلاً يتوقّف دون وصف (دوباي) البادية السودانية بـ(الفلكلور) طالما كان تعريف الأخير هو مجهولية المؤلف. فدوباي العرب السودانيين ليس مجهول المؤلف، كما هو الأصل في المأثور المنسوب للفلكلور. فالبادية السودانية ضنينة بإرثها تتناقله منسوباً إلى قائله برغم كرِّ السنين.
فكتابه (دوباي 2000م)، الذي درس الميزان العروضي لنظم البادية العربية السودانية، باعترافه، هو حملته لاسترداد هذا المأثور العربي الإسلامي من مصائر الخمول الفلكلوري. فقد اعتقد مثل أهل النيل الأوسط ومدنه ووسائط إعلامهم أن مأثور البادية النظمي الغنائي كله (دوبيت) -وهي مما أذاعه المتعلمون من قراء الأدب العربي- فجال الطيب تلك البوادي على (رجل باحث) فلم يجد بينهم من يسمى نظمه (دوبيت). فهو عندهم (دوباي) وهو من عبارة (دوب)، وترد في مثل "دوب لي" أو "لأمي" أو "لعربي" في دلالة الحنين والتشوق. ولما ظل الطيب -بحكم عادة المدينة- يصف في رحلاته الباكرة مأثور البادية بالدوبيت أخذه المرحوم الشيخ الصديق أحمد طلحة بالشدة قائلاً: "الغنا دا اسمه عندنا (الدوباي) ومن أراد الدوبيت فليذهب إلى ناس البحر (النيل الأوسط والبندر)". وهذه (مقاومة) من صاحب تقليد ثقافي يرى الآخرين يسعون لخلعه عن مصطلحه. وهذا الخلع أول أشراط التهافت والتهميش. والتفت الطيب بعد أن حرَّره الشيخ من جهله بالدوباي ليقول بأن الدوبيت الفارسي معناه قيامه على بيتتين، ووزنه العروضي، حين شاع في النظم العربي، غير وزن الدوباي.
وما استعدنا للنص العربي البدوي قوامه حتى ساقنا بعفوية إلى جذوره في العروض العربي وتشقيقاته المحيِّرة. فالدوباي السوداني رجز يختلط أحياناً بوزن الكامل. وفيه زيادة هي مقطع زائد أو مقطعان يسبقان تفعيلات كل شطر يسميها العروضيون العرب (خزماً). وكل نظم بادية أواسط السودان رجز. وبلغ من سليقة البداة السودانيين العروضية وفطرتهم أن سموا الناظم بإطلاق (راجز). فكثر نظم العرب في الرجز فصار وزناً شعبياً، وهو مناسب للقطع لا الطوال. (ولكن الطيب عاد بآخرة ليقول بأن الدوباي شبيه بالهزج ويميل أحياناً للمتدارك بل يأتي في بعض صوره بمجزوء الوافر).
وحين نفى الطيب مصطلح (دوبيت) الصفوي عن النظم الشعبي البدوي أطلق جني التنوّع والسخاء الإبداعي في مضماره. فوجد بجانب الدوباي (المربع أو الجراري في كردفان) أشكالاً من النظم غاية في الرشاقة والتعبير عن الحاجيات النغمية لمبدعيها. فالشاشاي (ضرب من سير الحيوان ومن معانيها السير شوقاً للأهل والأحباب) . فالشاشاي (ضرب من سير الحيوان ومن معانيها السير شوقاً للأهل والأحباب) هي أغنية العمل لنشل الماء من البئر، وأهزوجة لدقاقي العيش "دق التقا"، وعازقي الأرض من المزارعين، وعمال المراكب، والجمالين، والحطابين، وللجلالات العسكرية، ولطحن العيش، وأغاني كرامة البنات ومعابثتهن في الأعراس بين فريق العريس وفريق العروس، ودودار الطيور، وهدهدة النوم،وجمع الفزعة. كما يسع الشاشاي أغاني السيرة وأناشيد الصوفية التي تنشد سيراً على الأقدام كمثل ما يفعل القادرية. وقس على ذلك ضروب النظم الأخرى مثل البوباي والهوهاي والجابودي والسومار والبنينة. ولبعضها تسميات أخرى في بادية شمال كردفان مثل الطمبور والجراري والتوية والجالسة ولبادا والهسيس. فانظر كيف ازددنا غنى وعلماً بنظم البادية بمجرد أن أسقطنا حزازة مدينية عشوائية.
رأينا كيف كشف الطيب عن ذوق البادية العربية السودانية وإيقاعها لمجرد أنه لم يرَ في مأثورها فولكلوراً موطوءاً غربت شمسه بحلول الحداثة. ورأيناه يطلق فسيفساء هذا الذوق العروضي من عقال ضغينة مدينية أخرى استبدلت مصطلح ذوق البادية بمصطلح جزافي من الأدب العربي. وحزازات المدينة والصفوة حيال العامة لا حصر لها. وقد وفر لنا كتاب الطيب (فرح ود تكتوك حلال المشبوك 1974م) نافذة لصناعة هذه الضغائن الصفوية. ومن ذلك أنها سيئة الظن بالريف، وتعتقد أن عقلنا الرعوي ــ الريفي هو الأصل في محنة السودان المزمنة. فهذا العقل البري متمكِّن حتى من صفوتنا يستبد بها حتى لو شرَّقت وغرَّبت واستطعمت من مائدة الحداثة الغربية.
