متى يحق للرئيس التدخل الفني في إختصاصٍ ما..؟ تجميد المنهج الدراسي مثالًا.

osman

:: كاتب نشـــط::
متى يحق للرئيس التدخل الفني في إختصاصٍ ما..؟ تجميد المنهج الدراسي مثالًا.

عشان ما ننسى وسط الزحمة..

✍عثمان عمر.

جرعة وعي:

للرئيس أو الوزير أو المدير أو المسؤول.. له حق التدخل الإداري وهذا من صميم منصبه.
ومن صميم عمله وضع كل البرامج والخطط وجدولة الأعمال.
ومن صميم منصبه تعيين وإختيار الوزراء والمدراء والمسؤولين..
وواجبه الأول رعاية كل موظفيه ومنسوبيه وتوفير بيئة العمل الصالحة لهم..
وبحكم منصبه له الحق بالمكافئة للناجحين، ومحاسبة المقصرين والفاشلين..
كل ما ذكر أعلاه وغيره للمسؤول الأعلى أن يمارسه بكل يسر..
فقط العملية المعقدة تتمثل في الإقالة والطرد.. وضعت كل القوانين عناية خاصة للإقالة والطرد لكي لا يستخدمها لأهوائه الشخصية، فهذا الأمر يخضع لمعايير دائمًا ما تكون واضحة.
والى آخر المهام الإدارية.

هنالك قسم آخر في العمل التنفيذي وهو الشق الفني..
هذا القسم لا يحتمل أي تدخل إداري مباشر في الرؤية أو في التقديرات الفنية.
التقديرات الفنية تعود للفني وليس للإداري..
أعطيك مثال ولو أنه الأمر واضح فقط لمزيد من التوضيح..
الى المثال:
لدينا طبيب وفني المختبرات الطبية.
الطبيب يحدد نوع الفحص المعملي حسب الأعراض بتقديره المهني..
فني المختبر يعاين ما طلب منه فقط من غير أن يتدخل برأيه ويختبر مرض آخر..
الطبيب يقدر الدواء حسب إفادة فني المختبرات..
برغم أنه الجهتين تنفيذيتين الا أنه الدور الإداري يعود للطبيب والدور الفني يعود لفني المُختبر.

هنا مثلًا السيد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أراد أن يغير المنهج الدراسي.
خاطب الجهة المعنية وزارة التربية والتعليم متمثلة في وزيرها.
وزير التربية والتعليم قام بإبلاغ القسم الفني المختص في وزارتة متمثل في مديره الدكتور عمر القراي..
المدير عمر القراي أسس فريق عمل فني، أو للوزارة فريق عمل فني جاهز.. المهم هذا الفريق معتمد من الدولة من أعلى هرمها مرورًا بالوزارة المختصة، هذا الفريق يستوفي كل شروط الكفاءة المهنية.
من هنا لا يملك أحد حق التدخل الفني في أعمال هذا الفريق.
لا يملك الوزير حق التدخل ولا يملك الرئيس حق التدخل..
وهكذا تقوم المؤسسات، وهكذا تقوم الدولة بهذا التسلسل السلس والمتناغم..
ولكن مهلًا هل هذا كل شيئ وهل هذا يحتم على المسؤول الأكبر (إعتماد العمل) راضخًا أو راضيًا أو مُكرهًا..؟
بالتأكيد الإجابة لا.. من أين أتت الجملة بين القوسين أعلاه - إعتماد العمل.. هذا تدخل فني.. لأنه طالما يملك حق الإعتماد أيضًا له حق الرفض وعدم الإعتماد.!
بدا في الأمر تناقض اليس كذلك..؟
حسنًا، أعطني القليل من العصف الذهني والإجتهاد لنخرج من هذا التناقض..
نعم إذا لم يقتنع رئيس الوزراء بالعمل الذي قدمه الفريق الفني، له الحق بأن لا يعتمده..
ولكن الى الآن لا يملك حق التدخل الفني بالتعديل.. الكشط أو الإضافة..
ولكنه لن يعتمده لأنه غير مقتنع به.. ما العمل إذًا..؟
للرئيس أو الوزير أو المدير أو المسؤول كما أسلفنا الى الآن له الحق الإداري..
وهذا الحق مايزال يمنحه أمرين..
• الأمر الأول إذا كان المسؤول متخصص علميًا في نفس المجال، مثلًا لو كان السيد حمدوك تخصص إعداد مناهج سيجلس مع إدارة المناهج بصفته زميل فني والمسؤول الإداري الأكبر، وسيناقش معهم النقاط التي لم تقنعه..
بالتأكيد إدارة المناهج لن ترى في الأمر تدخل في غير محله لأن المسؤول الأكبر متخصص مثلهم وزميل مهني.
سيتحول مثالنا في مقدمة المقال من طبيب وفني مختبرات الى طبيب وصيدلي سيصوب أحدهم الآخر في نوع وجرعة الدواء.. أو الأمر سيكون مثل الطبيب ومديره الطبي مع إحترام المقامات بتفاوت الدرجات العلمية والتجارب العملية الا أنه لن يمنع ذلك التفاوت الحوار بينهم، بمعنى: توفرت شروط النقاش فيما بينهم.
• الأمر الثاني: إذا كان المسؤول غير متخصص في المجال ولكنه أيضًا غير راضيٍ بالعمل ولم يستطيع الفريق إقناعه، له الحق الإداري بتشكيل لجنة أخرى من فريق فني متخصص آخر، حسب الصلاحيات والقوانين هل ستكون لجنة مؤقتة أو لجنة دائمة، ولكنها بالتأكيد ستكون لجنة بصلاحيات أعلى من الإدارة الفنية الحالية..
حسب القوانين هل ستكون اللجنة مستقلة عن رئاسة الوزراء ووزارة التعليم أم ستكون لجنة تتبع للوزارة أو رئاسة الوزراء..
في الغالب تكون مثل هذه اللجان مستقلة تمامًا ومعنية فقط بالتناغم مع إدارة المناهج، لأنها لن تستطيع إلغاء إدارة المناهج كمؤسسة معنية بأدوار أخرى كثيرة لايقتصر عملها في (إقتراحات) التعديلات فقط.

