رواية : حياة بعد ضياع

رد: رواية : حياة بعد ضياع

محمد السمانى ... كيفك ياخ

قلنا نسلم عليك ... بعد داك نقرا بى رواقه.
ياريت ... تكتب عن ايام الجامعة.. والناس البتفطر بالسفه
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

محمد السمانى ... كيفك ياخ

قلنا نسلم عليك ... بعد داك نقرا بى رواقه.
ياريت ... تكتب عن ايام الجامعة.. والناس البتفطر بالسفه

عبدالباقى كما يحلو لنا منادتك { بقة } تحياتى واشواقى الكتيرة ، ايام الجامعة ، ايام خلت لازالت عالقة باهداب الروح بتفاصيلها ومواقفها المبكية ، المضحكة والمحرجة بل ببشتنتها وعبثها تارة وباناقتها ومرحها تارة اخرى ،ولازالت بقايا من جروح وشجون وآهات واشواق مستوطنة القلوب.​
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

عبدالباقى كما يحلو لنا منادتك { بقة } تحياتى واشواقى الكتيرة ، ايام الجامعة ، ايام خلت لازالت عالقة باهداب الروح بتفاصيلها ومواقفها المبكية ، المضحكة والمحرجة بل ببشتنتها وعبثها تارة وباناقتها ومرحها تارة اخرى ،ولازالت بقايا من جروح وشجون وآهات واشواق مستوطنة القلوب.​

والله يا ود السمانى ... مشتاقين نلاقيكم ...
وكتير نجتر الزكريات ... ونقول ياريت الزمن لو يرجع بينا مره.
تفرقت بنا سبل الحياة واصبحنا لا نلتقى الا لماماً.
والواحد بقى لم يلاقى زول من تلك الايام حتى ولو عبر الاسافير ..
كان مابعث من جديد
عموما تحياتى .. واشواقى ..
ومتابعين كتاباتك .... وبالتوفيق
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

( 1 )​

[align=justify] غادة بنت العشرة سنوات ، فتاة زابلة ، عجفاء ولكن يكسوها جمال مستتر زانه لون بشرتها السمراء فوجهها المستدير جمالاً لم تجد الابتسامة والضحك إليه طريق منذ امد بعيد و كذا خدها لم يخبر ولم يألف سوى الدموع التى تسيل عليه بين حين وآخر فقد فارقته القبل الحانية منذ ان رحلت امها عن الدنيا وتركتها هى واخوها عامر لوالدها الذى وجد عبئهما ثقيلاً عليه فقرر ان يتزوج بأمراة ترعى طفليه ، خاصة وانه مشغول كل وقته فى محله التجارى ولا يجد فرصة يعتنى بهما فاختار لهم أمراة قريبة امهم توسم فيها الخير لهما اوهكذا بدت له ، تزوجها واسكنها معهم ووصاها بهاتين الفرخين غادة وعامر وان تبذل لهما مافى وسعها ، فكانت تحنو عليهم فى سنوات عيشها الاولى معهم ولكنها تحولت الى شئ آخر بعد ان انجبت ابنتها الاولى من ابيهما حيث ضاقت كل مساحات الحب والحنان واصبحت تعاملهما بقليل من القسوة وازدادت وطأتها بعد إنجاب إبنتها الثانية ، الاب حس بإنقلاب الحال واحس ان ثمة فتور من زوجته إتجاه غادة وعامر وحاول بطريقته الخاصة ان يعوضهما عما افتقداه من ام اختيهما فيجلب لهما قطع الشكولاتة الفاخرة او يدس فى يديهما الصغيرتان قليل من النقود لشراء ما يحبانه من ( البقالة ) ولم يكتفى بذلك بل تحدث الى زوجته بان تحسن معاملة ابنه وابنته وانه ماتزوجها إلا من اجلهما وان انجابها منه إرضاء لها حتى لايحرمها من حياة الامومة مثل اى إمراة فى الدنيا ولكن كل حديثه وتنبيهاته تذهب ادراج الرياح بعد يوم اويومين ويعاود تكرار الحديث مرة ومرتين ولكن لافائدة فأدرك ان زوجته لن ينصلح حالها فإما ان يواصل معها كماهى او يسرحها بإحسان فتنازعه الامران واستقر على ان يحتفظ بها حتى لا تتشرد ابنتيه وتتربيان بعيدتان عنه وعليه ان يعالج الامر بنفسه بان يهتم هو بهما وان يمنحهم مزيد من الحنان ، وعندما احست زوجته بزيادة أهتمامه بولديه غادة وعامر وقلت اهتمامه بها وبناتها وانه لم يعد مثل الاول معها ادركت انها فى مأزق حقيقى وان زوجها لو استمر على هذا الحال ستفقد الكثير فأضطرت مرغمة بان تظهر له حبها لعامر وغادة امامه مماجعله يطمئن ان زوجته عادت الى صوابها وانها وعت منه درساً بتصرفه هذا ظناً منه انه أجبرها على إحترام ورعاية بنته وابنه ولكن ما ان يغيب الاب عن مشهد البيت إلا وتعود الى حالتها من العصبية معهم فقلبها فارغ من حبها لهما فقد كان كل همها إبنتيها بل ترى انهن أولى برعايتها وعنايتها من ابناء زوجها ، فحرمت عامر وغادة من ابسط الاشياء حتى قطع الشكولاتة والحلوى التى تأتى بهما إن عادت من مشوار او مناسبة فتعطى ابنتيها وتتجاهلهما بل انها تعنف اختيهما من ابيهما إن قدمت اى واحدة منهن لهما شئ يخصهما او تقاسمتا شئ خصصته لهن ، وتعيب على والدهما عندما يخصهم ببعض الالعاب او ا لملابس او بعض الهدايا تصرفه بحجة ان هذا سيخرب طبعهما فيسوء ادبهما ، غادة كل يوم تكبر وكلما كبرت زادت عليها الآلام اكثر من زوجة ابيها فعندما وصلت السابعة من عمرها تحولت الى خادمة فى بيت ابيها لزوجته وأخواتها منها فهى لم ترحمها من غسل الاوانى ومساعدتها فى الطبخ وغسل الملابس وكيها وفوق ذلك تكلفها بالذهاب الى ( البقالة ) او اى مرسال بينما بناتها ينعمن بالراحة و الدعة ويمتلكن افضل الدفاتر والحقائب المدرسية وهن فى الروضة .غادة كانت تئن فى صمت حزين اكثر من اخيها فتغيرت ملامح وجهها حيث غطى عليه الشحوب وغابت من قاموسها بسمة الطفولة ونسيت المرح فهى قد حكم عليها ان تحمل ما لا تطيق من احزان الدنيا حتى جسمها اصابه النحول والفتور وهى ترتدى عليه ملابس من كثرة لباسها بليت ولا يحق لها ان تطلب وإن طلبت من ابيها زادت زوجته فى سهامها المسمومة نحوها وتعذيبها فآثرت سلامتها بان لا تطلب شيئاً حتى تأمن من شرها ، فكل ما عليها ان تنتظر هباتها ومنحتها من ملابس رخيصة الثمن لا تعكس جمال طفولتها المخفى ولا غنى والدها التاجر ، وكم كانت تنتحب بالليل على فراشها الذى تتقاسمه مع شقيقها حيث تتذكر امها التى رحلت عن الدنيا وهى فى الخامسة من عمرها فتتذكر ايامها التى عاشتها مع امها واخيها عامر الذى يكبرها بعامين وكانت تلك كل ايامها التى ذا قت فيها طعم الطفولة والهناء . تتذكر جيداً امها وهى تلعب معها كأختها عندما صارت تمشى بعد سنتها الاولى ، وتتذكر كيف كانت امها تحرص على نظافتها وتعطيرها بعطر الصندل بعد حمام دافئ معها ثم تبدأ معها جولة من الركض من غرفة الى غرفة وهى غارقة معها فى الضحك والنشوة فتمسك بها وترفعها اليها فى حنان وتطبع عشرات القبل على خديها وفمها وتضمها الى صدرها ، لم تكن تتركها يوماً تجوع أبداً وما اعظم حبها لها وهى تعرف كل ماتحبه من طعام فتصنعه لها ، وفى تلك الايام كانت تخرج بها الى الحدائق والمنتزهات فقد كانت امها و اختها وصديقتها وكل عالمها حتى فارقتها وهى فى ربيعها الخامس ، فى سنها تلك مرضت امها مرضاً شديداً الزمها المستشفى فترة طويلة ولم تعرف اسم ذلك المرض اللعين وقتها ولكنها علمت به من ابوها فيما بعد فقد كان ذلك المرض هو السرطان ، تفانى ابوها فى علاج امها ولم يترك شئ إلا قام به من اجل ان تتعافى وتعود البهجة إلي البيت من جديد ،فقد كان بجانب رعاية امهما يطبخ لهما ويهتم بهما برغم عمله فى السوق وكم كانت تراه بيكى كثيراً عندما يخلو بنفسه وتتذكر عندما تأتى إليه وتمسح دموعه وتسأله بخوف وهلع عن سبب بكائه فيلوذ بالصمت الرهيب ، وياخذها إليه ويضمها ويقول لها : ماما مريضة وربما ترحل بعيد عنا ، فتسأله ببراءة والى اين ترحل فيقول : سوف ترحل الى الجنة فتركض لترتمى فى حضنها فى الغرفة المجاورة ، فترى دموع امها الحارة وهى تضمها إليها وتشدها الى صدرها بقوة وتقول لها : يا بنتى الله يحفظك ثم ما تلبس ان تهزوء بكلمات غير مفهومة من جراء المرض وترتقع انفاسها وتنهيداتها فتركض الى ابيها وتقول له : ماما ... ماما فيركض نحوها فيجدها قد غابت عن الوعى وهى فى حالة هزيان فيأخذها الى المستشفى ومعها امها جدة غادة التى تمارضها وظلت على هذا الحال حتى رأت جموع الناس تتقاطر إليهم فى بيتهم وعلمت حينها ان امها فارقت الحياة وان ذلك هو الرحيل الذى يقصده ابوها فقد رحلت وتركتنى فى حفظ الله ورعايته كما قال لى ابى ، وتتذكر جيداً دعوات امها لها وحديثها لها بانها إذا كبرت وصارت إمراة عليها ان تدعو لها الله ان يدخلها الجنة ولم تفك شفرة هذا كلام إلا بعد ان دخلت المدرسة وعرفت ان هناك جنة ونار وان هناك رب كريم يرعى ويحفظ .رحلت امها وتركتها لجدتها التى هى الاخرى لحقت بامها بعد عام من وفاتها حيث كانت تهتم بهم وترعاهم هى واخيها
حين تركهما والدهما معها بطلب منها بإعتبار انهما ابناءغاليتها فاضطر والدهما ان يردهم إليهم ، وبعدها بفترة قليلة تزوج زوجة ابيهما التى تزيقها المر كل يوم ، فقررت غادة ان تغادر هذا الجحيم كما غادره اخوها عامر قبل عام هارباً وتذكر جيداً عندما لم يحرك هروبه ضمير تلك المرأة و لم يلين قلبها كأن قلبها مخلوق من حجر وقد عزت سبب هروبه الى سوء التربية والطبع الذى اكتسبه من امه قبل ان تفارق الحياة ، لهذا رأت غادة ان اى مكان غير بيت ابيها ارحم لها وانها لن تلاقى اسوأ مما لاقت ، خاصة بعد ان تطور الامر الى اخواتها من ابيها حين صرن مثل امهن تماماً يضمرن لها الكراهية ويحرضن زميلاتهن فى المدرسة عليها فيتحدثن عنها بأسوأ العبارات ويفترين عليها وامهما منتشية عندما يحكين لها ما فعلنه بها من تشنيع ، ربما سبب قسوة الام هذه صبر غادة وعامر على إيذائها ، فكانت رغبتها قوية فى ان ترى توسلاتهم وخنوعهم لها ، فهى تريد ان ت كسر كبريائهم ولكنهم كانوا كأمهم فى العزة وعدم الإنكسار حتى لو وضعوا على النار وهذا ما كان يغيظ زوجة ابيهم ويجعلها تشتد شراسة وبطشاً بهم ، ولكن لكل شئ نهاية وللصبر حدود ، حتى وصلوا مرحلة لم يعودوا قادرين فيها على تحمل المزيد فآثروا الإنسحاب من مسرح حياة زوجة ابيهم وبناتها ، رغم ان هذا سوف سيولد حسرة فى قلب والدهما وربما قد يظل يبكيهم ما تبقى من عمره حتى تبيض عيناه من الحزن وهو كظيم ، ولكن ما عساهم ان يفعلا بعدما ان صار كل شئ اسوداً فى حياتهما وانعدمت الرؤية امامهما .
[/align]
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

