كتـــابة لمن يهمهم الأمر ....!

خضر حسين

:: كاتب نشـــط::
تنــــويه :

هذه الكتابة شبيهة الي حدٍ ما بأحداث وقعت منذ سنوات ـ ظروف كثيرة تجبرني لأن أخفي بعضاً من معالم هذه السيرة ـ أهمها علي الاطلاق رغبة بطل هذه القصة ـ أشهد أنه كان ولا يزال واحداً ممن أحبوا هذا الوطن بعمق .


ــــــــ

خضر
 
التعديل الأخير:
ان تكتب ليقرؤك الآخرون عمل مضني للغاية والأشد ضنكاً من ذلك أن تكتب لتقرأ ما كتبت لحبيبتك التي تجلس أمامك متوشحةً روح ناقد عظيم قضي نحبه علي منصات التتويج .

لا أذكر كم من الوقت مضي وأنا أحاول إقناع ( أحمد ) بعدم جدوي ما يفعله ـ أن تتساقط دموعك هناك يعني أنك تتقدم بثبات الي حتفك ـ هناك من الأفضل أن تحتفظ برباطة جأشك ـ بل يجب ذلك ـ ضف الي ذلك أن تستخرج ما مدك الرب من صبر ـ فلا معني علي الإطلاق أن تحتفظ ببقايا صبرك ـ هناك أيها الإنسان يستنفذون إنسانيتك يمرغونها في وحل لزوجتهم النتنة .

شرعنا في إجراءات خروجه ـ عدة أوراق أحملها بيمناي ـ كان نهاراً غائظاً من نهارات أبريل ـ للمفارقة كان اليوم هو الحادي والعشرون ـ الساعة تقترب من الثانية عشر ظهراً بالتقريب ـ


كنت برفقة (سلمي) ـ جاءت الأخري لتشهد خروج (أحمد) سوانا لم يكن هناك من يهمه أمر (أحمد) ـ تساقط الناس من حوله كأوراق الخريف ـ تغير الزمان كثيراً حتي أقرب أقربائك يتناسوك في دوامة حياتهم دائرية الشكل ـ قلت لأحمد وأنا أربت علي كتفه :
حمدالله علي السلامة ياخ
بكت (سلمي) بكاءاً صادقاً لا كبكاء (اليومين) ديل ـ بل طازجاً فجري الدمع سخياً ـ كل ذلك و(أحمد) يراقبنا بحذر محق هو في حذره فما ناله جرء الوثوق كان أكبر بكثير ـ كان واثقاً من أحلامه ومن حزبه ومن وطنه ـ كان واثقاً من غدٍ لطالما عمل لأجله بكدٍ وإخلاص كان عفيفاً لا يساوم علي الحلم أبداً .

رجل في متوسط العمر ساقوه بعيداً ظل ينادي (أحمد) أن لا ينسي وصيته ـ تتخيل أنت الواقف أن الرجل لا شك ذاهب الي حتفه ـ هكذا هم الأنبياء كتبة التاريخ حريصون للغاية لتوصيل وصاياهم الي من يهمهم الأمر ـ
تذكرت ورقة صغيرة وصلتني بطريقة أو بأخري قبل سنوات طوال كانت عبارة عن وصية (أحمد) الأخيرة جاء فيها : أعلم إني ذاهب الي الموت ـ لا أملك الآن سوي التحديق في شريط حياتي ـ تتقافز جسارات الكثيرون أمامي وأنا سأواصل حتي النهاية ـ تحياتي للرفاق ولـ(سلمي) ما تبقي من أحلام .

قدمت للضابط (المناوب) ما أحمل من أوراق ـ نظر الي بتهكم ما بعده ثان ـ قال ببرود لا أدري كم إستهلك من العمر في صنعه : تعال بكرة ثم رمي بأوراق (أحمد) في درج المكتب .
كان المشهد حاراً بين (أحمد وسلمي) كليهما يبكيان بحرقة لاتدري أهي دموع اللقاء بعد فراق طويل أم دموع المظالم التي تعرض لها (أحمد) جراء وثوقه بهمه الوطني النبيل ـ كانت تراجيديا مفعمة بالحنين .

تناول الضابط أوراق (أحمد) مرةً أخري بعد أن رآني أقف كلوح ثلج أمامه كان الغضب قد ملأ أوردتي كنت أتنفس غضباً أري غضباً وأقف غضباً قال لي وهو يتناول الأورق مرةً أخري :
يازول ما قلنا ليك تعال بكرة !
صمت ولم أرد
قال ذلك وهو يقلب الأوراق بين يديه ثم أضاف قائلاً :
طيب ما تقول لينا جايب معاك إفراج !
لم أرد كعادتي
وين المتهم ؟ هكذا قال ثم أضاف
ياعسكري جيب المتهم من برة

بخطوات متثاقلة قدم أحمد شأنه شأن أي متهم يداه مقيدتان بالسلاسل ولا أدري ما الحكمة من ذلك كان نصفه الأعلي شبه عاري تقريباً ـ تقوس ظهره وبدا ولكأنه رجل في خريف العمر لا في أواخر العشرينات والتي قضي سبع سمان منها في غياهب السجون متنقلاً من سجن لآخر قبل حصوله مؤخراً لأمر بإخلاء سبيله لعدم كفاية الأدلة .

سبع سنوات هي حصيلة جمع الأدلة سبع سنوات من التعذيب والقهر والمرض سبع سنوات من إنتظار المجهول سبع سنوات قابل فيهم (أحمد) ما لا عين رأت .

هي بلاد الإستواء ـ البلاد التي تموت ناساتها وهم في إنتظار جمع الأدلة التي تدينهم في جرائر لم يرتكبوها ـ البلاد التي لا نهايات لأحلامها ـ البلاد التي تبيعك الرماد ثم تجلس تتقبل الفاتحة في صوالين عزاءات الصادقين ـ البلاد التي كلما مضيتها ما أوصلتك الخطي ـ تتسارع علك تلتقيها لكنها تدمن الهروب تماماً كالصبايا العاشقات .


ـــــــــــ
أواصل​
 
متابعين قصتك اخي خضر ..
فلا تجعلنا ننتظر طويلا" كانتظار البطل .. !!
شدني انتقاءك للالفاظ و عباراتك التي تأتي من العمق ( حيث اللحم الحي ) ...
لك التحية ....

واصل ...
 
أعلى أسفل