ومع شيوع فكرة فساد العقل الرعوي إلا أنها لم تخضع بعد لفحص نظري أو ميداني نختبر بهما صدقيتها كتفسير جائز للخيبة السودانية. وبناءً عليه فالفكرة في أحسن أحوالها من فطريات الثقافة. فهي مجرد حزازة على حياة البداوة ينشأ عليها من ولدوا في القرى والبندر، وفاقم منها تشرُّب هؤلاء الفتية الحداثة الغربية التي البداوة عندها جاهلية أولى، ولا يتحضَّر الناس ويتمدَّنون إلا بعد أن ينفض الناس أيديهم عنها.
تتحدث صفوتنا كما رأينا عن (عقل بدوي) جامع مانع، رجعي، لو شئت، أو عقيم. فنجد الطيب حمته إثنوغرافيته الماهرة من ارتكاب هذا الظن السيئ بأهل الريف. فالطيب يكتب عن الريف من فوق نصوص وسعت كل شيء. وهذه بركة الوصف الإثنوغرافي الكثيف الذي الثقافة عنده أسفار الناس وذوقهم وسعة حيلتهم وأشواقهم وتوادّهم وتباغضهم، لا شواهد ميتة على أصولهم.
وخلافاً للعمومية التي تصف بها الصفوة المحدثة الريف وتختصره في (عقل بدوي) طائش تجد الطيب (يفكِّك) الريف فيستنبط منه عقولاً شتى. فأدخل الشيخ فرح ود تكتوك (1147هـ ــ 1734م)، الولي الصالح بقبر يزار شرقي مدينة سنار بولاية سنار، في جدل درامي أو مناظرات مع دوائر ريفية عديدة، أخذ فرح عليها أشياء من ثقافتها كما أخذت هي عليه أشياء. ووضح أن الريف ليس عقلاً واحداً أحد. ولا نعرف إن كانت تلك المناظرات التي بثّها الطيب في كتابه مما وقع حقاً، أو هو مما رتّبه الناس للمتعة أو تفنن فيه الطيب نفسه. وبدا الشيخ فرح في هذه الحوارات ممثلا للمزارعين (الحراتة) حتى قال له أحد الزبالعة (وهي طريقة زعم خصومها أنهم باطنية وحاربوهم حرباً شديدة) في مناظرته: "قصِّر حديثك يا طالب الدنيا يا رفيق الزراع" ووصفه آخر في معرض تبخيسه بأنه "فرح الحرات"، وفرح شديد الاعتزاز بالنسبة إلى المزارعين. ومن أقواله:
المال يا حراته (حرث)
يا وراته (وراثة)
أو
الحرات بريده ربنا القدوس
قدحو في الملم (المجمع) يبقى دوام مدعوس (ممتليء حتى يربى)
في الدنيا جابولو الفي العِيَّب (وعاء من الجلد الرقيق) مدسوس
وإن مات ساقوهو لجنة الفردوس
فالشيخ لم يتحرَّج عن العمل بيده ناعياً على مشائخ آخرين تبطّلهم وانشغالهم بالدنيا واعتمادهم على الأتباع في كسب الرزق. وربما كره هذه الصفة في الزبالعة الذين دوّخهم بالمناظرات.
من الجهة الأخرى تجد الشيخ في حرب شديدة ضد المتبطلين بالوراثة فترفعوا عن العمل. وتجسدت ظاهرة الترفع عن العمل اليدوي في شخصية ملقبة بـ(ود أب زهانة)، الذي قيل إنه عاصر الشيخ فرح في آخر أيامه. واسم (ود أب زهانة) هو المنسدح حمد المنسدح، نشأ في أسرة مؤثرة، وربته جدته لأمه، ولم يصلح في علم أو حرفة، وورث جدته وأباه فصار مزواجاً لا علم له بعدد ذريته أو أسمائهم، يحب النفخة والفخر، سمّيعاً، وأتى الدهر على ماله، وتفرق ولده. ومن رأي الطيب أن نسله هم مصدر (الزهانية) التي تجدها بمقدار بين السودانيين.
ولبيان هذه (الزهانية) التي تجري في أمثال سودانية شائعة يرسم الطيب صورة قلمية ليوم عاطل من أيام ود أب زهانة ويرصِّعه بتلك الأمثال الداعية للتبطُّل مثل "نوم الضحى يطوِّل العمر"، "من تغدّى تمدّى ولو الحرب دائرة"، "الحي رَزَق الحي"، "ربنا عايش الدودة بين حجرين"، "النوم خريف العين"، "إدّيَّن وإتبيَّن"، "رزق الليل ضيق"، و"الدين فوق الكتوف والأصل معروف". وستجد في الوقت نفسه في أدب فرح الحرّات أمثالاً جهيرة بتمجيد ثقافة العمل والكسب مخالفة لود أب زهانة. وهذه الأمثال المتناقضة من أوضح الدلائل على أن البادية، ككل جماعة بشرية، ليست على ذهن واحد في جدلها الذي لا ينقطع حول السبل والغايات.
ولقي فرح عنتاً من ثقافة التبطُّل. فسأل أحد أتباع ود أب زهانة حواراً لفرح عن شيخه. وسماه "كلب الدنيا يجري جري الوحوش" ولا يقع إلا على مقدار رزقه. فلما علم فرح بالمناقشة قال لحواره إن لقيت الزبلعي مرة أخرى قل له:
"إنت الفارغ
اللاك حاش ولاك زارع".
ومن جهة ثالثة فالشيخ الزارع باغضٌ لحياة البداة. فهم لا يثقون في الزراعة لخشيتهم أن يأكلها الطير، أو تنتابها الآفات فيحل البلاء. فهم يقولون: "الساعة ولا الزراعة"، أي أن قيام الساعة أهون من العمل في الزراعة. ولما علم فرح أن منشأ المثل هم البداة قال:
"الجمالة (البدو)
الدنيا عدوها جوالة
والآخرة فاتوها بي حالا".