[align=justify](2)

هاهى غادة تتجه هاربة فى سكة سفر بعيدة عن مدينتها التى ألفتها عشر سنوات هى كل عمرها فى الدنيا ، الى جهة مجهولة لا تعلمها والى عالم جديد قد لا يستوعبه عقلها الصغير ، استغلت بص اوصلها الى تلك المدينة الساحلية وهناك وقفت حائرة ومشتتة االنفس لا تدرى الى ان تذهب والى اين تأوى وكيف ستدبر امورها وكيف تعيش وسط هؤلاء البشر الذين لا يلتفتون إليها وقد ينهشها البعض إن علم انها وحيدة فى هذه المدينة بلا رفيق ولا اهل ، تتأمل ماحولها بعين واجفة فترى امامها مجموعة من الصبيان والفتيات عليهم ثياب رثة ، هيئتهم تدل على انهم مشردون ، يعيشون كأنما أتوا من الشوارع ولم يأتوا ابداً من بيوت كباقى البشر ويمسكون بقطعة من القماش على انوفهم يشمونها وهم يبحثون فى كومة القمامة التى يتحلقون حولها عن شئ يؤكل او شئ له قيمة او قطعة من اوراق الكرتون ليتخذونا فراشاً للنوم تحت مجرى من المجارى او فى الاماكن المهجورة ، يثيرون ضحة فى المكان فحالهم شجار والفاظهم خارج حدود اللياقة والادب ، فأ رتجف جسدها النحيل إن كان مصيرها مثل هؤلاء ، ثم ادارت بصرها الى الخلف فرأت الباعة يطاردهم رجال ( البلدية ) هم وبائعات الشاى اللاتى يتخذن من ظلال الاشجار والجدر امكنة لبيع سلعتهن من الشاى والقهوة وبعض المشروبات الساخنة ، وترى ايضاً المسافرين والمستقبلين والمودعين فى ذلك الشسوق الشعبى رأت على جوانبها غير بعيد محلات تديرها نساء يبعن فيها الطعام ، فإتجهت نحو واحد من تلك المحلات وهى تحمل كيسها البلاستيكى التى وضعت فيه ما استطاعت ان تضع من ملابسها حين خرجت من بيت ابيها وهى تملك قليل من المال دبرته من مصروفها المدرسى القليل حيث جوعت نفسها من اجل هذه الخطوة ، إتجهت الى ذلك المحل فوجدت بداخله إمراة فى عقدها الثالث وحولها يتحلق زبائنها فجلست على اول ( بنبر ) قريب منها وهى خجلة خافضة الرأس منهكة زائقة البصر ، مذعورة وواجلة من كل شئ حولها ، رمقتها تلك المرأة فاستطاعت ان تتبين من هيئتها وما علق عليها من غبار الطريق والتعب انها قادمة من بعيد وادركت ان وراء هذه الطفلة اليانعة سر كبير خاصة بعد ان رأت الكيس الذى امامها وشرود ذهنها كأنها تبحث عن مرفئ آمن ترسو عليه ، ورأت وجهها غائم بالاحزان ومسربل بالغموض مما ولد فيها حيرة غريبة وحنية لها ،فاندفعت نحوها مناولة إياها كوب ماء بارد وهى تقول فى حنان ظاهر من نبرات صوتها وعيونها المرتخية دفء لها قائلة : - اشربى يابتى
فى هذه اللحظة صاح فى كتمان كل ما بداخل غادة صارخاً : يالله من هذه الكلمة التى حرمت منها سنين طويلة منذ تلك اللحظة التى رأيت فيها امى آخر مرة فى حياتى وهى وتضمنى بعنف الى صدرها وهى تنتحب وبصوت محشرج وهى تقول لى : ودعتك الله يابتى والله معاكى ثم بعدها بسويعات تغادر الدنيا بعد صراع مضنى ومؤلم مع المرض الذى قضى عليها واسلمنى طفولتى البائسة هذه ، تناولت الكوب منها بخجل وحياء وعيناها تنظر الى هذه المرأة التى تراها فى تلك اللحظة اسطورة فهى منذ ادركت الحياة وفكت رموزها لم تجد غير الشقاء والمهانة ولم تجد من يشفق عليها سوى هذه المرأة التى قالت لها بعد ان استقر الكوب فى يدها :
- اديك تأكلى ياحبيبتى ، شكلك جيعانة
هزت رأسها بالإيجاب وهى لازالت مذهولة ومتأثرة بكلمات هذه المرأة الحنونة عليها
نادتها صاحبة المحل الى جوارها ثم اطعمتها طعاماً لم تذق متعته من قبل حيث زال الخوف والهلع الذى تلبسها وهى بنت فى هذه السن التى كتب عليها ان تعتمد فيه على نفسها من اليوم فصاعداً وارتخت اعصابها المشدودة حين تصبب العرق الذى برد جسدها النحيف واتكأت على جدار المحل (كشك ) وراحت فى نومة عميقة ، لم تنتبه لها صاحبة المحل فى وسط زحمة زبائنها ، وما ان فرغ المكان من الناس إلا وألتفت إليها فوجدتها قد صحت لتوها فقالت لها : شكلك تعبانة وسهرانة الليل كلو
فردت بإقتضاب شديد : اى
ثم قالت لها المرأة : وين اهلك يابتى ، ماتكونى رايحة منهم
ومن دون ان تشعر زرفت دمعة حرة على خدها المغبر بتراب السفر : ياريت ياخالة ، انا شردت من اهلى
- سجمى يابتى ، فى زول بشرد من اهلو
- غلبنى الصبر وماقدرت اتحمل ، وقلت اخير لى اخليهم
- اهلك مالهم معاك
فحكت لها قصتها منذ ميلادها مروراً بزوجة ابيها اللئيمة وحكت لها عن اخوها الهارب الآخر ومن دون ان تشعر تلك المرأة حضنتها اليها وهى تبكى : انشاء الله يابتى ما بتجيك عوجة ، انا صفية اعتبرينى زى خالتك ، وعندى ولدين وكما بت فى سنك ومن الليلة اعبتريهم اخوانك ،وانا ما بخليك تضيعى يابتى ، الدنيا غدارة وما ليها امان وما بترحم صغر سنك عشان كدى تسكنى معاى فى البيت وتأكلى البنأكلو
- الله يخليك ياخالة صفية ، والله ياخالة انا من شفتك قلبى إرتاح ليك واتذكرت امى طوالى عشان كدا جيت قعدت فى محلاتك دى
- ياللا يابتى اوديك البيت عشان تاخدى راحتك وتنادى لجارتها وتقول ليها انا بمشى البيت وبجئ سريع ، خلى بالك من دكانى
الخالة صفية كفلت غادة هذه بغريزة الام ، ودفعها لذلك ايضاً ما وجدتها من شظف الدينا وويلاتها التى اذاقتها المر وهى تتذكر كيف هاجرت من كردفان الى هذه المدينة النائية من اجل ان تعيش وكما ان ملامح غادة الجميلة وبرائتها تركت فى نفسها اثراً واندفاعاً إليها حتى دون ان تحسب اى عواقب او تعقيد للامور ولم تفكر بشئ سوى ان تساعدها على قدر إستطاعتها وهى لا تملك من الدنيا شئ سوى ان تأويها فى بيتها فى احد الاحياء بطرف المدينة وهى منطقة بعيدة ونائية عن مركز المدينة . فقرت ان ترعاها رغم حملها الثقيل ودخلها الذى بالكاد يغطى مصاريفها واجرة المحل ولوازم السكن فى تلك الاطراف من شراء الماء وفاتورة المولد الكهربائى وغيرها . المر المهم والقوى الذى دفعها اكثر من كل الاسباب السابقة هى ماضيها قبل ما يزيد عن اثنتا عشر عاما حين سرحت تسترجعه من ذاكرتها وهى فتاة يافعة ، بنت فى السابعة عشر من عمرها وهى بالمرحلة الثانوية حيث اغرقها ذلك الفتى الذى تعرفت عليه فى بلدتها بالحب وسقاها الهيام حتى هامت به وعشقته بكل جوارحها واحبته لدرجة الوله اما هو فقد كان يتصنع لها ويوهمها بان العيش من دونها لا طعم له فيزرف الدموع امامها عندما تغيب عنه بضعة ايام وتعود إليه مدعياً ان دموعه هذه هى دموع الفرح بلقياها ، وكان طريق المدرسة هو مكان اللقاء وممشى الحب ، تعلقها به كان عظيماً للدرجة التى عميت من ان تتبين الذئب الذى يختبئ وراء عباراته المعسولة وحديثه اللطيف ونظراته الحالمة فسلمته نفسها فى ليلة من الليالى من دون ان تعى مامعنى ان تهرق عفتها بين يديه وتكررت اللقاءات حتى حبلت منه وعندما اخبرته بانها حامل وان فى احشائها انساناً جديداً هو ابوه ، زعر واجفل بل واختبأ وتوارى عنها ، حيث سافر وهجر البلدة ، تركها تقاسى الالم وتواجه المجتمع وتتحمل الذنب لوحدها وعندما علمت اسرتها بامرها طردتها شر طردة حيث لم تفلح محاولات اقاربهم او جيرانهم واجهت مصيرها لوحدها دون ذلك الغادر ، فقدمت الى هذه المدينة الساحلية النائبة وهى لا تزال تحمل تلك بذرة الخطيئة حين إصطادها احد سائقى الشاحنات عندما طلبت منها ان ترافقه الى ابعد مدينة يصل إليها لانها لا تريد ان تعود الى اهلها مرة اخرى فرآها صيد ثمين له فطلبها لنفسه على ان يصحبها معه وتكون عشيقته ويتكفل هو بسكنها فى مدينة اخرى ، فرفضت إلا ان يكون بالحلال وهو الزواج منها ، فقبل ليس حباً فيها ولكن هذه عادته فى بعض الاحيان وهى ان يتزوج اى واحدة اعجبته واستعصت عليه فيقضى معها شهر اوسنة ثم يطلقها ويرحل عنها ولا يهتم إن انجب او لم ينجب منها فكل همه ان ينال المتعة و يتحصل عليها وبأى طريقة كانت حتى لوكانت زواج مايهمه ان ينال مبتغاه فتزوجها واسكنها المدينة التى تعيش فيها الآن ، مع إحدى النساء اللاتى يغشاهن ويمر عليهن كلما قدم الى المدينة . تركها هناك وصار يعود إليها فى كل مرة يأتى فيها ، وقد شدد على صاحبة البيت ان لاتسغلها كسلعة وانها ملك يخصه وانها زوجته على ان يدفع لها المتعارف عليه فى مثل هذه الحالات ، وهكذا حصلت على زوج ومأوى وإن كان بعيد عن اهلها وعليها ان تتدبر امرها وتعين نفسها فهذا الزوج لن يصبر عليها وسرعان مايمل منها ويتركها ويذهب لغيرها فقررت ان تعمل ببيع الشاى بعد ان وضعت طفلتها التى كانت تحملها ونسبته الى هذا الرجل وبموافقته فهو لا يفرق معه الامر كثيراً فحياته هكذا نساء وسكر ومتعة يفرغ فيها كل ما فى جيبه حيث له فلسفة غريبة وهى ان يعيش شبابه ويمتع نفسه بقدر مايستطيع قبل ان يداهمه الكبر وفى ظنه ان متعة العيش هى مجون وسكر ومأكل ومشرب . منذ تلك الايام بدأت حياتها وهى تقاوم موج الحياة العاتى الذى لفظها فى هذا الشاطئ المظلم و عليها ان تعيش وان تستمر حياتها فلم تحفل بتعب العمل المضنى وسط هجير نيران جمر الشاى او هجير الشمس والامطار والبرد وقاست ما قاست حتى استطاعت ان تحصل على منزلها الذى تقطنه الان وكافحت فى عملها حتى استطاعت ان تؤجر محلها الحالى وتعمل فيه بعرق جبينها و عاهدت نفسها ان تحافظ على ماتبقى لها من نفسها ومن بقايا الاشياء الجميلة التى بداخلها وان تحفظ نفسها ولا تكون سلعة رخيصة بين ايدى الرجال وعليها ان تسيطر على نفسها حتى تربى ابنيها وابنتها فقد انجت ولدين من رجل آخر تزوجته حتى يحميها ويكون ظهرها بالرغم انه عاطل يوم يعمل ويوم لا يعمل فسقاها المر والويل فقد كسر ظهرها من حمله الثقيل حيث كان يأخذ منها المال بالقوة ويضربها إذا رفضت ان تعطيه ما يوفر له الشراب الذى يفرغه فى جوفه ليفرغ معها كل افراحها وحلمها بالاستقرار الذى من اجله تزوجته فصبرت عليه من اجل ولديها منه ولم تذق طعم الراحة من ويل عذابه إلا عندما قبض عليه فى جريمة سرقة وادخل السجن وارتاحت من بلاويه تلك ، وهاهى اليوم مابين عملها وتربية ابنتها بنت الاثنى عشر عاماً وولديها فى ربيعهما الثامن والسادس ، لهذا آوت غادة حتى تحميها من المصير الذى لاقته وان تبعدها عن السكة التى بل حست ان مصيبة غادة اعظم من مصائبها كلها فهى لاذنب لها فى كل ماحدث فهى لم تخطئ بعكسها هى فقد اخطأت وكان هذه هو عقابها تعيش بلا اهل او عائلة كأنها مقطوعة من شجرة ً .
[/align]
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

