عذراء الجبل وذكريات

علي محمد علي

:: كاتب نشـــط::
للحقيقة قد كنت من المداومين على جريدة الاسبوع ايام الديمقراطية من اجل كتابات
محي الدين محمد علي - او ما اسميه بالسهل الممتنع -- وكانت الجرائد تصل عندنا حيث كنا نقيم في تلك الفترة بمدينة المناقل بعدالساعة الثانية ظهر ولبصات المناقل قصص وحكايات
وحيث تزدحم المكتبة كان الوالد يرسلني للجرائد وكنت اتعمد ان تكون بينها
الاسبوع عشان خاطر محي الدين محمد علي او الوان ( الوالد لا يحبها ) عشان خاطر عيون ولالوان كلمة للقامة حسين خوجلي --
وكانت السوداني حيث يكتب فيها احمد الطيب زين العابدين سوداناويات وكنت ايضاً اوقت يوم مقال احمد الطيب زين العابدين رحمه الله -- والاكيد ان صحيفة الاضواء ومما لاشك حاضر فيها القامة محمد الحسن احمد كانت الاضواء حاضرة يومياً بين ما اجلبه والا لارجعني الوالد ببقية الجرايد -- وكانت الهدف الرياضية حاضرة بين مشترياتي من المكتبة كل يوم اثنين حيث كان للصحافة الرياضية طعم ولا يمكنني تجاوز مجلة ماجد كل يوم اربعاء واذا نسى دفع الله صاحب المكتبة ان يحجز لي نسختي هذا فيلم وصراخ مجلتي الدوحة والفيصل الشهرية -- حيث تجد النور عثمان ابكر والطيب صالح والشوش وزكريا تامر -- وكانت المكتبات تكتظ بانواع شتى من المجلات الدستور العراقية وروز اليوسف والمصور المصريتان والمجلة السعودية والصقر الرياضية القطرية ..
وسلسلة كتب المكتبة الخضراء وجرجي زيدان والمغامرات والالغاز ومجلة ميكي .
وقد حبب الينا اساتذه اجلاء في تلك الفترة القرأة والاطلاع ونحن ما زلنا في المرحلة المتوسطة الاستاذ ابراهيم فضل السيد والاستاذ ادريس خير الله --- وان كان للوالد الدور الاكبر والقدح المعلا في ارتباطي بالكتاب منذ نعومة اظافري فقد كنت ولد وحيد في البداية يصغر ثلاث بنات ( قبل ما يجو الشباب ويضايقوني على عرشي ) وكان يحضر كتب الاطفال لاختي الكبرى في الصف السادس وكنت اصر على ان يكون لي نصيب في الكتب وكان لي ما اردت من الوالد او من اختي برضاها او غصب عنها خوفاً على شنطتها المدرسية مني وكنت حينها في الصف الثاني الابتدائي حين اشترط علي الوالد ان اقص له القصة التي احضرها لي .. اما في مدرستنا الابتدائية والتي قام عليها اساتذه اجلاء اذكر واننا في الصف الخامس تم افتتاح مكتبة مدرسية بالمدرسة
يرجع الفضل في تاسيسها للاستاذ محمد عبد الرحيم - مدير المدرسة - وللاستاذ بلة الحسن
مدرسين عمالقة وقامات ...
ومكتبة الوالد والتي كان يغلب عليها الكتب الدينية وكتب التاريخ والانساب ..
زمن جميل ...........
شفتو الحكاية جرت كيف كان هدفي اقدم لمقالة اللواء م / محي محمد علي الرائعة المعبرة التي اردت نقلها ولكن اخذتنا الكلمات والذكريات وهومت بنا ..
 
وانقل اليكم جزء من احدى مقالات اللواء محي الدين محمد علي حتى تعذروني في ادماني عليه في تلك الفترة

