فلم "ستموت في العشرين": بين المحتوى ورد الفعل

مازن سخاروف

:: كاتب نشـــط::
فلم للمخرج السوداني الشاب, أمجد أبو العلا


وهو انتاج سينمائي لكتاب (مجموعة قصصية) للمدعو حمور زيادة


حصل الفلم على جائزة أحسن فلم في مهرجان البندقية للسينما.


------------------
البوست ده نقد للفلم من ناحية الفنيات الفلمية, من ناحية الأيديولوجيا الإجتماعية (رسالة الفن) والأيديولوجيا السياسية (الذي يُمَر عليه مرور الكرام غالبا) .. وأخيرا من زاوية الظروف الموضوعية للفلم, , الإخراج, و (التلميع) التسويق السينمائي
 
(1)​

هناك خمس شخصيات رئيسية في الفلم


مزمل (محمود شحاته): بطل الفيلم الذي تُنُبّئ بموته في سن العشرين


سكينة (إسلام مبارك): والدة مزمل التي اتشحت بالسواد وهو حي بعد النبوءة المشؤومة في حضور شيخ بموت مزمل في العشرين




النور (طلال عفيفي): والد مزمل, المتغرب عن دياره, الهارب الذي لم يره مزمل منذ وهو طفل صغير


نعيمة (بٌنـَة خالد): البنت الشقية حبيبة مزمل


سليمان (محمود السرّاج): الفنان السكـّير المتمرد على المجتمع والقيم


تدور الأحداث بقرية منسية على النيل بشمال السودان


ملاحظة عابرة .. كل الممثلين سودانيون ويتحدثون اللهجة السودانية الأصيلة, وإن أوحت بعض الأسماء بغير ذلك.


هل نتحدث عن تمويل الفلم؟ ندع ذلك بعد الإنتهاء من النقد لأجل الموضوعية.
 


موكب يتقدمه والدا الرضيع مزمل وأهل القرية .. سيناريو جنائزي آخر بين بهيمة نافقة ورمال على مد البصر

يبدأ الفلم بأخذ سكينة لإبنها الرضيع إلى الشيخ لكي يعطيه الشيخ البركة, أو كما يبدو. زوجها والد الطفل



في الجوار قبة ودراويش مفلفلين شعورهم وأحدهم (من الراستات) يذكر الله وهو يدور


صفية تبرك على رفقها وتقول للشيخ: حباب مولانا, ده ولدي المزمل. الله رزقني بيهو بي بركة الشيخ الشفيع. كان بجيني في المنام. جبتو تباركو لي


يبتسم الشيخ ويتسلم الرضيع الملفوف بملاءة, بينما الدراويش (شايلين) .. هَيْ لا إله إلا الله, ودرويش نحيل بينهم يقول وهو خارج عن طوره, سبحان الله واحد, ويستمر في العد ..


الشيخ
بسم الله, ما شاء الله, ما شاء الله. في وشو نور. سميتي المزمل على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم




والدة مزمل: عليه أفضل الصلاة والسلام


..


(يستمر الدرويش في العد .. سبحان الله اطناشر)




تبتسم أمه ويقطع الشيخ شق تمرة يستعد لـ (يحنك) بها المولود


(طبعا هي عادة في الإسلام, لكن يأتي معاه الأذان في أذن الرضيع, الشيئ الذي لم يفعله الشيخ)


...




(يستمر الدرويش في العد .. سبحان الله سطاشر)


صوت الراوي يقول

الزول في الدنيا دي ما بيعرف خطوتو بتوديهو وين, ومهما اتجه, ياها واطاة الله


يشرع الشيخ في فتح فم الرضيع ليحنكه بشق التمرة وبعدها يناوله لأمه قائلا


هاك امسكي الولد, ربنا يجعلو غرة عين لوالديه, وأن يجعل له من العمر ...





(يصيح الدرويش, عشرين وهو يخر على الأرض صريعا)


يصمت الشيخ ووالدة مزمل تحدق في وجه الشيخ بينما القوم (والده والنساء وكل أهل القرية) قد وجموا



لحظة من الزمن تحسبها دهرا .. لتجتاح الظنون والريب الجمع



تقول إحدى النسوة خلف سكينة: لا حول ولا قوة إلا بالله. وا حرقة قلبك يا سكينة


تلتفت إليها والدته, ثم تعيد النظر إلى الشيخ متضرعة
هو ما قاصد يا شيخنا .. قول قبل ما الفال يقع


..


لم يفتح الله على الذين أنطقهم من قولها بغير الحوقلة, تسليما بالأقرب إلى الخيال من إرادته عز وجل




تردد سكينة العبارة. من جوف الحشا الذي صار أفرغ من فؤاد أم موسى .. تصعد العبارة فوق رؤوس القوم في هذا السيناريو الدراويشي الآتي من (عقل) حمّور زيادة.