( 3 )​

هكذا استقرت بغادة الحياة وانتقلت للعيش فى بيت بسيط فى غرفة من الخشب البالى وراكوبة تعيش فيها هى وصفية وابنائها ، فى حى عشوائى نائى بعكس بيتهم الذى هربت منه ، الكائن فى حى معروف وله مكانته عند الناس فى تلك المدينة ، ويعتبر قياساً للحى الذى تسكنه الآن من ارقى الاحياء ، صفية لم تقصر معها فى شئ تطعمها ما تتطعم به ابنائها بل وذهبت الى اكثر من ذلك عندما اخذتها الى المدرسة التى تدرس فيها بنتها واستطاعت ان تقنع مديرها بعد ان رأى شهادة ميلادها وشهاداتها المدرسية التى من حسن الحظ كانت مع غادة فقد حملتها معها ضمن ما حملت من اشيائها فى بيت ابيها، فادخلتها الصف الخامس واصبحت كاخت وصديقة لنوال أبنة صفية ذات الاثنى عشر عاماً ، إنقضت خمسة اعوام بكاملها وغادة تعيش فى كنف تلك المرأة التى تشقى وتكد وهى تحمل همهم بحمل ينوء بحمله الرجال ناهيك عن إمراة شابة كصفية ، دفنت جمالها وانوثتها خلف لهيب نار قدورها واوانيها ، مع تحمل جلافة بعض زبائنها وثقل دم آخرين ، وكم لاقت من تحرشهم الكثير ولكنها صبرت من اجل عيالها ومن اجل ان تربيهم تربية تفخر بها ، وتحقق بهم ما كانت تتمناه لنفسها حتى تبعدهم عن مصيرها ففى نظرها ليس هناك شئ اعظم من المدارس والتعليم فهو الطريق الوحيد الذى يتيح لهم حياة كريمة ، فعصمت نفسها من اجل هذا الهدف واعرضت عن كثير من الإغراءات من طالبى المتعة وراغبى جسدها وهى تواجه احياناً اوقات عصيبة تحتاج فيها للمال بشدة خاصة عندما يعجز إيراد ( الكشك ) من سداد ملتزماتها وملتزمات صبيتين وولدين وتعففها هذا ، لانها لاتريد ان تنزلق فى طريق سيكون الخروج منه صعب عليها وامامها صور وامثلة كثيرة عاشتها بنفسها ورأتها فى كثيرات ممن باعن جسدهن فلم يحصدن سوى الحسرة وعندما راحت نضرة شبابهن راحت معها كل شئ واصبحن كالاموات وهن احياء ، ولكن لابد من مجاراة الامور ومسايستها فكانت تعمد الى ان تنال منهم ما تريد دون ان ينالوا شئ منها فهى ترى فى قرارة نفسها ان ما يقدمونه لها ثمن لمحاولات غوايتهم لها والذنب ذنبهم وانها لم تسعى إليهم بل هم من سعوا إليها فيستاهلون ما يجرى لهم وتقول لهم محدثة نفسها ( جنت على نفسها براقيش ) ، والغريب انهم لا يفترون ولا ييأسون من ملاحقتها ، فيعاودون المرة تلو المرة وذلك لانها كانت ماهرة وماكرة تجيد الدلال والغنج ، ولها مخيلة عظيمة فى خلق الاعذار التى يقبلونها ويسمامحونها فقد كان لها اسلوب انثوى خاصة بها تمارسه نحوهم بكيد النساء المعروف يجعلهم يقبلون اعذارها الكثيرة ووعودها الكاذبة وهم مستسلمين تماماً وهم كذلك مستمتعين بتصنعها هذا عليهم بل و يتنازعون ويتشاجرون ويتباغضون من اجلها. ربما عنت العيش وما عانته من زوجها الثانى الذى اذاقها المر هو الذى اكسبها كل هذه الخبرة فى التعامل مع الرجال ، فكانت ايضاً تسوق مأكولاتها ومشروباتها بكل سهولة ويسر .
اما غادة ففى كل يوم تكبر ومع كل يوم تتضح معالم انوثتها وتبزر مفاتنها بعد ان اكتسى ذلك الجسم الناحل لحماً وشحماً واشرق وجهها الاسمر المستدير وبان جماله ونضارته ، وبريقها ماعاد خافى على احد رآها ، فالآن هى إبنه الخامسة عشر سنة حيث إجتازت مرحلة الأساس بجدارة وتفوق ودرست سنة كاملة بالمرحلة الثانوية ، اما نوال إبنة كفيلتها ومربيتها صفية لم تفلح فى دراسة ، لذلك زوجتها امها عندما يئست من ان تأتى بخير من دراستها ولا أهتمام لها بالمدرسة بتاتاً ، وعلمت ان سب إهمالها للمدرسة هو علاقاتها عاطفية كثيرة فى هذه السن المبكرة حيث شغلتها عن التركيز فى الدروس والإجتهاد فكان الرسوب مصيرها ، فصارت مصدر قلق شديد لأمها فقد خافت ان تأتى بما أتت به هى من قبل خصوصاً ان نوال وهبها الله جسماً يسيل له لعاب كل شباب ذلك الحى وخاصة العاطلين فيه فخافت عليها خوفاً شديداً من ان تنهش لحمها الطرى وترميها بقايا انثى تحت الستار وتعيش كل عمرها فى الظلام او يرتكب احدهم جريمة فى حقها وذلك لما تمارسه بنتها من اساليب إغواء متلذذة بمطاردة الشباب لها ، وانتظرت اول طارق طرق بابها فزوجتها وإرتاحت من همها ، تزوجت نوال ورحلت مع زوجها الى بلد آخر ،وكان سرور صفية عظيماً بهذه النهاية المشرفة لبنتها ومصدر سرورها انها استطاعت ان تحتفظ بسر والد إبنتها الحقيقى الذى لا تحمل حتى إسمه دون ان تكدر حياتها وتجعلها حاقدة على المجتمع وتلعن اليوم الذى جاءت فيه الى الدنيا ، إستغفرت صفية ربها على تلك الخطيئة ، وشكرت الله انها لم ترتكب جريمة قتل بأجهاضها من اجل ان تحافظ على سمعتها وسمعة اهلها ، وحمدت الله كذلك ان ابنتها عاشت بعد ذلك افضل بكثير من اولئك اللقيطات إن قدر لها ورمتها بعد ولادتها مباشرة فى العراء تنهشها الكلاب او تؤؤيها دور الايتام .
بعد زواج ابنتها بعام خرج زوج صفية من السجن بعد ان قضى مدته ، وليس له مأوى غير بيتها فقصدها واراد ان يقضى فترة معها حتى يدبر نفسه ، بالرغم انها قد طلقته بالمحكمة وصارت طليقته وليس هناك ما يجمعها به سوى الولدين فكانت هذه حجته لكى يقيم معها ولكنها صدته عن البيت ولم تتركه يسكن معها وهو لا يحل لها ولم تقبل مناشدته لها بقبول الرجوع إلى عصمته مرة اخرى خوفاً من ان يكدر حياتها وظل ملحاً عليها طارقاً بابها فى كل حين ، حتى جاء ذلك اليوم المشئوم ، الأليم عندما ركل باب بيتها برجله فى منتصف الليل وهو سكران لا يعى ما يقول ودبت بينهما مشاجرة عنيفة فسبها وضربها امام ابنائها وابنائه ، طالباً منها المال لحوجته الشديدة له وان تسمح له بالمبيت حتى الصباح ،فرفضت ذلك وانتهرته وحاولت ان تدفعه خارج البيت وتعاركت معه ،فاستل سكينه وغزرها فى صدرها مسددة لها عدة طعنات اردتها قتيلة ، لترحل عن الدنيا تاركة غادة فى هذه المرحلة الخطرة من عمرها وكذلك ولديها الصغار ابناء الثامنة والسادسة من العمر وهما قد شاهدا بام أعينهم القاتل ابوهم والمتقولة امهم فى ابشع المشاهد والصور فتعالى صراخهما مع صراخات امهما وهى فى رمقها الاخير واصابهما رعب عظيم وهم يرون امهم تلفظ انفاسها الاخيرة وهى تشهق آخر شهقات الحياة ، فتحول صراخهما الى جنون وركض مستمر لا قرار له ولم تلتفت لهم غادة فهى الاخرى قد فقد صوابها فصارت تضرب يديها برأسها وتدور فى ارجاء حوش البيت وهى تولول وتنادى باعلى صوتها ، اما اولئك الفرخين فقد اصابهم ما اصابهم ولم يجدوا من ينتبه لهما .
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