منقول بتصرف من مقال بعنوان مرسال الشوق
للواء م / محي الدين محمد علي --


سمعت بحسنها وجمالها .. فسعيت إليها وجئتها على غير موعد .. فوجدتها تغمس قديمها في مياه وادي أزووم وتستحم بحبات المطر .. وتسعد بها كالعصافير وتستلقي بجسدها المترف على سفح جبل مرة الشامخ الرقيق والذي ينفجر الماء عيوناً من قبله .. فدنوت منها قاب قوسين أو أدنى .. وكانت سارحة في الوديان مع الغزلان .. وهي في استرخاء العذارى .. سافرة المحاسن .. تتسلى في وحدتها .. بقزقزة اللب .. وابوقوي .. وتذوق فول الحاجات واستحلاب القونقليز واللالوب تقرم من التفاح .. والبرتكان أبو صرة .. ولم تشعر بوجودي أو تحس بي وأنا أتأملها مبهوراً بالنظرة الأولى التي لا يرتد فيها الطرف .. وكانت والصلاة على النبي - كاعباً حسناء فوراوية الثغر والإبتسام - زغاوية وسودانية الحشا .. والقوام .. اللمي والإشداق حلوة وتعيشية الخدود والطلعة .. سلامية الجيد والإلتفات معلاوية الرموش والنظرات .. هلباوية الجبين والضفاير .. منصورية الأعطاف والتثني .. حسيناوية الحسن والصفات .. فلاتية الملمس والرقة .. برقداوية الكف والأنامل .. داجاوية السيقان والخطي .. هبانية الذوق واللطف . مسلاتية . الأرداف والكفل .. تاماوية الحياء والخفر .. ميدوبية الدل والدلال .. مسيرية الأدب والود .. برتياوية السمرة والصفاء .. ماهرية الجمال والنفور .. قمراوية البهاء والخجل .. ترجماوية العفاف والطهر .. ثم هي موشاة بصفرة بنات الريف . مشربة بغيم دار جعل .. وحكمة بني ضنقل ومحنة بني شايق .. وشهامة أهل العوض .. وجسارة فرسان الشرق .. وعافية أهل الجنوب .. كريمة البذل والعطاء والسخاء .. شديدة الاعتداد والزهو والإباء .. فياضة الصدق والوفاء ولا ينقصها المكر والدهاء .. وهي افريقية السحنة والاشداق.. عربية السيف والخيل والجمال .. لسانها عربي فصيح ... غرباوية الكلام واللكنة .. جلابية الحلي والحلل ... سودانية العطر والخُمرة .. شامخة الأنف ولا ترضي الحقرة .. ثم هي حاملة القرآن والسنة .. تتعلق بأستار الكعبة .. تسمي أبنائها باسماء الأنبياء .. والرسل وبناتها بأسماء أمهات المؤمنين .. وتلقنهم حب الوطن وكراهية بني صهيون..!
إنها دارفور عذراء الجبل وحوريته الساحرة ..التي فتنت الناس جميعاً . وهي تسترخي بجسدها المرمري المترف تحت عين الشمس .. تسند رأسها على قمة مرة في سوني .. وتتصبب شلالات من العرق العذب .. في نيرتني .. ومارتجلو وقلول وتمد ساقاً خرافية الى ساق النعام .. وأكفا ملأي بالخيرات الى أم دافوق .. وتشر شبال ضفائرها على الجنينة .. ورهيدالبردي ، وشنقلي طوباية .. والمالحة وتجاوز الغزالة جاوزت..!
إنها عذراء جبل مرة التي جئتها قبل عقدين من الزمان .. ووجدتها سارحة حالمة.. والغيم يغازل خدودها ورموشها .. ويبلل ضفائرها .. وشفتيها وخشيت أن تحس بي .. فلبدت وراء ظهرها وتدثرت بشعرها .. ولكن حرارة أنفاسي .. ودقات قلبي .. أشعرتها بوجودي .. فالتفتت نحوي بحنان طاغ .. وقالت هامسة .. جيتا .. جيت .. انت مرسال الشوق .. ولا اني غلتانه؟! فقلت لها .. أنا الشوق ذاتو!!
فانتفضت جالسة .. وقالت أبو الزفت .. أهو ده الكلام !! ثم طوقتني بساعديها .. وضمتني الى حضنها الدافئ برقة .. وأخذت توقع بأناملها على جسدي .. لحنا وتغني وكأنها لا تغني . مرسال الشوق .. يا الكلك ذوق
أغشي الحبان في كل مكان ..
في بورتسودان .. أو في أمدرمان
أو في مروي أو مارنجان..
قول ليهم زرنا .. جبل مرة
وأحسست من حرارة اللحن ودفء العناق انني أذوب في أعماقها وأتلاشى نقطة .. نقطة كنقاع الزير .. حتي قامت وجاءت ثم التصقت بي في ود شديد .. ووضعت قدامي طبقاً من فاكهة الجبل .. وسقتني من عسل النحل الذي يجري على الأرض كالزئبق .. وكوباً من البركيب .. وأطعمتني من دجاجها المكرفس ومن الأقاشي .. ومنصاص لحم عبد الجليل .. ومن الجربا ... وعصيدة الجير والدامرقا .. وخميس طويرا .. ثم ودعتني عائداً الى أهلي محملا بكل خيراتها والآن وبعد عقدين من الزمان .. أحلم في بعادي .. وأهتف باسمك يا حورية الجبل .. وأنادي ولا من مجيب .. فككيعك أيتها الحبيبة الغالية .. وقد فاض بي الشوق وكل مرسال أرستله إليك .. مشى وما جا .. وكل من حملته خطاباتي إليك زوّر توقيعي وسلمها الى غيرك...
أجيبيني يا حورية الجبل .. هل ترقدين عافية .. وتنامين هانئة .. وتصبحين سالمة .. أم أن أبليس قد استباح جنتك .. ووسوس من تاني .. في صدر آدمو .. وحواية .. ليخرجهما منها .. ويهبطوا منها جميعاً ..؟!
 
أعلى أسفل