لقاء عند البؤساء (( قصة قصيرة))

حسناتو

كاتب جديد
هناك على قارعة الطريق الذي يبدو على هيئة شريط ضيق يصطف على جانبيه مجموعة ممن القت بهم ظروف الحياة الصعبة اثناء سعيهم في رحلة البحث اليومي عن القوت وتركتهم يستظلون باشعة الشمس المبعثرة التي تتسرب من بين بقايا الجوالات و قطع القماش البالية التي يخيطونها مع بعضها لبناء مظلات صغيرة تقيهم حر الظهيرة ، بينما القليلون منهم ينعمون بظل كامل تحت شمسية انيقة تعكس بعضا من يسر الحال ، او بالاحرى يبدون احسن حالا" من الاغلبية الذين يضعون تحت ارجلهم او على مناضد صغيرة كتب ثمينة مختلفة الاشكال والالوان والمضامين والمفاهيم لكنها تتساوى جميعها في أنها عصارة افكار وتجارب لعظماء كرسوا جهدهم وطاقتهم لمنفعة الامم ، كما انها تتفق في ان اغلب اصدقائها تخلو عنها و استبدلوها بمواقع الانترنت المختلفة متناسين بذلك فضلها واهميتها ودورها الفاعل في النهوض بالامم علي مر العصور.
ولكن.... حسناء تمازجت فيها وداعة الريف واصالته مع كل ايجابيات الحضر تعد واحدة من تلك الفئة القليلة التى مازالت تعطي الكتاب حقه وتحفظ له صداقتة ووده . كيف لا ؟ وقد نشأت علي صحبته وحبه منذ طفولتها واقامت كثيرا من علاقاتها الاجتماعيه الناجحة جدا" عن طريق هذا الخل الوفي الذي اعتادت ان تقضي اغلب وقتها في رفقته ولاترغب كثيرا بمتابعة الافلام والموضات والكليبات التي تمثل جل ثقافة هذا الجيل ، بل انها كثيرا ما ينتابها الاحساس بالغربة عندما تجالس جيلها اوتحاوره ، فقلما تجد مفاهيم اوطموحات مشتركة تجمعهما معا" ، ولذلك تحرص على صحبة الكتاب الذي يمنحها لذة التواصل مع مختلف الاجيال والثقافات والشعوب ، ولكم تمنت ان تجد ضالتها بينهم ، يلاقح افكارها ويشاركها اهتماماتها ويحسسها بانتمائها لهذا الجيل .
في يوم من ايام شهر كانون الاول ، وفي ذلك المكان المميز من سوق تلك المدينة العريقة و في تلك الساعة التي يزدحم فيها المارة عائدون من مواقع عملهم في مختلف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ، عبرت حسناء وسط الزحام بقوام ممشوق وخطى واثقة متزنة الى الجانب الاخر من الطريق ووقفت امام ذلك الرجل الوقور الذي اتخذ من المساحة امام المطعم الشعبي العتيق متجرا" له اعتادت ان تمر عليه فيه بداية كل شهر لتنتقي كتابين تأخذهما معها كأهم المقتنيات التي تنفق عليها من راتبها الشخصي الذي تتقاضاه منذ ان التحقت بالعمل وتذوقت ثمرة جهدها المتواصل في التعليم . جاءت تبحث عن ذلك الصديق الوفي الذي يزيل عنها الملل في حلها وترحالها ، فكثيرا ماتصحبه معها في سفرها فيطوي معها المسافات ويسليها دون ان يثقلها بالاسئلة او يرهقهاحمله . وعلى الكتب المرصوصة بعناية على الارض وفوق المنضدة وقفت تتجول بعينيها وتلتهم العناوين بشوق ونهم بحثا" عن كتابي الشهر، وقد تراقص بجانبها ظل لشخص يقف بالقرب منها ويطالع عناوين الكتب ولكنها لم تلق له بالا" ولاأدنى ملاحظة ، لان العثور على كتابي الشهر تمثل عندها أهم تحديات اللحظة . ولم تطل وقفتها وبحثها حتى توقفت نظراتها عند كتاب معين ، ثم انحنت بلهفة الظافر لتلتقطه من على الارض في نفس اللحظة التي انحنى فيها الظل الذي يقف بجانبها ليأخذ نفس الكتاب واذا بيداهما تلتقيان عند رائعة فكتور هوجو ( البؤساء) فتلاقت اعينهما في صمت وكلاهما قابضا" على طرف الكتااااااااب.

* * * * * * * * * * * *

حسناتو ... فبراير 2008:034:
 
أعلى أسفل