[align=justify](4)
غادة لم تدرى ماتفعل فقد رحلت انسانة اخرى وخرجت من حياتها بعد امها ، اعطتها حناناً وحباً وعاشت من اجلها واجل ابنيها ولم تشكى او تتضجر فقد كانت حامدة ربها على القليل الذى تصرفه عليهم ، غادة تعود مرة اخرى الى الحيرة والى مصير مجهول ولن تحقق طموحها فى دخول الجامعة وعليها ان تواجه الحياة وربما آن لها ان تترك الدراسة التى احبتها وان تتخلى عن ذلك الحلم الذى راودها كثيراً بأن تدرس الجامعة وتحصل على اعلى الدرجات العلمية وتكون اغلى هدية تقدمها الى صفية التى آوتها واعتبرتها بنتها واعطتها حنان الامومة الذى افتقدته وعثرت عليه عندها والآن تغادر هى ايضاً وتودعها الى اول الطريق الذى انتشلتها منه ، بحثت غادة عن ابنى صفية فى كل مكان حتى عثرت عليهما وردتهما الى البيت وهما فى حالة نفسية سئية للغاية لاينطقون ، يبحلقون فى المعزين ، مرت ايام العزاء سريعاً حيث حضرت نوال إبنتها ومعها طفلها وزجها من تلك البلاد التى كانوا فيها ، وعندما اقترب موعد رحيل نوال قالت لغادة :
- انا حاولت اقنع راجلى نجئ نسكن هنا معاكم فى بيت امى الله يرحمها واشتغل فى المحل عشان اربى اخوانى ديل
- طبعاً رفض الكلام دا
- اى والله ياختى
- شوفى يانوال انتى بقيتى ام اولاد وعندك راجل، وعايشة بالحلوة والمرة معاهو فما داعى تغيرى حياتك وتكدريها
- اسوى شنو عاد ، ديل اخوانى منو البعيشهم
- انا مشيت وين ، امك دى عندها على دين كبير فى رقبتى ، ولو ماهى ما عارفة كان حأكون وين
- امى زولة كان قلبها كبير ، وعمرها كلو عاشتو عذاب وشقى ، الله يعوضها الجنة
- آمين يارب ، عشان كدا انا لازم اقوم بالواجب
- انتى فى يدك شنو ، انت زاتك دايرة الزول البرعاك ويساعدك
- لا ، انا شديدة الحمد لله ، انا بفتح محل امك وبربى بيهو اخوانك ديل ، هم برضو اخوانى
- ومدرستك يا بت ؟ انت زولة شاطرة ومستواك كويس ، حرام تضيعى دا كلو
- منو قال ليك انا بخلى المدرسة ، انا بدرس بالمسا فى اى معهد وبمتحن شهادة سودانية زى العجب وكمان بقرأ الجامعة
- يا غادة شغل السوق حار شديد ، وبطير الفى رأسك وبعدين انتى ما بتعرفى الناس كويس وخاصة زبائن امى
- عارفة كل شئ ، انا عايشة وين ؟ ما عايشة مع امك فى البيت دا
- كان كدى خلاص ، إتفقنا وكان حسيتى نفسك ما قادرة ورينى وبتصرف حتى لو آخدكم تعيشوا معانا انا وراجلى
- يا نوال راجلك على قدر حالو ، وانا عارفة حالتكم صعبة ما فى داعى تزيد عليهو الحمل زيادة وكان علينا نحن بنعيش والله ما شق حنك ضيعو
- الله يغطى عليك ياغادة ، نحن بكرة بنسافر
- تسافرى بالسلامة واى وكت دايرة تشوفى اخوانك مرحب بيك
فتحت غادة ( الكشك ) ، ولكن لم تسير الامور كما كانت تظن فالزبائن قد انصرفوا عنه ولم يعد هناك من يمر عليه ، فشكت الحال الى جارتها الملاصقة لها فقالت لها
- يازولة انتى شغلتنا دى ما بتشبهك
- كيف يعنى؟
- انت ياختى ما بتقدرى على الشغلانة دى وما تغشى روحك ساى ، هسى انتى ليك شهر وكل يوم اكلك بائر وزول دايرو ليك مافى
- قصدك انا ما بعرف بطبخ
- القضية ما طبيخ بس ، داير حبة كشكشة وحركات وانت مازولة الحاجات دى
- اها سوى شنو ياناسى ، اولاد صفية ديل فى رقبتى ، جبر اتعلم واكشكش وارجع الكشك دا لحالتو الزمان
- انتى هسى ليك شهر وعليك إيجار وكمان من وين بتجيبى المصاريف البتمشى بيها الشغل
- اسوى شنو ؟
- انت تتوزنى بالدهب ، حلوة ، وصغيرة ( تضحك ضحكة خبث ) ، تأشرى يجوك بالميات
- قصدك شنو يازولة
- مشى امورك ، وسلكى طريقك
- لا لا ، انا مابسوى البتقولى عابهو دا
- كلنا قلنا زيك كدا
- يابت مالك ومال التلتلة والبهدلة دى وقومت الدغش ورجعت البيت مع المغارب ، والله الكانون دا يقدد جلدك السمح دا
- ما مشكلة بتحمل وانا من قمت ياهو فى الشقى والعذاب
- ما اخير لك ولا شيتين ، انت خايفة من شنو ، مشوار مشوارين فى الاسبوع تطلع ليك مصاريفك ومصاريف الاولاد شهر كامل ، وما فى زول بجيب خبرك
- كمان فيها مشاوير ؟
- كيف ، فى ناس راقيين جداً وكبار ، بكوسوا للزولة الزيك ، وكل شئ كتامى وتحت تحت
- ماتنسى ان لسة بت ، والحاجات دى ممكن تضيعنى لو مشيت فيها ، انا برضو بت ومنتظرة صاحب النصيب
- كل شئ بتعالج وبتصلح الزمن دا، وانتى حا تعملى حسابك وامورك بتسلك عادى ، وصاحب النصيب حا يعرف من وين الحاجات دى
- يعنى ما بتأثر على مستقبلى
- انتى مسكينة ، انا قلت ليك الناس البعرفك بيهم ، ناس كبار وعندهم قروش وشركات وعلاقتك بيهم مكسب ليك وكان على المحل انا بجيب ليك واحدة تشتغل فيهو وانت تمرى عليها وتاخدى الفيها النصيب وتمشى قلتى شنو
- قلتى لى الناس ديل كويسين ، وناس محترمين
- آى
- خلاص انا بجرب امشى معاك ساى ، وبشوف
- خلاص اتفقنا ، وبوريك متين عشان تقشرى وتجهزى نفسك ، شكلك مهم
تهز رأسها علامة الموافقة وتنصرف .[/align]
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

( 5 )​

بعد يومين من ذلك الحوار الذى جرى بين غادة وجارتها فى السوق ، جاءتها تبشرها بان اليوم لديهما مشوار بالمسا مهم وعليها ان لا تذهب الى مدرستها المسائية ودست فى يدها مبلغ من المال تشترى به ملابس وادوات زينة لها حتى يظهر جمالها ، وتبدو كالقمر وتظهر اناقتها وجاذبيتها . فى المساء مرت عليها جارتها بسيارة اجرة ( تاكسى ) وكانت غادة قد تجهزت للخروج بعد أن اطعمت ابنى صفية وامرتهم بان يراجعوا دروسهم لحين عودتها ، وطمأنتهم انها ستعود اليهم سريعاً ولن تتأخر وإذا صار لهم اى شئ عليهم الاتصال بها فوراً من تلفون الجيران ، تعاملهم هكذا كأنها أمهم وهم يجلونها ويحبونها كثيراً فقد عيش استطاعت ان تحتويهم بحنانها ورعايتها .
توقف التاكسى بهما امام مبنى جميل فى حى راقى من احياء تلك المدينة ودخلتا شقة من شقق تلك البناية ( العمارة) وغادة تسير خلف صديقتها الجديدة فى بطء ووجل وحالة من الرعب الشديد ، فتح لهم الباب شاب فى منتصف العقد الثالث من عمره تبدو على ملامحه الدعة والراحة ونعومة العيش ، وسيم الشكل ، بهى الطلعة ، طويل فى بنية جسمانية رياضية ، يلفت الانظار من اول وهلة ، جلسوا جميعاً على كنبات الصالة داخل الشقة وبعد الترحيب والتعارف الذى اجرته رفيقتها قائلة :
- دى غادة
- فيرد :اهلاً وسهلاً ياحلوة
ثم تنظر الى غادة وتقول
- دا خالد سيد احمد ، صاحب شركة
ثم اخذت غادة معها الى احدى غرف الشقة وهى من الاثاث الفاخر تدل على انها غرفة نوم ، جلست تلك المرأة معها قليلاً ثم إستأذنت غادة وهى تبتسم فى مكر كأنما تريد ان تقول لها : انا دورى انتهى لحدى هنا والباقى عليك . عند باب الغرفة من الخارج رأت خالد يدس فى يد صديقتها مبلغ محترم من المال وهو يضحك منتشئ فى غرور وهى تقول له : انا قاعدة برة منتظرة لحدى ما تخلصوا موضوعكم ،تضحك ضحكة تعرفها كل النساء امثالها وهى تقول : ليلة سعيدة​
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

( 6 )
ما ان دخل خالد الغرفة ونظر فى غادة حتى اصابتها نوبة من الرعب جعلت العرق يتفصد من جسدها وصار جسمها كله يرتجف وصارت اسنانها تصتك وكلما اقترب منها خالد زاد رعبها الذى تحول الى حالة ذعر وإصطكاك اكثر لأسنانها فأمسك بيدها فوجدها باردة كأنها قطعة من ثلج واطلقت صرخات وهى غارقة فى دموعها التى انهمرت وهى تصرخ بصوت متقطع وهستيرى جنونى بلا وعى :واى الليلة الحقينى يا أمى ، هذه الحالة جعلت خالد يرميها على السرير ويبتعد عنها ، ويجلس على مقعد امامه واضعاً يده على جبينه فى حالة من الإستياء والقهر ، رفع رأسه فرأى غادة قد سكنت بعد تصرفه هذا مما اثار حيرته ودهشته أكثر، فإلتفت إليها قائلاً:
- انتى وكت ما بتاعت الحاجات دى ، الجابك شنو
تسكت وهى تنظر الى خالد نظرة إسترحام كأنما تطلب الرأفة منه وواصل
- انتى اغرب (زولة ) قابلتنى فى حياتى .... يسكت ويتنهد ثم يقول :
انا مروا بى بنات كتير بس اول مرة اشوف واحدة مرعوبة بالشكل دا ، صحيح فى واحدات يمكن اول مرة يجربوا الحاجات دى و كانوا خايفين بس ما زى خوفك دا ،
غادة لم تنطق بكلمة فحالة الذعر لازالت تلازمها والعرق صار يتصبب بغزارة من كل جسدها حتى ابتلت ملابسها وخالد مستغرب من حالة التصلب التى انتابت هذه البنت فقال : يابت اطمئن ، انا ما احا ألمسك ولا حا أقرب منك ، انتى الظاهر عليك بت كويسة ، ممكن اعرف قصتك شنو ؟؟؟؟
هنا إطمأنت غادة لخالد وفتحت قلبها له وبدأت تحدثه عن حالة والدها الميسورة وزوجته الكريهة ، واخواتها اللائى كدرن حياتها ثم قصتها مع صفية وكرمها معها ثم قصة المرأة التى تنتظرها بالخارج ، فتأثر لها ورق قلبه لها فقد تذكر فى هذه اللحظة اخواته اللاتى تحت رعايته فزرف دمعة حارة أطفأت نار الشيطان الذى تلبسه قبل قليل عندما هم بإفراغ شهوته بمبلغ من المال مهما كان كبيراً فهو زهيد لحجم ماكان سيفعله بهذه المسكينة ، مكسورة الجناح فأقترب منها وقال لها :
-خلاص قشى دموعك وامسحى عرقك ، انا بساعدك
- تساعدنى كيف ؟ ما صعب عليك ، انا حملى كتير وما بتقدر عليهو مهما كانت إمكانياتك
- انا مستعد اصرف عليك انت والولدين لحدى ما تكملى قرايتك
- بس حا تصرف على بصفتك شنو؟
- اخوك الكبير
- ياخوى انت عندك بيتك وعندك اخواتك ووالدتك كلهم فى ضهرك
- ماتشيلى هم الحمد لله الخير كتير ، يا خى انا بضيع قروشى فى قعدة ساعة ولّا ساعتين ، مابغلبنى اعمليكم مرتب شهرى بسيط ما بساوى تمن قعدة واحدة .
- شوف انت بتقول الكلام دا شفقة منك لانك لسة متأثر ، لكن صدقينى بعد فترة حا يروح التأثير دا وتنسانا لانك حاتزهج ، لو داير تساعدنى بالجد ممكن تشوف لي شغل فى شركة او وكالة او أى شئ اقدر اعيش بيهو انا والولدين
- يفكر شوية ويقول : بس انت حتى شهادة سودانية ما عندك ، اشغلك شنو يسكت شوية ويقول تانى :
- خلاص تعالى اشتغلى معاى فى الشركة ، انا عندى شركة نقل وترحيلات ممكن تشتغلى معاى كاتبة فى المكتب
- موافقة طوالى
هنا يشرح لها مقر مكتبه بالشارع والمبنى ، ثم يخرج مبلغ من المال ويضعه فى يدها وهو يقول لها :
- خلى معاك القروش دى ، هسى ارجعى البيت وبكرة تعالى لى فى المكتب عشان اسلمك شغلك
تنظر غادة الى خالد نظرة تقدير عظيم وتقول :
- انا ماعارفة اشكرك كيف ، السويتو معاى دا مابنساهو ليك ، والله يقدرنى اردو ليك
- .انا ماداير منك شكر انا بس دايرك تكون كدا دائماَ وتشدى لى حيلك فى الشغل
- البقدرنى عليهو ربى بسويهو
- خلاص بكرة تعالى فى المكتب​
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