وبدا لي أن الطيب لما تطرّق لكراهة البادية للعمل اليدوي خلط بين فروسية البادية التي قوامها (النهيض) و(أكل حق الناس)، وبين البدو الذين يستنكرون حياة الحرات أي المزارع. فعرض في هذا السياق لأغانٍ من بقاع سودانية مختلفة أراد بها توضيح ثقافة الفروسية التي تستخفّ بالعمل اليدوي لأنها تقلع (تستولي على) حق الناس عنوة واقتدرا في نُظُم عُرفت بـ(النهاضة)، أو (القيمان) أو (الهمباتة) وحتى (الجنجويد)، في رواية، وقد مثلّوهم بصعاليك العرب. وللدكتور شرف الدين الأمين عبد السلام كتاب جيد في المشابه بين التقليدين في الصعلكة. ولكني وجدت أن أكثر ما جاء به الطيب لبيان مجاجة الفروسية للعمل اليدوي هو غناء في تمجيد الرعي واستهجان الزراعة. ومعلوم أن الفروسية شديدة الصلة بالبادية والرعي. فالراعي (يتصعلك) في مقام (الفزعة) لاسترداد حقه، أو (النهيض) لأخذ حق الناس. من أمثال ما جاء به الطيب:
ناس الجنى فروعا (جنى الفرع: عطفه وماله، أي المزارع)
وآ ندم أمه وجوعا
عجبي الشال ممنوعا (ممنوعا هي السلاح الذي لا تحمله إلا بإذن الحكومة)
وكدي لبيلا رتوعا (وبيلا موضع بعيد ليمجد إبله في القشة البكر)
أو:
ما طق هشابة وما بياكل اللابه (الهشابة شجرة الصمغ. وطقها هو جرحها ليسيل الصمغ من جذع الشجرة).
جدي الريل مرعاه في الجرابة (وجدي الريل كناية عن الإبل والجرابة هي الأرض المخصبة).
جاء الطيب في وصفه الكثيف لنص فرح ود تكتوك بأصوات قوى الريف الحية والمتبطلة في جدل حثيث حول الغاية من الحياة ومثال النجاح فيها. واستطاع بدرمجة dramatization
هذا الجدل أن يبثّ في نصّه حيوية للريف لم تخطر لماركس وأرباب الحداثة الذين وصفوه بـ(البله) idiocy. وهذا المأخذ الماركسي على الريف ربما كان الأصل في سوء الظن به الفاشي في صفوتنا حتى لم تر في الريف غير عقل واحد ناضح بالغباء والرتابة.
ويقع كتاب الطيب (ذاكرة قرية)، الذي هو شهادته عن تربيته في مقرن عطبرة، في سياق نقده القويِّ للحداثة التي أخذناها وكالة لا أصالة. وقد قدمت للكتاب في موضعه في هذه الطبعة الكاملة، أو شبه الكاملة لأعمال الطيب. وقلت بأن دافعه لكتابته كان الغيرة من المدينة الضلّيلة. فقد رأى العزة بالغرب وسوء الظن العميق بإرثنا. وكتب (ذاكرة قرية) غيرة من المدينة (الغربية) التي وسمت كل شيء بميسمها فأنشأت أجيالاً سودانية "خالية الذهن عن تاريخها". ولينظر القارئ تفصيل هذه الفكرة في مقدمة كتاب (ذاكرة قرية).
والطيب كذلك لم ينشغل بمقادير أفريقية المدرسة القرآنية أو عربيتها حين كتب عنها (المسيد) وهو لغة في تلك المدرسة أو الخلوة في ارتباطها بحرم من مسجد وشيخ. فلما بدأ البحث عن المسيد في السودان ألقى بنظرة مقارنة إلى بلدان أفريقية. لم يفعل ذلك تربُّصاً بتلك المقادير من التأثيرات الثقافية وكيميائها التي شغلت من سبقوه في دراسة النصوص العربية الإسلامية في السودان، بل لأن المؤسسة وجِدت هناك بالأصالة. لم ينشغل في تحليله بأي جانب من المؤسسة انتمى لأفريقيا أو للعرب، بل بمنزلة هذه المؤسسة -التي ترعرع هو في أكنافها- التعليمية في صحوة المسلمين المعاصرة التي رغبت في العودة إلى المدرسة القرآنية طلباً لتعاطي الحداثة بقوة وبأصالة.
لم يحتج في دراسة المسيد بغير تلفُّت لعربيته أو أفريقيته لأكثر من زيارة لمسيد ود الفادني جنوب الخرطوم ليرى أفريقية الثقافة الإسلامية العربية في السودان. فبين داخليات المؤسسة العشرين هناك وجد واحدة لهوسا نيجيريا وثانية لإريتريا، وثالثة لفلاتة، ورابعة للفلاتة أم بررو، دعك عن داخليات أخرى لجماعات سودانية مسلمة غير عربية (التاما، مساليت، التنجر). ووجد في مطلع السبعينيات بالمسيد 6 طلاب من الكاميرون و11 من نيجيريا، و2 من النيجر، و3 من السنغال، و9 من تشاد و5 من زائيرأ و2 من غينيا بيساو. كما تطرق إلى اختلاف تعليم العربية في الخلوة لغير الناطقين بها بصورة تأخذ من لغتهم وتتدرج بهم في تعليم اللغة القرآنية الجديدة. ووجد أن قراءة الدوري الشائعة في السودان حتى طبعنا مصحفاً بها يعم أفريقيا المسلمة. ثم وجد أن يوم الأربعاء هو يوم قبول الطلاب الجدد في الخلوة في أفريقيا قاطبة اقتفاء للأثر: "ما بدئ أمر بيوم الأربعاء إلا كان حقاً على الله أن يتمه"، وهو اليوم عند بعضهم الذي خلق الله فيه النور.