ومن هذا المنطلق يعتبر تدخل السيد رئيس الوزراء وتجميده للمنهج الدراسي الجديد هو تدخل مرفوض لا يستند لأي منهجية مقبولة.
إستخدم فيه سُلطاته خارج الصلاحيات الممنوحة له.
لا سيما وهو يعدد الأسباب التي دعته لهذا التدخل المجحف والمرفوض في بيان مكتبه التوضيحي في نقاط عدة.
منها: إستشارته لجهات غير متخصصة كالجماعات الدينية الأنصار، وجماعة أنصار السنة، والصوفية، وجماعة الأخوان المسلمين.
دعونا من ساس ويسوس وفلول الدولة العميقة وما الى ذلك..
دعونا فقط في العمل المؤسسي.
ولو أنه رسالة حمدوك واضح وأنها سياسية أراد أن يقول فيها وبكل وضوح بأنه إنحاز للمعسكر والجانب الآخر من بقايا فلول النظام البائد كما فهمها كل الشرفاء، وأوضحها دكتور القراي في بيان إستقالته.

من أين للجماعات الدينية تقييم المناهج الدراسية والتربوية..؟
• إذا كانت لهم أسألة وإستفسارات في هذه الحالة يتوجهوا بها مباشرةً للإدارة المختصة وهي إدارة المناهج..
• إذا كانت لديهم وجهة نظر أو أي قراءة نقدية، لا بأس بأن يتوجهوا بها الى المنابر لبث مزيد من الإستنارة والتوعية، ولكن دون أن يلزموا بوجهة نظرهم أحد، متقيدين بكل قوانين وأخلاقيات الخطاب العام.
• إذا كانت لهم مناصحة ضرورية أيضًا لا بأس بأن يتوجهوا بها لرئيس الوزراء ولكن دون أن يلزموا بها أحد.
• إذا كان لديهم ملاحظات أو إعتراض حول المناهج لا بأس.. ولكن الأمر يتطلبهم الكثير من التنظيم بتكوين لجنة مختصة تتجه مباشرةً بملاحظاتها لإدارة المناهج بعيدًا عن ضجيج الإعلام..
• كل هذه وغيرها حقوق طبيعية ديمقراطية يمكنهم ممارستها بعيدًا عن تجييش العاطفة الدينية لدي العامة وخلق الفوضى التي لن يحمد عقباها.