[align=justify]( 7 )
رجعت غادة الى البيت وسط الحى العشوائى وهى صامتة لا تنطق بكلمة مع جارتها وصديقتها الجديدة تلك التى ابدت دهشتها واستغرابها بالسكون والصمت المطبق الذى نزل على هذه الفتاة ، وكل ما قالته لها عندما وصلت بيتها
- انا بكرة ماجاية ياعلوية للشغل ، وياريت تشوفى لى الزولة القلتى لى حا تجيبيها للكشك عشان تستلم ، وكان على قروش الإيجار اسبوع كدا وبدبرها
تضحك علوية ففى بالها شئ آخر وظنت ان غادة قد عبرت الى الضفة الاخرى من الحياة التى تعيش فيها علوية وامثالها ، توعدها وتودعها . دخلت غادة البيت فوجدت ابنى صفية فى انتظارها وقد سعدا برؤيتها فهى التى تبعث الطمأنينة فيهم وهى الان الانسانة الوحيدة التى تنتبه لهم وترعاهم وتهبهم الحنان الذى تحتاجه هى ايضاً رغم سنها الذى لا يتجاوز السادسة عشر عاما ًفى الكون ، فاعدت لهم العشاء وراجعت لهم دروسهم ولم تتركهما حتى ذهبا للنوم ، وبعدها جلست مع نفسها تتأمل تلك اللحظات التى مرت بها فى مساءها فاحست بإرتياح كونها ستعمل كموظفة بدلاً من بائعة ترهق نفسها اليوم بكامله من اجل بضعة جنيهات ، وفى مجال بعيد عن الدراسة والتعليم ، اما هذه الوظيفة ستجد فيها الراتب وتستطيع معها ان تواصل دراستها بكل سهولة ويسر وستعيش بعيداً عن عالم الاسواق والباعة بكل مافيه من مفارقات ومشاكل فحلمت بصفحة خضراء جديدة فى سجل حياتها ، وامتد حلمها الى خالد نفسه وتمنت لو انها تنال حبه ورضاه عنها مما يزيد من عطفه عليها فيكون سكتها الآمنة وطريقها الممهد لحياة كريمة تتمنى ان تحياها من جديد وانها فرصة لتعوض كل تلك الايام الكالحة السوداء ، وأثناء استرسالها وسرحانها هذا عادت بها الذاكرة للوراء حيث ابوها واخوها عامر فجرت من مقلتيها دمعة حرى علي فراقهما وتخيلت كيف يكون حال ابوها الأن وهو يتحسر على فراقهم ، ثم تقول : ربما زوجة ابى قد مسحتنا من ذاكرة ابينا وبتنا عندها وعنده فى عداد الاموات ، ولكنها عزمت ان تبحث عن عامر
وبات هدفاً لها وهى تقول فى نفسها : امى لن ترتاح فى قبرها مادام عامر تائه عنى ، وتأملت ماحدث لها مع خالد فإيقنت ان ما حدث لها دعوة امها عندما قالت لها قبل ان تموت : الله يحفظك يابتى ،فأستجاب الله لدعوتها وحفظها من الوقوع فى ذلك الوحل ، وهنا أخذت ترفع يديها بالدعاء لأمها بالرحمة ودموعها تنهمر غزيرة ومعها أنين وحنين لها ، وهذا ألهب مشاعرها نحو اخوها المفقود اكثر فأكثر وإن كان ابوها من قبل لم يترك مكان إلا وبحث فيه عنه ولكن دون جدوى وفى النهاية سلم امره لله ، هى الآن تود ان تجدد البحث عنه إن قدر لها المواصلة فى عملها فى شركة خالد مع مواصلة الدراسة بالمساء.

[/align]
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

( 8 )
نزلت غادة الشغل وكدت فيه واجتهدت بعمق فألمت بمرور الوقت بتفاصيل العمل وخيوطه وعرفت الكثير عن الشحن والترحيل واستطاعت فى وقت وجيز ان تبنى علاقات طيبة مع عملاء الشركة وحتى سائقى شاحنات الشركة وطدت علاقتها بهم ، وساعدها فى ذلك سحرها وجاذبيتها وطريقة تعاملها معهم وكما انها اكملت المرحلة الثانوية ونالت شهادتها ، وكان خالد يراقب نشاطها ولباقتها وقدرتها على العمل على إقناع العملاء ، فدفعه لأن يعلمها اكثر واكثر وإن كان علاقته بها لا تخلو من بعض التلمحيات التى تدركها كل انثى بفطرتها فاحست ان خالد يزداد إعجابه بها يوم بعد يوم ، لمست ذلك من خلال معاملته الرقيقة لها ودعواته لها للغداء خاصة عندما يتأخرون فى العمل ، وايضاً من خلال كلمات المديح والإطراء التى تلامس آذانها فى كل مرة تجلس معه ، وهى كذلك احبته من قلبها برغم علمها بانه لن يترك النساء فهو زير نساء يعيش لهن مثله مثل ذلك السائق الذى اتى بصفية لهذه المدينة ولكن الفرق ان خالد يتناولها بطريقة محترمة مع الحفاظ على وضعه فى المجتمع الراقى الذى يعيشه ويفرض عليه اسلوب حياة معين وانه ربما اكثر جبن من ذلك السائق فهو يتهرب من اى إرتباط رسمى باى واحدة بعكس ذلك السائق ، لان ذلك سيدخله فى ورطة خاصة مع زوجته الغيورة ، التى تزوجها كتقليد إجتماعى ليكون له بيت واولاد فمثله لا يكتفى بإمراة واحدة وليس امامه سوى طريق المجون مع الغوانى ، واكثر ما يخشاه ان تشم عائلة زوجته خبر عن غرقه فى بحر النساء من كل لون وشكل فزوجته من اسرة لها إسمها فى تلك المدينة وهى مكملة لوضعه كما ان له منها ابناء يود ان ينشأهما بعيداً عن عالمه هذا ، فهو فى البيت الزوج والأب المثالى ولكن ما ان خلا بنفسه فى العمارة التى يمتلكها او فى احد البيوت التى يملكها فى احياء تلك المدينة حتى تحول الى انسان آخر يروى شهواته . غادة احبته برغم كل ذلك ، ربما لانها رأت فيه الجانب المضئ فى شخصيته فهو برغم كل ذلك شهم وكريم وطيب القلب ويعرف كيف يتعامل مع القوارير كما ان تعامله معها هى بالذات اختلف من ذلك اليوم فما عاد يطلبها لنفسه ولا يتحرش بها مثل اللاتى يتحرش بهن عندما يزرن مكتبه الذى اصبحت هى سكرتيرته ومسيرة اعماله ، وتأكدت من انه يحبها فعلاً عندما ناداها يوم ما فى مكتبه فى فترة الظهيرة حين قل ضغط العمل وامرها ان تجلس ثم قال لها :
- غادة انا داير اتكلم معاك بصراحة
- اتفضل
- انا معجب بيك جداً وبحبك بالجد
غادة خجلت من هذه الجرأة ، دنقرت رأسها وتقطرت من جبينها حبيبات عرق خفيف وزاد نبضها وهى تعبث باصابعها فادرك خالد بخبرته الحالة التى انتابت غادة فواصل قائلاً
- ياغادة انتى الزولة البكوس ليها من زمان ، بالجد من اليوم داك وانتى دخلتى فى قلبى
- شكراً لك ، والله ماعارفة اقول ليك شنو
- ما تقولى اى حاجة ، بس انتى اسمعينى وادينى رأيك بعدين
- كويس ، انا سامعاك
- انا قصدى خير ، وما تشوفينى تقولى الزول دا سعيد وعندو كل شئ عشان كدا بتسلى بس انا من جوة ببحث عن انسانة احس بيها وانا حسيت بيك
- ولييه انا من دون البنات كلهن ، وكمان وين زوجتك
- انتى لأنك اول واحدة غيرت فهمى للبنات ، ما قايل فى الدنيا فى بنات بريئات زيك ومفتكر اى بت ممكن تلعب وتلف وتدور ، بس بعد ما شفتك حسيتك مختلفة عن كل البنات القابلتهن ، اديتينى درس عظيم وشفت نفسى كيف انا انسان حقير وانتهازى بستغل بنات الناس ، عشان كدا من داك اليوم فكرت تكونى قريبة منى .
- يعنى انت شغلتنى معاك عشان السبب دا
- فى البداية كان كدا لكن لمن شفتك نشيطة وريحتينى فى الشغل وبقيتى تساوى عشرة رجال زاد حبى ليك شديد
- وزوجتك
- زوجتى شئ تانى مختلف تماماً ، إنسانة همها نفسها ، مقضية حياتها فى البوبار وفى الفشخرة ووقتها كله مع صاحباتها والباقى لاولادها وانا لى من وقتها شئ بسيط ما يتعدى اللحظات البنكون فيها سوا وقت النوم ، او نكون فى مناسبة او زيارة لأهلها او اهلى ، حياة رسمية ، صدقى ما سمعت منها يوم كلمة حب او كلمة تحسسنى بيها بتحبنى وما شفت منها حنان وحياتى معاها محكومة بالوضع العائلى بتاعنا ، صدقينى انا بعانى من فراغ كبير فى حياتى
- عشان كدا بتبحث عنو مع تانيات
- ايوا ، لكن بعد ما عرفتك قررت اعيش حياتى بالطول والعرض وبالحلال
- شئ جميل ، وتغير ملحوظ
- وعشان اعيش بالحلال لازم اختار انسانة مقتنع انها ما بتخونى ابداً وانتى الانسانة دى ، رأيك شنو؟
- طبعاً إنت عارف عنى كل شئ ، فهل بتقبل بى بعد دا كلو
- ياغادة دى حاجات ماعندك فيها ذنب ، اهم شئ إنك اصيلة ومن عائلة كويسة
- وكيف حا يكون وضعى لقدام
- حاتكونى زوجتى على سنة الله ورسوله
- كويس، وزجتك حا يكون رد فعلها شنو
- خليك من زوجتى ، خلينا فى نفسنا نحن ، انا وانتى نتزوج من غير علمها وفى الوقت المناسب نقدر نعلن زواجنا ، وانتى عارفة وضعى ما بسمح لى اتزوجك فى العلن ، المهم انتى امشى فكرى فى كلامى دا على راحتك وادينى رأيك النهائى بكرة
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع


(9)


قررت غادة بعد تفكير عميق انها محتاجة لإنسان مثل خالد يحميها ويغطى عليها وما شجعها اكثر ان خالد يعرف عنها كل شئ وراضى بها كما هى ، فأين ستجد شخص يقبل بها هكذا وتظن ان زوجته ما محتاجة لخالد اكثر منها فهى تحس انها محتاجة له بشدة اكثر من اى انسان آخر ، اما زوجته فهى لم تعانى كما عانت ولم تعش يوماً واحداً من ايام عذابها ، لهذا قررت ان تقبل بالزواج من خالد حتى لو سراً ما يهمها هو ان تجد من تستند عليه . فإتصلت بـ نوال واخبرتها بانها ستتزوج ولا تدرى إن كان زوجها يقبل ان يعيش اخويها معهم ام لا فعرضت على نوال ان تأخذهم للعيش معها على ان ترسل لهم إيراد الكشك كل شهر ، فوافقت نوال ووجدت ان العرض مغرى حينما حددت لها المبلغ ورأت ان هذا المبلغ سيساعدها هى وزوجها الذى تحمس للأمر ، فى الحقيقة ان غادة اشترت قبل فترة ذلك الكشك من صاحبه خاصة بعد ان عرضت عليه مبلغ اعلى من سعره وكما ان له الكثير منها وواحد لن يفرق معه ، سجلت الكشك بإسم ابنى صفية حتى تؤمن لهما مستقبلهما ولم تعلم نوال بذلك حتى لاتبيعه وتستولى عليه فالشيطان قد يلعب بها ، وكانت علوية هى الوسيط بين المستأجرة وغادة .
تم الزواج وانتقلت غادة الى عش الزوجية الجديد وهى إبنة الثامنة عشرة عاماً فقد اسكنها فى احدى بيوته باحدى الاحياء القريبة من مقر شركته حتى يستطيع ان يقضى معها فترات الغداء والعصريات واحياناً يقضى معها بعض الامسيات اما المبيت فكان للزوجة الاولى ، فاحست بالوحدة الحقيقية رغم استقرارها فقد كان ابنى صفية فى ذلك الحى باطراف المدينة يملأون حياتها كأبنائها ولم تشعر معهما بالوحدة كما تشعر بها الآن ، فشرحت لخالد ما تعانيه وكان فى كل مرة يقول لها اصبرى حتى يأتى الوقت المناسب وأنه سيعدل بينها وبين زوجته تلك فى المبيت وعندها يستطيع ان يسكنها بالقرب من بيت زوجته الثانية ولن تشعر بوحشة بتاتاً ، وهى لاتملك سوى ان ترضى بالامر الواقع منتظرة تلك اللحظة التى وعدها بها خالد وهى لحظات إعلان الزواج لأسرته. غادة لم تقصر مع ابنى صفية فهى ترسل لهم من عندها المبلغ المتفق عليه دون ان ترجع لنوال وهى تعلم ان نوال تاخذ الإيجار لنفسها وتتعلل بان مؤجرة الكشك إمراة مسكينة وظروفها صعبة للغاية ولا تستطيع ان تفئ بالإيجار كل شهر وتقول لها من الافضل نطردها مستغلة تعاطف غادة مع امثال هذه الشرائح فتقول لها : خلاص جيبى البتقدر تدفعو وما تعصرى عليها وانتى قلتى لى مرة ارملة وقدر حالها .
تمضى الايام بغادة بحلوها ومرها وهى تنعم برعاية خالد الذى لم يقصر معها كما انها لم تترك عملها فقد وجدت نفسها فيه ولم يشأ خالد ان يمنعها فهى انسانة وحيدة وصغيرة فى السن ولن تستطيع ان تجلس بالبيت كل اليوم ليل ونهار فافضل لها ان تعمل ، واستمر الحال حتى جاء ذلك اليوم الذى فأجأتهم فيه زوجته ام اولاده فى بيت غادة فقد علمت من مصادرها من احد العاملين معه وهو قريب زوجته الذى وجد فى ذلك فرصة للتقرب منها ظناً بان ذلك سيحقق لها مكاسب مادية فى المستقبل ففى باله انها لوتطلقت منه سترغمه بان يسجل بعض املاكه باسم اولاده خوفاً من يبدد ماله فى زوجاته هذه ، حينها سيكون المدير لأعمالها ، دخلت عليهم وهى ترغى وتزبد وتشتم خالد وتسب غادة
خاصة بعد ان علمت بتاريخها كله
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