وكتاب (الإنداية) -وهي الندي لشرب الكحول- ذؤابة في إثنوغرافيا الطيب الكثيفة. وكانت تربية المؤلف كلها قامت على كراهة الأنادي (مفردها إنداية). فقد كانت جدته تقول له في موضع التهديد: "أكان أخليك يا ولد أرهز (أرقص) في الدهلة (طبل ضربه علامة على بدء الشرب لذلك اليوم) وأصفي المريسة في الأنادي". ولم يسعفه إلا فضوله الفطري والمكتسب ليعرف هذه المؤسسة المنكورة عن كثب. وتحيَّل الطيب بحِيَل العمل الميداني كلها ليلقى القبول بين رواد الأنادي. ولم يمنع هذا من طرده مرة بتهمة أنه بصّاص من مخبري الحكومة.
استغرقت كتابة (الإنداية) ست سنوات طرق فيها أبواب أنادي السودان قاطبة، أو كاد. فغزرت مادته، ولم ينشغل إلا بصورة سطحية بأفريقية عناصر الإنداية أو عربيتها، مثل قوله إن مسلمي السودان استمروا على عادة الشرب لدخولهم الإسلام بمورثاتهم الخرافية والوثنية. وليست هذه بأبدع ما جاء في (الإنداية). ما انشغل به وأجاد هو عوالم الإنداية التي يغشاها الناس ندامى وخصوماً، عَلاًّ ونهْلاً، يسترقون من شظف الدنيا سويعة (يفرِّقون) فيها، كما نقول في الإنس والترويح.
وسع الطيب عن الإنداية علماً كثيفاً وعرضه بصورة أخاذة. فرصع وصف الإنداية بوقفات درامية انحل فيها السرد واكتسب النص صفة المسرحية بأسماء سكارى ومزاجات ولغة مسرحية يتواجه فيها رواد الحان منافسة في الشرب، أو في العطاء للمغنيات، أو في المعرفة بأصول ثقافة الإنداية مثل نصيحة من دخلها. ومن هذه النصيحة مثلاً أن تجلس على سرجك حتى لا يتخطفه رائد سكران اختلط عليه سرجه بسروج الآخرين، أو ألاّ تفوت كأسك لأنه يكشف عن ضعف في طاقة المرء الاستيعابية. لقد بلغ الطيب بـ(الإنداية) الغاية من الإثنوغرافيا، وهي أن تقص علينا قصة مشوقة.
وهذا الباع الإثنوغرافي الطويل مما أحسن إطراءه الدكتور عون الشريف في مقدمته للطبعة الثانية من الكتاب، قال إن الكتاب "بوابة عريضة من المعرفة بأحوال جانب مهم ومثير من أهل السودان". ولقد وافى ذلك غرض الطيب من كتابه، إذ قال إن الصفوة لن تبلغ غايتها من الإصلاح متى خاطبت غمار الناس من "منصاتها الخطابية" متفادية عسر التغلغل إلى مثل رواد الأنادي ومعرفة عوالم طربهم وأنسهم.
فالإنداية التي قد تصرفها كبؤرة ضوضاء غاصة بالثقافة. فالتاريخ مُستَدعى فيها. كما أن صلاتها بمزارات الصوفية المقدسة؛ نقيضها في ما نتصور، واشجة. مما يسترعي الانتباه مثلاً قانون الإنداية في نخب الشرب، المريسة، الثلاث الإتيكيتية. فهي مسماة على ملوك دولة الفونج، أول دولة إسلامية بالسودان (1504-1821م). فأول الأنخاب هو كأس عمارة أميز ملوك الفونج، والكأس الثانية باسم دكين المشهور من أولئك الملوك أيضاً. أما الثالثة فباسم قلبوس أحد أشهر قادة الفونج. فيمكن للشارب أن يكتفي بعمارة ودكين، إما إذا شرب قلبوس ولم يشارك في (العَدَل) -نصيب الشارب في تكلفة الشراب وتوابعه- بطلب من الساقية فإنه يطرد شر طردة.
ومع ما يبدو من جفاء قاطع بين الإنداية والدين أو المسيد إلا أن الأولى اكتشفت بأنها لا تصلح إلا بالثانية. ولا يقع على هذا التناغم إلا من تكبّد العمل الميداني وغاص في المؤسسات يشبعها وصفاً. ففي جلسات الشرب يحلف الواحد منهم بـ(المريسة) قائلاً: "وحات الحرام دا". ومن جهة أخرى فصاحبة الإنداية إن أصابها كرب استنجدت بولي. وهي تفعل ذلك لا رهبة منه بل تحت التهديد بأنه إن لم يسعفها حملت برمة مريسة إلى قبره احتجاجاً على تأخُّره. وللشيخ إدريس ود الأرباب (1650-1507)، الولي المعروف ومزاره بالعيلفون من ضواحي الخرطوم، دور في دراما الإنداية لا مهرب له منه. فالأنادي تقدم كأس الشيخ إدريس سماحة وضيافة. فللشيخ برمة (إناء فخاري) هي أول ما يملأونه بعد استواء المريسة. وتوضع هذه البرمة في صحن الإنداية شراباً مجانياً للمساكين من قدامى الرواد الذين شاخوا وفقروا. وقيل إن هذه البرمة أصلها نذر التزمت به شيخة إنداية ما إذا سلم جماعة ما، وصار عادة.