ولا يقول الشيخ شيئا ريثما يزن كلماته



الشيخ: يا جماعة الفال من الله وكل شيخ مُقدّر


سكينة: خصمتك بالنبي يا شيخنا


الشيخ: النبي عزيز, وأمر الله نافذ يا بتي


تحمل رضيعها وتقوم مستديرة لتواجه زوجها, الذي بدا كالمسطول. تنظر في وجوه القوم ولا تجد نصيرا.



ستار
 
بروتوكولات علم الغيب
(1)​


مشهد الإفتتاح جوهر الفلم: القبة والشيخ والدراويش
غير المفهوم هو حبكة التنبؤ بموت الرضيع في سن العشرين


الحنك بتاع تزامن سقوط الدرويش الخارج عن طوره وهو يحسب (سبحان الله) على الأرض مغشيا عليه وهو يقول (عشرين) ما وقع لي.


هناك احتمالان
الأول, أن تكون لمة الدروايش كلها جزء لا يتجزا من بروتوكول (تريقة) الحصول على (البركة) من الشيخ. بل خاتمة البركة بنطق فترة عمر الرضيع في الحياة لحظة فقد الدرويش الراقص لوعيه.


الثاني, أن الحدثين جمعتهما الصدفة المحضة لحظة قول الشيخ (وأن يجعل له من العمر, مريدا أن يقول كذا من السنين).


قد يكون الإحتمال الثاني هو الأقرب إلى المنطق, إذ أن تزامن قول الشيخ الذي يعتقد بحكمته أهل القرية مع حدث آخر, الحالة الروحية للدرويش (التي كذلك يؤمن بها جمعهم) نتج عنه تأويل وحّد بين الحدثين في عقول الناس, أي التصديق بالـ (فأل) في توقيت محدد. وهيئة الحالة الروحية في هذه الحالة ليست سوى وسيط للرجم علما بالغيب


حتى الآن لنا ما للمخرج, وعليه ما علينا. لكن سواء الأول أم الثاني, فإن الشيخ هو محور الحدث, وليس الدرويش الذي سقط في لحظة. من وجهة نظر المخرج فإن شيخ القبة و(معطي البركة) هو من لديه الحكم النهائي في مسألة بروتوكولات العلم بالغيب.


وكان خيار الشيخ أن ينحاز إلى مركب آخر في الموروث, وهو (القدرية) أو
fatalism



لكن, ليس القدرية بمعنى الإيمان بالقضاء والقدر, ولكن بمعنى الإيمان بوسيط يكون شريكا مع الله في العلم بالغيب, تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا.



من وجهة نظر نقدية, البدع وضلال الإعتقاد بقدرة الشيوخ موجودة في مجتمعنا .. في إعطاء (البركة) وفي تسخير الحمل لنساء لم يكن يحملن من قبل وغير ذلك .. لكن أن يذهب الأمر إلى حد تحديد موت إنسان, فإننا نذهب من البدع والضلال في المشكل الإجتماعي إلى فتنة اجتماعية كبيرة.


وقد كان


يقول تعالى في سورة لقمان
إن الله عنده علمُ الساعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام, وما تدري نفس ماذا تكسب غدا, وما تدري نفس بأي أرض تموت, إن الله عليمٌ خبير


من العجيب أن الشيخ (الحافظ) لم يفتح الله عليه بتلك الآية, أو من قوله تعالى من سورة الرعد, عالم الغيبِ والشهادة الكبيرُ المتعال. سواءً منكم من أسَرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ بالليلِ وساربٌ بالنهار.


صدق الله العظيم.


أو بأيّ من آي القرءان التي تذكر الغيب وتجعله تقديرا مطلقا ونهائيا لله. ومع ذلك إختار الممثل لدور الشيخ, بإرادة حمور زيادة ومخرج الفلم أن ينحاز إلى إشراك وسيط مع الله في علم الغيب.


حكم الشيخ في بروتوكولات النطق بالغيب في رأيي أضعف حلقة في الفلم. فلنذكر أن الشيخ (كما سيتضح في الفلم) حافظ للقرءان. وهذا للحصيف لا يعني استرجاعا ميكانيكيا وحسب لآي القرءان, بل كذلك




صحة اللسان, النحو والصرف


تذوق البلاغة


إدراك مافيه مساحة لتأويل واجتهاد, وما وقُطع الأمر بشأنه, كعلم الغيب



يبدو أن في عقل المخرج وعقل حمّور زيادة من قبله محاولة لعمل ارتباط بين حفظة القرءان, وقسم من (شيوخ) الصوفية من مجموعة بروتوكولات العلم بالغيب.


هل هو سوء فهم نتج من تقصير المخرج في البحث والتقصي, أم فعل متعمّد؟


----------
تصويب, في المشاركة السابقة, الصحيح هو, إقتباس, وأن يكون قرة عين لوالديه. أي بالقاف يا سادة, وليس كما ورد. نرجو المعذرة.
 
أعلى أسفل