(10)
زوجة خالد وام عياله تلتفت إليه وهى تقول :
- والله ياهو ، انت لمن تعرس فينى كان تعرس ليك واحدة عندها اهل مش واحدة مطلوقة تخمها من الشارع ما عندها اهل ومامعروف من وين .
- انفجرت غادة صارخة : انا اشرف منك ومن عائلتك وحافظة شرفى وراجلك عارف الكلام دا كويس .
هنا اشتبكتا ولم يفض نزاعمها إلا الجيران الذين تجمهروا مع الضجة فسحب خالد زوجته وخرج بها للبيت
علم كل الجيران حولها ان غادة وحيدة فعرض عليها احد جيرانها شهم ان تقفل البيت وتسكن معهم لحين ان تحل مشكلتها مع زوجها فاصرت ان تقيم فى البيت حتى لا تفقده فأصر ان تبيت ابنته الكبرى معها خوفاً عليها وانه سوف يحرسهما من بيته وهو لا يعلم انها تبيت كل يوم لوحدها ، ولكن ما عساها ان تقول فقد تغير حال الناس واصبح الجار لا يعلم من جاره شئ ولكنها وافقت حتى تشعرهم بانها بنت ناس وانها اصيلة فوافقت على ذلك وكان فاتحة لعلاقة ود بينها وبين اسرة هذا الرجل .
بعد يومين إتصل عليها خالد واعلمها بالامر الواقع وانه مجبر على طلاقها وغصب عنه وإلا سينهار بيته الاول ويخسر الكثير فزوجته مصممة على طلاقها منه واعطته شرط بقائها هى معه او غادة وكانت غادة هى الحبل الميت ، ادركت غادة ان خالد ضحى بها فى سبيل الحفاظ على ام عياله ولم يهمه إن ضاعت هى ام لا ولا يهمه ان يحافظ عليها كما وعدها ، وان كل كلامه وحديثه الذى قاله ذاب ككرة ثلج تعرضت لاول حر ، وهنا احست انها ستعود الى سكة الضياع من جديد وانها هذه المرة ستكون مشردة بحق وحقيقة ، وان الدنيا لن ترحمها إن لم تتصرف سريعاً فعزمت امرها وتوجهت ثانى يوم الى شركة خالد ودخلت عليه ، وعندما رأها إرتبك وإرتجفت اوصاله واضطربت حركته وفقد سكينته وفتح فمه فى دهشة فادركت انها فأجاته وهذا ما تريده فقالت له : خالد انا جاية هنا عشان اقول ليك ، انا حامل منك رأيك شنو
- دا كلام شنو ؟؟؟
- دا الحصل
- انا ما قلت ليك اعملى حسابك وأجلى الشئ دا لحدى ما يكون زواجنا معلن للجميع
- الحصل حصل هسى ، رأيك شنو
- تنزليهو
- لييه ؟ ، عار هو ؟، ماولد شرعى منك
- عارف ، بس احسن تنزليهو عشان ما يعيش مجهجه وانا كمان ما بقدر اديهو إسمى ، بصراحة وضعى ما بسمح
- لمن إتزوجتنى كان وضعك بسمح
- اعتبريها نزوة
- زواجنا نزوة ؟؟؟؟ دا ما كلامك قبل كدا
- انا كنت مبهور بيك ، وفى لحظة مشاكل مع زوجتى عملت كدا
- شوف ياخالد ، انا الولد ما بنزلو ، وما فى زول بجيب خبرو من اهلك ، وحتى إسمك ممكن اغيرو بس بشرط تأمن ليهو مستقبلو وتكتب ليهو شئ من املاكك
- هو لسة ماجا الدنيا ،كيف اكتب ليهو
- خلاص اكتبى لى انا ،واوعدك تانى ما بتشوفنى
- خلاص ، شوفى بغض النظر عن اى شئ انا اصلاً ناوى اديك تعويض يأمن ليك مستقبلك ممكن ازيدو ليك عشان الفى بطنك وربنا يوسع عليك
- كم المبلغ
- مبلغ ما هين ياغادة ، ممكن تبدئ بيهو مشروع
- خلاص انا موافقة ، بس عندى شرط تانى
- شنو ؟
- تكتب لى البيت الساكنة فيهو بإسمى
- يضحك بإرتياح : هو اصلاً بإسمك انا إشتريتو وكتبتو بإسمك من يوم اتزوجتك ، شفتى انا ما قصرت معاك
- بس دا كلو ما بعوض الإلم السببتو لى
- الله يوفقك ، امشى اصرفى القروش دى ونزليها فى حسابك ،مع السلامة وما اشوفك تانى فى حياتى
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

( 11 )

بعد ما استلمت غادة المبلغ اتصلت على خالد واعلمته انها ليست بحامل وانها اخترعت هذه الحيلة حتى تأخذ منه ما تريد ثمناً للطلاق المفاجئ وتأميناً لنفسها ، فلم يقل شيئاً ولزم الصمت ، لأنه يريد ان يتخلص من هذا الزواج باى ثمن كان وقد كان
على الفور قامت غادة بتأسيس مكتب ترحيلات وكانت اول إمراة فى تلك المدينة تقوم بفتح مكتب ترحيلات بعد ان اشترت لها شاحنتان وبدأت اعمالها التجارية ( البزنس ) مستقلة معارفها وعلاقاتها عندما كانت فى شركة خالد، وكذلك مسخرة انوثتها دون ان تدفع منها شئ لأى راغب متعة ، وذاعت شهرتها راج عملها ، وذلك لغرابة عملها عند الناس كونها إمراة ، فهو مجال لم تمارسه نساء من قبل فكانت لافتة للنظر مما منحها فرصة كبيرة لنمو عملها وتوسعت فى غضون سنوات قليلة لا تتعدى الثلاثة سنوات حيث اصبحت فى العشرين من عمرها ولازالت صغيرة ، فخافت على نفسها وهى وحيدة فتزوجت من تاجر تعرفت عليه من خلال المعاملات التجارية بينهم وذلك خوفاً على نفسها من الفتنة وكذلك من اجل الغطاء الاجتماعى ،ولكنها تطلقت منه بعد ان احست بطمعه فى ما تملك وعرفت بخبرتها انه يريد ان يسلك اموره من خلال شركتها ويحتاج الى دعم مالى يحافظ به على توازنه فى السوق ، فكانت اسرع منه وتغدت به قبل ان يتعشى بها فاخذت منه ما إستطاعت من حقوقها ، ثم تزوجت ثانى و لم يطل كذلك فكان زوجها هذه المرة نصاب لا يملك شئ رغم مظهره الانيق وسيارته الفخمة ، فكان كل مايقوم به هو سمسرة وعمولات يأخذها من هنا وهناك فآثرت ان تطلقه حتى لا يقضى على ثروتها ويشوه سمعتها فى السوق ، فقد اصبحت ثرية ، فتزوجت ثالث يعمل معها فى مكتبها وذلك حتى تحمى نفسها ايضاً وان لا تعيش لوحدها وكان هذا الانسب لها حيث انه يريد ان يعيش وليس له مطمع فى غنى او طموح فى ان يصبح من علية القوم ، كل مايريده ان يعيش مستور بدون مشاكل ومن النوع الذى ادمن العمل بالمرتب ولا يقدر على ان يغامر بعمل خاص له فهو لايملك الشجاعة والقوة الكافية حتى ينشئ عمله فكان اختيار غادة له اختيار على اسس كونه سيظل تحت امرها وتحت خدماتها وخدمة عملها وهو لم يصدق نفسه انه استطاع ان يتزوج ومن أمراة قادرة وثرية مثل غادة فقد تخطى الاربعين عاماً ولم يستطع ان يكون نفسه ويعدها للزواج فمرتبه بالكاد يكفى إعالة اسرته فكانت غادة هى الكنز الذى انفتح عليه فكان زواج مستقر ومريح لغادة ويتلاءم مع وضعها ، واستطاعت خلال الخمسة سنوات هذه التى تزوجت فيها ثلاثة رجال ان تملك اسطول من الشاحنات والعديد من الاملاك فقد تقاربت مع خالد واصبحت منافس خطير له ، مما ولد لديها طموح كبير جعل جل همها توسيع عملها مع حمايته له ولن تستطيع ذلك إلا إمتلكت سلطة تبعد عنها المتسلطين والمتنفذين من تدميرها فاخذت تتقرب الى وزراء وكبار المسئولين فى تلك الولاية عن طريق تقديم التبرعات والهبات حتى تظهر بانها سيدة اعمال تدعم الوطن فصارت ترعى بعض برامج الحكومة هناك فحصلت على حماية بطريقة غير مباشرة فليس هناك من يستطيع ان يمس اعمالها بسبب علاقاتها من القيادات فى تلك الولاية ، وحصلت كذلك على مزايا وامتيازات من عطاءات ترحيل ونقل رفعتها لفوق واصبحت مشهورة ومعروفة وصارت سيدة اعمال لها وزنها وثقلها ودخلت نادى رجال وسيدات الاعمال فى سنوات قليلة وهى تخطو نحو السابعة والعشرون من عمرها .
فى يوم من الايام وهى تتصفح احدى الصحف قرأت خبر ملحق به صورة لفت نظرها وهو لشاب متوفى وكان الخبر فحواه : موت العشرات من ابناء الشوارع نتيجة تسممهم بمحلول كيميائى استخدموه كمسكر ، فدققت فى الصورة فكانت نفس ملامح اخوها عامر بعدما إسترجعت صورته المختومة فى ذاكرتها ، فأحست ان شكله رغم السنين الطويلة التى لم تره فيها لم يتغير كثيراً وانها تشك بقوةانه هو ولكنها لم تتيقن ، فاصابتها نوبة من البكاء الحار وقررت ان تتوجه الى حيث تحفظ الجثة وتتاكد بنفسها أكثر فتوجهت الى الخرطوم والحزن ملأ كل قلبها وبعد التحرى والتحقيق وجد انه اخوه فقد كان يعلم اسمه كاملاً ويعرفه كذلك زملائه الذين نجوا او الاحياء منهم بانه عامر اخوها ، وذلك بتطابق الاسماء وتقارب الملامح بينهم تبين انه اخوها ، وانه كان طيلة السنوات الماضية متشرداً ولم يسعفه الحظ كما اسعفها وانقذها من التشرد فهى كانت محظوظة ابتسمت الدنيا لها فى حين كشرت عن انيابها لاخيها عامر ، هنا قررت فى نفسها وعزمت على ان تنتقم له ولنفسها من كل من آذاهم وآذاها وأنها لن تغفر بعد اليوم فقد قالت لنفسها : لقد بلغ الحد الزبى ، فكانت البداية ان ذهبت الى بيت ابيها .
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