خلافاً للدارسين قبله في حقل الثقافة العربية الإسلامية في السودان أخذ الطيب عروبة أهلها بغير غلاط. فاتصالهم بالعرب الأقدمين عنده حقيقة لا مرية فيها، توثقها أنساب لا مطعن فيها لأن "الناس أمناء على أنسابهم"، كما جاء في الأثر. فهم عنده "يعيشون العربية لغة وسلوكاً وذوقاً"، فعروبة أهلها في أفريقية عنده لا حاجة للبرهان عليها ولا تبديل لها.
أنا زعيم بأن الطيب مات سعيداً ودعك من المنغصات. فلم تعد صورة (الفلكلور) بعده كما كانت قبله. لقد نعم بحب الناس عاديين وغير عاديين لأنه التمسهم كحملة ثقافة لا مهرب منها، بينما قامت بعثة الصفوة الغربية وحتى الإسلامية على تفريغ الناس من ثقافتهم (التقليدية) الفاسدة لحقنهم بالحداثة أو العقيدة الصحيحة. لقد حسدته كثيراً متى كنا على سفر أو زيارة على تعرُّف الناس عليه بالفطرة وإقبالهم عليه كشركاء في مشروعه، يسألونه عن الأنساب أو صحة نطق اسم مدينة أو مزارات ولي. وكنت أستمع إلى حواراتهم معه يديرونها على قدم المساواة، وكنت أنطوي منهم على صفويتي الحبيسة ولغتي الكاسدة. كان الطيب يعلم علم اليقين حب الناس له. بل ومناصرتهم له. لم يكن الطيب لينجز أكثر برنامجه التلفزيوني (صور شعبية) لولا سخاء مشائخ وتجار وأحباب موّلوا زياراته الميدانية لبقاعهم وأحسنوا إليه. وهذه سنة في الإحسان إلى أهل المشروعات الثقافية لم تقع لصاحب مشروع ثقافي حديث قبل الطيب. وكان الطيب غنياً بهذه الصحبة عن تكفُّف الدولة العادلة والظالمة.
كان كثير من الناس يزكّي الطيب محمد الطيب بالنظر إلى عِظَم مأثرته وتواضع كسبه العلمي (لم يتجاوز المدرسة الابتدائية) بقولهم: "لو تلقى علماً جامعياً لفاض وأربى". ويتوهم القائلون، على حسن نيتهم، نقصاً في الطيب لا دليل لهم عليه سوى عقيدتهم في أن الإحسان لا يقع إلا بالتعليم النظامي والترقي فيه. فجعلوا كسب الطيب المرموق كفاحاً حجة للتعليم النظامي لا حجة عليه. ففحولة الطيب ومباحثه في عمق الروح السودانية، متى لم نفسدها، بمثل التقوُّل أعلاه، كفيلة بوضع يدنا على علل تعليم المدارس المستحدثة التي تجفِّف ملكات خريجيها. فمأثرة الطيب مجروح الشهادات في عرف المحدثين، وتأسياً بنفسه، أنه لم يشترط لتعاطي الثفافة شهادة موثّقة أو لساناً متحذلقاً. لقد جعل الأميين صنّاع ثقافة، وسألهم بتواضع جم أن يملوها عليه، وفعلوا وفعل. وزدنا بذلك إنسانية هي ما يبقي على هذا البلد الطيب برغم الشرور التي أحدقت به طويلاً.
انصرف جهد الطيب غير المقلّ لرد الاعتبار للريف. لقد فرض على المدينة أن تصغى لثقافة الريف بوسائل ذكية. يكفيه (صور شعبية) التلفزيوني الذي شدّ الأسماع والأنظار إلى ثقافة مظنون أنها من "هبل الريف"، في قول ماركس. وأصبح الريف به يلقي قولاً حسناً للمدينة. لقد أراد لمأثور المدينة والريف أن يتكاملا، لا أن يتشاكسا عملاً بفطانة النبوة. فقد روي أن زاهراً بن حرام كان يهدي الرسول صلوات الله وسلامه عليه من البادية. وكان الرسول يرد الهدية بأحسن منها من حاضرة المدينة. فقال عن زاهر: "إن زاهراً باديتنا ونحن حاضروه". فتأمل جدل الحلف النبوي.
 
الرحمتات عادة سودانية قديمة ودائماً يكون زمنها آخر يوم خميس في رمضان وتليه (الجمعة اليتيمة) كما يحلو للسودانيين تسميتها ، وهي آخر جمعة في شهر رمضان، وغالباً تذبح فيها الذبائح عند ميسوري الحال، أو تشرى اللحوم لصنع الثريد (الفتة) ويصنع فيه عصير البلح بطريقة سودانية فريدة، وكلمة رحمتات في الأصل من كلمتين: الرحمة تأتي وذلك لكثرة التصدق بنية التقرب الى الله في ذلك اليوم.

وفيها يعمد الناس إلى التصدق على موتاهم بصورة جماعية أو فردية وقد اشتهر أهل المدن والقرى العريقة بعمل مائدة كبيرة يميزها صحن كبير يحتوي على «فتة اللحم» والبلح والعصير..
..