بالعودة للبيان التوضيحي الصادر من مكتب رئيس الوزراء والذي بموجبه تم تجميد المنهج الدراسي الجديد، وبعد إشارته للجهات غير المختصة التي إستشارها رئيس الوزراء، ليته لو إكتفى بذلك، بل تعدى الأمر الى الأخطر وهو يشير راضيًا لنوع غريب من الديمقراطية.
يقول فيما معناه من الجيد هذا الحوار حول المنهج الدراسي الذي يعبر عن ممارسة الحقوق الديمقراطية..
السؤال: هل هنالك شعب في هذا الكوكب متخصص في وضع المناهج لكي يسمي الأمر حوار ديمقراطي.
ومنذ متى كانت الشعوب تضع المناهج الدراسية أو تناقشها..؟
هل وضع اليابانيون المنهج الدراسي الياباني..؟ وهل فعل الأمريكان، الألمان، الفرنسيين، الإنجليز..؟
أتحدث عن الشعوب التي ساهمت بمستوى تعليمها العالي في الطفرة التكنلوجية الكبيرة في العالم.
لا يمكن أن تخضع اعمال التخصص الفنية لرأي الجمهور، هذه ليست ديمقراطية، بل هو إجهاض للديمقراطية بوضعها في غير مكانها الصحيح، لأن الأمر ليس تقديري.. بل فني يقوم على البحوث والتجارب العلمية.
دائمًا له لجان وكفاءات متخصصة مسنودة بتجارب محلية ومطلعة على تجارب الدول الأخرى، وعلى التجارب العالمية.. أو هكذا جرت العادة.
بهذه الديمقراطية الغريبة الآن إهتزت ثقة أولياء الأمور، وباتوا يفكرون في قلق متنامي عن مصير أبناءهم..
الشعب بوعيه لم يكن ليتأثر بهذا القدر لو توقف الأمر على الحملة الشعواء التي هاجمت المناهج ونهشت مديرها القراي، لأن الشعب يعرف دوافع السجال السياسي القائم..
ولكن بعد تدخل الدولة بهذا الشكل، الآن إهتزت الثقة لسبعة درجات بمقياس ريختر.
الآن الشعب السوداني أمام خيارين: المواصلة في المناهج القديمة التي شككت فيها الدولة وفي نجاعتها، مما إضطر الدولة للشروع في عمل تبديلها، متشكك وغير واثق..
وما بين المناهج الجديدة التي جمدتها الدولة بعد الشك فيها..
بمن سيؤمن الشعب السوداني بعد اليوم بإدارة المناهج أم بأئمة المساجد.؟
هذه الحكومة ورئيس وزرائها الضعيف إستمراها على السلطة ساعة أخرى أو يوم آخر أو سنة أخرى إضافية، سيحتاج السودان لضعفي المدة الزمنية التي قضتها هذه الحكومة على كرسي السُلطة لكي يعود السودان الى ما بعد ديسمبر ٢٠١٨ وحتى لحظة إعتلاء حمدوك رأس السُلطة..
لم يتوحد الشعب السوداني ككتلة واحدة مثلما كان عليه الأمر في عام الثورة، أي في عام ٢٠١٩..
لم يجد الشعب السوداني من السيد حمدوك غير التخدير والوعود.. لم يجدوا منه الصدق والقيادة القوية نحو الأهداف التي كانوا يحلمون بها عندما نصبوه بتوافق لم يسبق له مثيل كرئيس لحكومة الثورة.

مثال ومقارنة توضيحية لما نريد أن نقوله..
عندما خرج وزير الصحة المقال دكتور أكرم بذلك التصريح الصادق عندما قال: (ما عندنا ليك غير دربات البندول والقربت تخلص، لو حالتك ساءت تخنق وتموت.)
مالذي حدث؟ ساعده الشعب السوداني بالصبر على الحجر المنزلي لشهور طويلة دون أدنى مساعدة من الدولة حتى تم القضاء على الفيروس في موجته الأولى.
صدقوه لأنهم التقوه في الروصيرص يعاين مرضى الكوليرا وهو يجلس معهم في الأرض.. إستمعوا له لأنهم التقوا به في كسلا قلقًا عليهم من تفشي وباء الشيكونغونيا..
لم يهلعوا عندما قال "تخنق فتموت" بل كانو أكثر شجاعة وتصميم لمواجهة الفيروس..

عرفت يا ريس..؟!

#القصاص_لشهداء_ثورة_ديسمبر
#إستكمال_هياكل_السُلطة_المدنية
#الإهتمام_بمعاش_المواطن
#أطلقوا_سراح_كل_المعتقلين_والنشطاء
#يجب_تقييم_اداء_حمدوك
#المدنية_ما_واقفة_على_حمدوك
#يسقط_حمدوك
#الثورة_مستمرة
.
 
صدقنى معاك فى كل كلمة وتفسير وتبرير لكن فى سبب مهم جدا ممكن يكون الرئيسي فى اصدار رئيس الوزراء قرار التعليق والمراجعة للمناهج
(الوضع الامني والاقتصادي الهش)
 
أعلى أسفل