الرحمتات - عشا الميتين - إِنْديَلِقي أرْهَمَيرنْ - الجمعة اليتيمة , جميعها تعنى شيئاً واحداً عند السودانيين فى القرى والأرياف وهى عبارة عن وجبة كاملة الدسم تقدم في اخر جمعة في رمضان , يمكن ان تقوم بها العائلة منفردة , أو تشترك مجموعة من الأسر في شراء خروف أو عتود أو عنبلوق ويتم تقسيمه بينهم . وفى منطقة الخليج يسمونها (القرقعيان). وكلمة رحمتات في الأصل تتكون من كلمتين هما (الرحمة تأتي) وذلك لكثرة التصدق بنية التقرب الى الله في ذلك اليوم. والغرض منه التوسعة على الأهل الأحياء منهم والأموات ليلة الخميس ويليها الجمعة الأخيرة من رمضان وتسمى (الجمعة اليتيمة) . يعتبر هذا اليوم هو بمثابة عيد للأطفال يغنون ويلعبون ويأكلون حتى تمتلىء بطونهم من أكل (الفتة).يتجول الأطفال من بيت الى بيت يطرقون الأبواب فرحين وهم يهتفون ويغنون , ويستعجلون صاحبة الدار أن تأتى لهم بالطعام سريعاً , ويطلقون على هذه الفتة إسم (الحارة) لأنهم يأكلونها وهى سخنة ودخانها فى السماء ويأكلون معها التمر المبلول, ويقولون فى كورال جماعى جميل:

الحاره ما مرقت ... ست الدوكه ما وقعت
الحاره مامرقت ..... ست الدوكه ما .....
قشاية قشاية ............ ست الدوكة نساية
كبريتة كبريتة ....... ست الدوكة عفريتة
ليمونة ليمونة ....... ست الدوكة مجنونة

فتستعجل ست الدوكة وتخرج لهم الحارة فيأكلونها بنهم شديد حتى تمتلىء بطونهم , ويتجهوا بعدها الى منزل آخر , ودائماً ما يتخير الأطفال المنازل التي يضمنون أن يجدوا فيها اللحم والأرز الذي كان عزيزاً فى ذلك الزمان , ويكررون نفس الأغانى والأهازيج من دار الى دار ومن زنقة الى زنقة حتى يتزنقوا ويصعب عليهم التنفس , وفى اليوم التالى يصبح كل شفع الحلة (مكوفرين)... بعض الناس يحتاجون الى ترجمة كلمة (مكوفر)....
 
ام درمان اثنى لها رائحة ومذاق وطعم ولون وحياء وغيرة لا تجدة فى كل المدن الفى السودان و ان كانت امدرمان قد تغيرت كثيرا بفعل الهجرة من الريف والاقاليم وشتى بقاع الشودان اليها ولكن هناك من المعالم الشامخة التى لم ولن تتغير حتى قيام الساعة فهناك بوابة عبد القيوم وهناك الطابية التى بنيت منذ المهدية وهناك قبة الامام المهدى وميدان الخليفة عبداللة التعايشى وهناك مستشفى ام درمان التعلميى الشامخ والصامد صمود الرجال من اولى الباس والقوة وهناك الاذاعة السودانية واجمل مافى الاذاعة انة بين الحين والحين انك تسمع المذيع ويقول ويذكرك بانك فى ام درمان وان كانت فى نظرى ان الاذاعة هى الوحيدة التى حفظت الود والحب والجميل الى ام درمان حينما تنكر ورحل عنها كثير من الاسر والمؤ سيين لتك العاصمة الاثنى
ولكن اغلب من رحل منها فى الغالب لو رجعت الى تاريخة الطويل تلقى ان جذورة الحقيقية جاءت الى ام درمان بعد الثورة المهدية بكثير
ولكن اغلب الناس والاسر التى جاءت مع المهدية الى الان فى تلك المحبوبة ومعاها وفيها
هناك من الاشياء والثوابت فى امدرمان الاحياء الى سميت باسماء بعض ابطال المهدية مثل ابوروف وخور ابوعنجة وحوش الخليفة وبيت المال
وحى الامراء و حى السيد ا لمكى وفريق العبابدة والاحياء الاخرى مثل حى الاسبتالية وحى السوق وحى المسالمة وحى المظاهر وحى العرب وحى العرضة والعبا سية وحى الهاشماب وحى الموردة وحى الملازمين وبيت المال وابى روف وودنوباى وحى ود اللدر وحى الدباغة والاحياء الجديدة
زى الثورات وحى المهندسين وحى الواحة و تعويضات بيت المال الفتحياب وابوسعد من الاحياء القديمة وامبدة والكثير من الاحياء
وتلك محبوبتى الانثى انجبت الكثير من الرجال والنساء الذين صنعوا تاريخ امة وقد انجبت وربت اعظم من حكموا السودان وانجبت من سطروا تاريخ امة السودان امدرمان التى انجبت السيد عبدالرحمن المهدى والسيد الصديق المهدى والسيد الامام الهادى والسيد الصادق المهدى والسيد فضل بن خليفة المهدى وكل نساء ورجال واطفال ال المهدى وام درمان هى التى كان فيها ا لعد يد من الذين ولدوا فيها ومن تربوا فيها و منهم الزعيم اسماعيل الازهرى
واغلب ال الازهرى وال وعائلة السيد مولى كرار وال الشبلى وال بدرى وال عبداللة خليل وال شبيكة و كل افراد وعائلة الشيخ امد اللة فى عمرة الشيخ
صادق عبداللة عبدالماجد من حى ودنوباى و عائلة ال ابو بحى الملازمين وعائلة سليمان صالح خضر بحى الملازمين الان وقبل ذلك كانوا فى حى الشهداء وعائلة الشيخ الطاهر الشبلى مؤسس مدرسة الهداية وهى اول مدرسة اولية فى ام درمان فى حى السيد المكى وجوار بيت الزعيم الوطنى عبداللة
خليل واحييى السادة ابناء الاستاذ الجليل الطاهر الشبلى وعلى راسهم الدكتور صديقى علم الدين الشبلى والدكتور الفاتح الشبلى وكل العائلة الكريمة ولا انسى عائلة ابو العلاء وكل ال ابوالعلاء وهناك الالاف ن العوائل التى عاشت وتربت فى ام درمان وان كنت سوف اكتب عنهم فى المواضيع القادمة لو امد الله فى عمرى
ومن العوائل الكريمة فى ام درمان عائلة الاستاذ المرحوم عبدالخالق محجوب وهم من حى السيد المكى ولكن جوار طلمبة جكسا سابقا وقصاد مركز اسيا الطبى الان ومن العوائل عائلة با بكر بدرى اول من ادخلوا التعليم النسائى فى السودان فى مدينة رفاعة ثم انتقلوا الى امدرمان و قامت على اكتافهم
مدراس الاحفاد بنات وبنين والان جامعة الاحفاد واحييى صديقى قاسم بدرى والدكتور اشرف محمد بدرى والمهندس ايمن بدرى وكل عائلة بدرى
ومن العوائل المعروفة عائلة كبيدة وهم بحى الاسبتالية جوار محلات عاصم وعاصم للموبيل وان يطلق على هذا الحى حى الشهداء ويطلق علية ايضا
فريق الاسبتالية ويطلق علية ايضا فريق العبابدة ويطلق علية ايضا حى الملازمين شرق ومن هذة العائلة احييى الاخوان د- كمال كبيدة والاخ فيصل محمد عبدالرحمن كبيدة منهم الى الجيران يمين كانت عائلة الوكيل وبعدهم عا ئلة سليمان صالح خضر والكل يعرف عنة انة صاحب مصنع الفلير دمور الريحة واحييى ابناة محمدسليمان وصالح سليمان وجوارهم منزل المرحوم المدرب الكبير المعروف مدرب المريخ منصور رمضان الذى توفى اثناء تدريب فريق احد السعودى فى السعودية
وجوراهم منزل ال عبدالرحمن احمدنور الشيخ الملقب بعبد الرحمن الانصارى واخية يعقوب واخية محمداحمد وهذا هو مسقط راسى منز لنا منذ عام 1912 ووالداى هو عبدالرحمن احمدنور الشيخ الملقب بالانصارى وبعدنا منزل ال بخيت مبروك وبعدنا منزل الشيخ دكة وبعدنا مصحة عبدالمنعم التى صار فيها مركز اسيا الان وبعدنا مركز الختميية سابقا ومن خلفنا كل عائلة الاحيمر واخوانة ومن خلفنا عائلة طة عبد السيد وهناك عائلة قريجون وهناك عائلة
ال محجوب باشرى وهناك عائلة سراج عبداللطيف وهناك الكثير من العوائل المعروفة فى ام درمان
ام درمان حببتى التى غنى لها وتغزل فيها كثير من الشعراء والفنانين وقد انجبت ام درمان منهم على سبيل المثال وليس الحصر انجبت امدرمان من
الشعراء سيف الدين الدسوقى محجوب سراج خالد ابو الروس صالح عبد السيد ابوصلاح الذى غنى لة محمد الامين الامين العيون النوركن بجهرة وهى فى فتاة من ام درمان وليس فى قاردن سيتى والشعراء على شبيكة وصلاح احمد ابراهيم ومحمد المكى ابراهيم ومنهم من ولد فيها ومنهم من تربى فيها وترعرع ومنهم فراج الطيب ومصطفى سند عبداللة النجيب شاعر العيون الذى كتب صدقت العيون وكلام المحنة قال لى كلمة طيبة كانت منو حلوة
ومنهم الشا عر محجوب شريف ومنهم عمر الطيب الدوش الذى قال بناديها وبعزم كل زول يرتاح على نظرة عيون فيها بناديها ومنهم المرحوم عثمان حميدة تور الجر ومنهم ا لشا عر الكبير احمد محمد صالح الذى قال ولما نالوا مرماهم جافونى وقالوا حبى جنون ومنهم الكثير والكثير
امدر مان تلك العاصمة الانثى التى انجبت وتربى فيها وسكن فيها وعاش فيها وعشقها من الفنانين مثل ابراهيم الكاشف ابراهيم عوض احمد الجابرى صلاح محمد عيسى محمد الامين عبدالقادر سالم صديق عباس عبدالوهاب الصادق عثمان الشفيع صلاح مصطفى خليل اسماعيل اسماعيل حسب الدائم كما ترباس نادر خضر
سامى المغربى محمداحمد عوض ولاانسى ال الفرجونى العائلة المعروفة منهم الفنان احمد الفرجونى وكل ال الفرجونى الفناننين والكثير من الفنانين والعازفين
و ام درمان التى انجبت من فرق الكورة تلكم المجنونة احسن فرق السودان حتى الان وهى فريق المريخ وفريق الهلال وفريق الموردة فى الدرجة الاولى ومن الفرق المعروفة فريق ابوروف وبيت المال والعباسية والهاشماب وابوسعد وودنوباى والاصلاح وحى العرب والتاج والكثير من الفرق
وا نجبت تلك الانثى ام درمان التى انجبت اغلب لعبية الكورة فى السودان انجبت وربت صديق منزول وجقدول وماجد وجكسا ومنصور رمضان وقرعم وعبدالبعزيز حارس المريخ وكمال عبدالوهاب الدحيش سليمان عبدالقادر فوزى المرضى قاسم عطية وسيكا حمدى قون التاج وكامل العرضى
قون التاج والزهرة مصطفى النقر والفاتح النقر د-- هاشم عجيب الحفيان لاعب ودنوباى الدولى عزالدين خورشيد لاعب المريخ صلاح ابوروف
والكثير من الدوليين من ناس الكورة
ام درمان التى انجبت وربت من رجال السياسة والوزاء الكثير ومن حكموا السودان على امتداد قرون من الزمن ومنهم
عبدالرحمن المهدى الصديق المهدى احمد المهدى الصادق المهدى والامام الهادى المهدى واسماعيل الازهرى وعبداللة خليل والنميرى وايضا عبدالخالق محجوب وهاشم العطا واحمد سليمان وزير العدل السا بق وابوالقاسم محمد ابراهيم وزين العابدين محمد احمد عبدالقادر وخالد حسن عباس
والكثير من الر وسا ء والوزراء
ومن الاغانى التى تعزل فيها الشعراء فى محبوبتى ام درمان الكثير من الاغانى والشعر ولكن اكثر ما تغزل فيها حتى ابكتة هذة المحبوبة هو سيف الدين الدسوقى فى قصائدة الكثيرة عن ام د رمان واجملها قصيدة ام درمان تلك العاصمة الاثنى المنشورة فى منتدى الشعر فى ا لموضوع الذى كتبتة انا عن صديقى سيف الدين الدسوقى ولكن هناك الكثير والكثير منمن كتبوا وغنوا الى المعشوقة ام درمان ومنهم على سبيل المثال
الفرجونى حين غنى انا ام درمان انا ام درمان
ومنهم احمد المصطفى حين غنى عن ام درمان
وهناك اغننية انا بيك سعادتى موكدة وبلا حياتك منكدة ياجميل ما بصحة ليك تعمل كدة والتى يقول عبدالعزيزا لمبا رك فيها وفى النص ماعندى مانع حتى لو ضيعنى ساكن الموردة
وهناك الاغننية المعروفة التى يتغنى بها ترباس يا لماشى لى ام درمان جيب معاك امان
وهناك الاغانى ا لكثيرة والغزل الكثير فى احياء ام درمان مثل لى فى المسالمة غزال نافر بسمى عليهو
وهناك زمان الناس هدواة بال وانت زمانك الترحال وفيها يقول الشاعر عيون امدر فى بيت المال
وهناك اغننية احمد المصطفى التى يقول فيها فى الحى الامامى جوار الاسبتالية
والكثير والكثير من الابداع والمبدعيين فى بلادى من امدرمان وان اجمل ماسمعت من القول عن حب ام درمان للغر باء وفى اكرمهم ماقالة الشاعر الامدرمانى العبادى حيث قال فى كرم ام درمان امدرمان القامت بجهلة ادت الغريب وابت اهلها فان كنت من ام درمان فستفهم القولة دى بحق وحقيقة وهى حقيقة قولة ويمكن ان نقول انها حكمة بجد ففكر وانظر من حولك من الذين هاجروا الى امدرمان وانظر الى نفسك فاين انت واين هم الان
وانا مهما اقول فيكى يامدرمان لن اشفى غليلى وما فى صدرى وقلبى من حب وهيام وشوق وحننين فلك العتبى يامن اكلنا وشربنا من خيرتك وترعرنا فى حبك وحضنك ولكن كتب علينا الاغتراب والخروج منكى وقسمة غايتو نعيش بدونك لابا يدى ولابايدك وهكذا الدنيا يا محبوبتى ويا عشقى امدرمان هكذا الدنيا تجمع وتفرق وانا فى كل نسمة عليلة اتذكر رائحة العنبر والمسك وهى رائحة بيوت الزبالة والتى كانت تمثل لى رائحة العنبر والمسك
ومسك الختام ان فى بيوت الطين وبيوت الزبالة وبيوت الواضة المفروشة برملة ومرشوشة بموية اجمل بنات بلدى واجمل الغيد الحسان واجمل الامهات واجمل الاباء واجمل الاخوان واجمل ا لاصدقاء اجمل المدراس واجمل التعليم والفن والذوق والادب وكلوا دة موجودفيكى يامدرمان والباقى فى نظرى
وواللة العظيم الكريم مجرد وهم وسراب ونفاق اجتماعى ومظاهر خداعة وتقليد اعمى ومظاهر من نوع شوفنى والحب والذوق والعروسات الحلوات
ومودبات وجميلات ومتوضعات وكلهم حياء فى بيوت من زبالة ربما يكون البيت من زبالة فى ام درمان ولكن الداخل البيت ربما يكون فى عفافة وفى علم وادب اهلة وكرمهم وبشاشة الوجوة الطيبة
وفى ذوقهم وفى حبهم وفى قلبهم اكبر بكثير من ما فى تلك الشقق الفاخرة والبيوت العليا و العربات الفارهة ودة كلوا فشخرة الامن رحم اللة ربى من الناس والعوائل
فان خيرت انا شخصيا بين بيت فى مهب الريح فى امدرمان وبين بيت فى قاردن سيتى وفى المعمورة وفى الرياض وفى ا لمنشية فاننى والحق يقال
ساختار امبدة والاالقماير لانو فيها الطيبة والشهامة والرجولة ولما يكون عندك بكى ولافرح ولازول جاتوا قبضة فى الليل البهيم سوف تفهم كلامى وعشان كدة كانت ام درمان ماوى الى كل الناس واتمنى انو كل واحد يكتب لينا عن قريتة ومدينتة و مسقط راسة لان السودان بلد مترامى الاطراف والمساحة .......................... منقول
 
أعلى أسفل