(12)
وصلت غادة الى بيتهم الذى فارقته اكثر من سبعة عشر عاماً قضتها تحت رحمة القدر وفعلت الدنيا ما فعلت بها دون ان تجد اب يحنو عليها فى ظل حياة اسرية مستقرة مع اخوها الذى دخل الدنيا وخرج منها كأنما لم يكن فيها وربما كان الموت رحمة له من العيش على صناديق القمامة والمجارى دون ان يكترث لهم احد ، لا احد يعطف عليهم وإن كان البعض يدعى الرأفة عليهم دون ان يفعل شئ سوى الكلام والكلام . هى عاشت حياتها ولم تستمع بمال ابيها وحالته الجيدة ولم تستطيع ان تستمع بحياتها فى كنفه وحمايته ورعايته .
امرت سائقها ان يوقف سيارتها امام البيت وان ينتظرها حتى تعود إليه وما ان نزلت من السيارة حتى خرج منه رجل يجرجر ارجله وعلى وجهه كآبة وحزن عميق وهو لا قوة له برغم انه لم يصل الى مرحلة الشيخوخة المقعدة فهو فى عقده السادس والذين فى سنه لازالوا اقوياء اشداء ، كانت ملامحه واضحة لغادة رغم بعض التجاعيد التى اعترت وجهه ، فتقدمت نحوه فى لهفة جنونية ودموعها لاتتوقف فقد سالت كالانهار فشوقها قد تضاعف فى تلك اللحظة وبلغ ذروته ، فاندفعت إليه راكضة دون ان تحس بنفسها وإرتمت فى احضانه وهو مذهول وقالت : ابوى ... ابوى وسدت العبرة حنجرتها ولم تستطيع ان تكمل فارتجف ابوها بين يديها وارتعش رعشة المغرور وفغر فاه وحدق بعيون مفتوحة لاترمش فى غادة وصاح بصوت كالصهيل ولكنه واهن : منو ... غادة ، ولم يتحمل تلك اللحظة فوقع مغشياً عليه فالمفأجاة اقوى من ان يتحملها قلبه المعبأ حزن والم وحنين لها ، مددته على مقعد السيارة الخلفى تحت مكيفها وظلت تقبل جبينه وتمسح وجهه بيدها وهى ترش عليه بالماء ونظرها عليه لم يتحول ودموعها مسكوبة تبلل ثوبها وكلما مسحتها زادت اكثر واكثر حتى احمرت عيناها وورمت من البكاء ، بدأ يفيق الاب رويدا رويدا وهو يهزوء : غادة بتى عايشة ، حباب الغالية بنت الغالية ، انا وين ، انا صاحى ولا نائم ، كلمات يتمتم بها فى اللاوعى ، فتح عينيه فرأى غادة بعد ان البسته نظارته وهو يقول : غادة الحمد لله الشفتك قبل اموت ، احمدك يالله إستجبت دعائى ، ويحضنها بقوة وهو يبكى معاها حتى ابكيا السائق فقد كان الموقف اقوى من ان يتحمله بشر من لحم ودم ، كان لقاء الاب بالابنة حار ، لقاء بعد فراق طويل ، فقد فارقته طفلة وعادته له إمراة مخضبة الانامل بالحناء ، توكأ عليها ليعود بها الى الدار وما إن دخلت وعتبت اول خطوة داخله ،حتى قفزت صورة امها وعادت احداث الماضى الى ذاكرتها بكل احزانها وآلأمها , عند الحوش قابلتهم زوجة ابيها تركض إليهم قائلة : سجمى الراجل مالو وقع ، كتر خيرك يابتى ، الراجل دا غلبنا النسوى معاهو قلنا ليهو اقعد صلى قبلك هنا فى البيت بس مابسمع الكلام ، بقى لينا علة ومرضنا . من هذه الكلمات ايقنت غادة ان زوجة ابيها لم تتغير هى هى بطبعها الحاد ولؤمها فهى لاترحم حتى ما تبقى من ابيها بعد ان داهمته الامراض والعلل ، وقالت فى نفسها : دورك جاى وحاتشربى كأس المر زينا ، فأراد ان يتفوه ابوها فوضعت يدها على فمه لتقول له اتركها ولا ترد عليها ولا تخبرها من انا ، اجلسته داخل احدى البرندات وهى لازالت تبحلق فيه وتمعن النظر إليه وتحضنه إليه وهى تبكى ، مما اصاب زوجة ابيها وابنتيها بالإستغراب ، الاندهاش ، والحيرة ، فقالت امهم : بسم الله الرحمن الرحيم ، دا شنو البتسوى مع ابونا دا ، يا بت الناس انتى مانصيحة ، وتلتفت لراجلها وتقول ليهو : ياراجل الليلة مالك ، دا شنو البتسوى بعد كبرك دا ؟ ، فألتفتت اليها غادة قائلة : إنتى لسة ماعرفتينى
- اعرفك من وين
- انا غادة
- غادة منو
- ليك حق تنسينى ، انا بت الراجل دا
تفتح فمها وتقوم على حيلها وتعاين فيها وتقرب منها وتعاين فى وشها فهى لم تصدق ان تعود غادة وهى بكل هذه الراحة الدعة فمظهرها من الثوب واساوير الذهب يدل على ذلك :
- غادة ، انتى عايشة
- اى ، الله ما بنسى عبادو
تسلم عليها هى وبناتها وغادة تقابلهن بفتور ، وهن فى حالة من عدم التوازن وتقول لغادة :
-سويتيها شينة ، تشردى تخلى ابوكى المسكين لمن جاهو المرض بسببكم ، وبقى سارح بيكم حتى شغلو بقى ليهو قاسى .
- مافى داعى نجيب الماضى هسى ، انا هسى فى ابوى التعبان دا
- ابوك شديد ولضيض وعوجة ما عندو
تتكلم واحدة من البنات :
- لكن ماشاء الله ياغادة كمان عرستى ، كنتى وين الزمن دا كلو وعايشة كيف
- بهمك كتير كيف كنت عايشة
- كيف ما يهمنى ، انتى ماعارفة نحن ما خلينا محل ما فتشنا عليك وبسببك ابوى طلق امى ويالله رجعوها ليهو ، أسالى ابوك ياهو قدامك كان انا كضابة
- بمجاملة : كتر خيرك ، انا الحمد لله ربى اكرمنى وسهل لى طريقى وسترنى ، ثم تسكت وتقول وهى بتبكى :
- بس عامر ؟
ينط ابوها :
- عامر مالو ؟ كان معاك ؟ إنتى شفتيهو ؟، انتى لاقتيهو ؟
تسكت متحرجة ومتخوفة مما تقوله فقد ينزل على ابوها كالصاعقة فبدأت تمهد قائلة :
- ياريت لو كان معاى ، كان قدرت اعوضو ، وكان خليت امى ترتاح فى قبرها ، يا ابوى الدنيا زائلة وفانية ، والبركة فى ملاقتنا دى
- عامر مالو يابتى
- ابوى ، انت طول عمرك متصبر وصابر على فراق عامر وهسى دايراك تفوض امرك لله زى ما فوضتو قبل كدا ، وتترحم على عامر
- عامر .....
- الله يرحمو ويغفر ليهو ، ويديهو الجنة ويعوضوا عن حياتو الصعبة العاشاها بالجنة
- صوته يرتفع بالبكاء ويصرخ وهو يقول : استغفر الله ، لا إله إلا الله ، لاحول ولاقوة إلا بالله ، ياربى تغفرى لى ، انا السبب ، انا ضيعت اولادى ، الله يرحمك ياولدى
- انفجر الجميع باكياً بما فيهم زوجة ابوها واخواته ربما الإحساس بالذنب هو الذى اطلق حناجرهم بالبكاء والعويل على عامر اما غادة فقد وضعت والدها فى حضنها وهى تواسى فيه وتخفف عنه حتى لا يحدث له مكروه ، وبدأ يستجمع قواه وهو وسط الناس الذين بلغهم الخبر ، غادة اخبرته انها لم تشأ تخرج جسمان اخيها حتى يراه و ينظر إليه اول وآخر نظرة فاخذته ومن معه الى حيث جسمانه فألقى نظرة عليه وانكب عليه يقبل جبينه يبكيه بحرقة وهو لا يفتر من الاستفعار كانما يلوم نفسه لانه اتى متأخراً جداً، تمنى فى تلك اللحظة ان يكون حى حتى يعوضه عن حياة الحرمان التى عاشها وحياة التشرد القاسية التى كان يحياها .
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع


(13)
بعد مراسم الدفن ، ثم ايام العزاء ، جلست غادة الى والدها وحكت له قصة حياتها كلها منذ ان هربت ، وزوجته واختيها من ابيها يستمعوا لها بإنتباه وإصغاء دقيق وإن بدأ الذهول الشديد على وجوههن كأنهن امام فيلم سينمائى وليس قصة حقيقة بطلتها كانت يوماً تحت رحمتهم وهى طفلة غضة الاصابع فلم يرحموها ولم يراعوا يتمها وإحتياجها لصدر يمنحها الدفء والحنان ويهبها عزاً يبعث الثقة فى نفسها .طلبت غادة من ابيها ان ينتقل الى العيش معها حتى ترعاه فى كبره ومرضه وكذلك تعوض سنوات الحرمان الطويلة منه وايضاً تريد رد إعتبارها امام المجتمع الذى يظن انها واحدة لا اهل لها ، فتعذر بزوجته واختيها فقالت له : الخير كتير يا ابوى ، انا ربى فتح على من اوسع ابوابو ، كلكم تعالوا عيشوا معاى ، صمت يفكر ويقلب الامر فى رأسه وفى هذه اللحظة لم تصدق زوجة الاب الخبر التى سمعته للتو فمل تمهله فرصة ليفكر بل لم تخفى فرحتها بهذه الدعوة النادرة ، وقد غاب عنها ما فعلته من قبل فيها وقالت : نحن ياغادة يابتى ماعندنا اى مانع ، ابوك محتاج ليك صحى صحى . حديثها هذا جاء لانها طمعت فى ان تعيش فى العز مرة اخرى بعد ان تحولت حياتهم الى ضنك وشظف العيش وبالكاد يؤمنون مصاريف البيت حين صار ابوها لا يقوى على العمل واصبح متجره شبه خاوى وقل مكسبه وربحه منه فقالت فى نفسها : هسى بتقولى لى يا( بتى ) وين كانت الكلمة دى زمان ، وكمان من دون اختشاء ولا خجل طمعانة فى رزق ربنا الادانى ليهو ودايرة تعيشى اخر منجهة واخر أبهة ، شوف بالله المرة دى !!؟؟ سممت حياتى وشردت اخوى وخلتنا نطش ويمرض ابوى وبعد دا كلوا بعين قوية دايرانى اعيشها ملكة مع ابوى فى بيتى، اصبرى بأدبك .
زوجة ابوها استماتت حتى اقنعت ابوها يرحل معاها ويعيش تحت كنفها ، وتم لغادة ما ارادت بان يكون ابوها معها واما زوجته فسترى الكثير منها عندما تنتقل معها .
إنتقل الجميع الى دار غادة الكبير وهناك وجد والدها الانس بها فقد كان يذهب معها كل يوم الى مقر عملها مرتدياً افخم الجلالايب والعمم والاحذية فتغيرت حاله وعادت لوجهه النضارة ومن يراه يظن انه صاحب العمل وليس شركة إبنته ، هو لا يقوم بعمل ، فكل ما يقوم به ان يتناول القهوة والشاى ويتجاذب الاحاديث مع بعض الزائرين والعملاء الذين تعرف إليهم عندما يكونوا فى انتظار اوراق او مقابلة مع غادة ، فهو يجلس مع نسيبه وزج ابنته فى مكتبه ، وعندما يؤذن للصلاة يتوضأ ويذهب للمسجد القريب ثم يعود مرة اخرى ويظل حتى النهار ليعود معها للبيت مسروراً مرتاح البال فقد وجد فى هذا الجو سلوى له وهو يقول نفسه : بدل
من اعوض بنتى الشئ الفاتها هى هى البتعوضنى ، دنيا .
تغيرت غادة بعد وفاة عامر ورجعت اكثر شراسة والانتقام يسيطر عليها وتبدلت افكارها ونظرتها للحياة فصارت صارمة وحازمة لكل من يمسها فقد عاهدت نفسها ان تترك الطيبة الزائدة تلك وان لا تجامل ابداً وعليها ان تصفى حساباتها القديمة كلها فبدأت اولاً بصديقتها القديمة سعاد ( جارتها فى الكشك ) حيث باغتتها فى كشكها واخذتها من يدها الى المرأة مؤجرة الكشك وواجهتها بها فأنكشفت كذبتها وهنا قالت سعاد :
- ياغادة انتى بقيتى زولة غنيانة وما محتاجة لحبة القريشات دى وانا اختك حالتى زى الزفت
- اختى ما بتستهبلنى وتغشنى ، انتى زولة كذابة
- تبرر : انا كان قايلاك محتاجة لقريشات الايجار دى ما كان شلتهن
- هسى تقعدى معاى وتحاسبينى بالقرش
- سعاد احست انها تورطت وقالت احسن اواجهها عشان ما اتورط زيادة فقالت : ياغادة الكشك هو زاتو ماحقك ، حق عيال صفية
- هوووووووووى ياسعاد ، اللف والدوران ما بنفع معاى ، انتى عارفة انا اشتريت الكشك لاولاد صفية ، وعارفة انا برسل ليهم من عندى واكتر من حق إيجار الكشك دا فأنا المسئولة عنو ، وكنت مطنش منك دايراك تحس براك وتجينى ، وكت ما جيتى قلت اجيك انا .
- الكشك انا وريت نوال بيهو وقلت ليها حق اخوانك وهى المسئولة عنهم لحدى ما يكبروا ،
- والله ياهو ، انشاء الله كلمتيها انك بتلهفى الايجار برضو
- كيفن اقول ليها الكلام دا
- شوفى يا سعاد انتى ما بتقدرى على ،اخير لك ما تقيفى قصادى ، وانا زولة عارفة امورك كلها ، احسن تفتحى عيونك وترجعى القروش الشلتيها كلها
- الجرسة ظهرت على سعاد وهى تقول لنفسها : قادر الله دى غادة البت المسكينة والكديسة المغمضة ، فتقترب منها وتقول ليها :
- اجيب ليك من وين ، سامحينى ياغادة ، انا ما عندى التكتح ، وعاينى لحالتى عليك الله
- هسى بتتمسكنى كدا وزمان كان بيعتينى لخالد وقبضتى التمن ، انتى القروش دى بتوديها وين .
-قروش الحرام مافيها بركة لكن عليك الله مابقيت ليك سبب ، من اليوم داك روقتى
- هيئ ، إنتى قايلانى زيك ، خالد كان راجلى بالحلال والقروش دى بشطارتى
- الله وكت اداك قدر دا بتكوس فيها عندنا نحن المساكين ديل ، واعفى قروش الكشك دى
- والله ياسعاد لو كان ظهرت فيك كنت بخليها ليك ، ياهو الحال نفس الحال ، ترمى فى بنات الناس وشغالة بالنهار فى الكشك وبالليل استغفر الله ، وبعد دا كلو ما قادرة تعيشى زى باقى الناس
- قسمتى فى الدنيا كدا ، مكتوب لى اعيش مبشتنة كدا
- انعدلى بتنعدل معاك
- كويس يا اختى ، خلاص بتوب
- انتى ما بليت غليك زولة توبة ، الله يهديك مما ابتلاك بيهو
- خلاص حا تسامحينى وتخلينى
- خلاص انا بقسط ليك القروش العليك وكل شهر برسل ليك محاسب يخلص منك القروش دى ، قصرت معاك
- يازولة ، انا قلت ليك حالتى صعبة ، الإيجار حق كشكى بدفعو يالله
- انا ماعندى شغلة بيك ، تدفعى العليك يعنى تدفع العليك فاهمة
- خلاص ، خلى الاقساط تكون شوية شوية ومريحة لى عشان اقدر ادفعها ليك
- موافقة ، القروش العندك دى انا حا ارسلها لاولاد صفية ودى قروش ايتام ما تزوغى تانى . وتقول للمرأة المأجرة الكشك انها تجيب الايجار ليها كل شهر
غادة سوت كدا حتى ترضى نفسها وتنتقم من سعاد وهى تدرك ان هذه الطريقة ستذل سعاد وسوف تأتيها ذليلة تطلب السماح لانها لا تستطيع ان تسدد كل تلك المبالغ لسبع سنوات مضت ، فقط تريد ان تجعلها تحس بالفرق الكبير بينهما وانها أخطأت عندما حاولت ان تتاجر بها ولولا لطف الله لكانت اليوم غادة اكبر مومس فى تلك المدينة . قالت لنفسها : الان تبقى لى خالد و سوف اجد طريقة ما لأنال منه .​
 
رد: رواية : حياة بعد ضياع

(14 ) والأخيرة :

احكمت غادة خطتها للنيل من خالد وجبنه وتضحيته بها وانه هدفها القادم بعد تلك المرأة ، وسادتها روح الانتقام التى اعمتها من ان ترى بصيص النور الذى منحها إياه وجعلها تخرج الى عالم المال والإقتصاد بعد ان كانت ضائعة وتائهة بلا أسم ولا حجم ولا اهل ، وبدأت حربها فى السوق فمجالها نفس مجاله وبدأت تفسد له اى صفقة يريد القيام بها باخذها منه بعد ان صنعت لنفسها جواسيس يأتونها باى صفقة او مشروع تجارى يريد خالد القيام به فتاخذه هى ولو بنصف قيمته فهدفها هو ان تنهار شركة خالد واعماله ويكون حينها تحت رحمتها فتذله وتهينه ، ولكن ما أثار دهشته أن خالد لم يبدئ مقاومة او لم يحرك ساكناً ولم يعير ما تقوم به إهتماماً فظنت ان خالد يتظاهر بالتماسك فقررت ان تجس نبضه بنفسها وتذهب إليه وترى حاله كيف صار ، ذهبت إليه ودخلت عليه فوجدت امامها رجل مهزوز ومنكسر لا يقوى على شئ ، رجل يثير الشفقة حينها طارت فرحاً لهذا المآل وان خطتها نجحت وعليها ان تبدأ المرحلة التالية فوراً وهى ان تعرض خدماتها عليه وتبدأ أنتقامها الحقيقى ، فألتفت إليه قائلة :
- خالد ، مالك مهموم كدا ، إنت ما خالد البعرفو
نظر إليها نظرة غير آبهة لشئ ولا يهمه شئ فاحتارت ولكنها واصلت حديثها
- ياخالد انا فى خدمتك لو عندك اى مشكلة بإمكانى احلها لك ، إنت اطلب بس
لم يتفوه بكلمة ولم يهتم لها مما اغاظها وقالت له :
- يا اخى لو ظروفك صعبة انا ما عندى مانع اسلفك وشركتى تحت امرك ولو عندك مشاكل مع الحكومة ممكن اتوسط لك .
هنا قال لها :
- كلو .... كلو ما نافع .
استغربت :
- مالك يا خالد قنعان من الدنيا كدا وما هاميك حاجة فيها ، حتى وانت فى وضع مالى سئ واوضاعك فى انهيار ، يا اخى انت غريب .
لم يرد عليها بكلمة فقط اخرج ورقة من درجه ورمى بها إليها والدموع تسيل من مقلتيه وفى مرارة ، إلتقطت سعاد الورقة لتفتح فمها مصعوقة من هول ما قرأت ، إنها شهادة طبية تقول بأنه مصاب بالإيدز ، فقال لها :
-شفتى الحصل لى ، كل مالى دا ما بنفعنى مع المرض دا ، وانا راضى بعقاب ربنا لى فى الدنيا واسأل الله يكفر لى بيهو عن ذنوبى فى الآخرة ، انا ما زعلان لنفسى بقدر مازعلان لزوجتى المسكينة التى انتقل ليها المرض منى والى آخر مولود من اولادى ، ولولا خوفى من الله كنت إنتحرت ، انا كل ما ادخل البيت واشوف صمت زوجتى ودموعها المنهمرة وحزنها العميق بتقطع ألم وبحس بسكاكين بتقطع قلبى ، ما بقدر حتى اعاين فى عيونها وما بقدر ارفع عينى فى نسابتى ، حياتى بقيت حجيم فى حجيم ، عشان كدا لو فقدت ثروتى كلها ما هامنى ، ياريت لو يبدلونى العافية من المرض دا انا وزوجتى بكل ما املك . بكت غادة واحست نفسها انها كانت تضرب فى انسان ميت وإن كان حى ، و الضرب على الميت حرام فتركته وانصرفت تاركةً إياه يقاسى آلامه وقالت لنفسها : ما احقرنى ان انتقم من خالد وهو فى هذه الحالة الصعبة فقد نال جزءاه .
تأثرت غادة ليومين ولامت نفسها على ما سادها من روح التشفى والإنتقام ولكن لم يدم هذ التاثير كثيراً وتلاشى بمجرد أن تذكرت ما فعلته زوجة ابيها بها فركبها شيطان الإنتقام مرة اخرى وبشراسة ونوت ان تكمل مشوارها وتنتقم من زوجة ابيها وكانت البداية بإقناع ابيها ببيع بيته الوحيد ومحله التجارى البائس واقنعته بانه لا يحتاج له وذلك لتقطع الطريق امام زوجة ابيها من الرجوع إليه وان لا تجد شئ تستند إليه سواها هى وبيتها ، وبعدما تم لها ما ارادت بدأت فى السيطرة على زوجة ابيها وبناتها الإثنين من دون ان يدرين وظل الحال حتى جاء اليوم الذى بدأت فيه غادة تتعامل معهم كخدام عندما سحبت الخدامة من البيت مدعية ان ظروفها المادية اصبحت سيئة وعليهن ان يشتغلن بالبيت فى خدمة انفسهن وابيها ورويداً رويداً بدأت تتسلط عليهن وهن صامتات فليس لهن مكان يتوجهن إليه سوى ان ينفذن تعليماتها ، ولم تكتف غادة بذلك فقط طلبت من زوجة ابيها ان تخرج بنتها الكبرى من المدرسة رغم تفوقها لتعمل معها وتساعدها على ان تواصل دراستها بالفترة المسائية فهى تريد ان تجعلها خليفة لها وتعلمها الشغل ، فرحت زوجة ابيها بذلك فقد طمعت فى ان تؤؤل الشركة كلها لبنتها او تكون إبنتها شريكة لاحقاً فوافقت الام رغم إعتراض ابوها الشديد فهو يرى من الافضل ان تواصل البنت دراستها خاصة انها غير راضية ولا متحمسة للعمل ولكن ماعساها ان تفعل سوى ان توافق مكرهة وهى فى غاية الحسرة وهنا بدأت سعاد بعد فترة من العمل إذلالها فهى تنعتها بالغبية وانها لا تفهم شئ وتعمدت ان تربكها وتصغرها إلى ان قالت لها يوماً : انتى ما بتنفعى غير مراسلة ، من بكرة تشتغلى مراسلة تجيبى لى الجرائد والاوراق وبس ، لم تتحمل البنت الصدمة فاسرعت ترتمى فى حضن امها وهى تبكى ، هنا فقط فهمت الأم مخطط سعاد وانها تريد ان تذلها وتذل بناتها فقررت ان تسحب إبنتيها وتهرب من البيت بعد ان اتصلت على زوجها والد غادة وقالت له فى حسرة : انا ماشة وسايبة البيت لغادة بنتك .
لم يحتمل الرجل العجوز ما سمع فوقع منهار ولم يجد نفسه إلا بين جدران المستشفى وبعد صعوبة استطاع الاطباء ان ينتشلوه من الموت ، نظر الى أبنته غادة وهو ممتلئ العينين بالدموع ، إنت ما بتشبهى امك الله يرحمها ، انتى ما عندك رحمة يابنتى ، ما متخيل إنك شايلة كل العفن دا فى قلبك ، وما تخيلت انك تخدعينى وتجيبنى معاك ، بس عشان تذلى زوجتى وبناتى ، إنتى مش بتى البعرفها وما بتشرف تكونى بتى ، اطلعى برة خلينى براى ، إرتمت غادة فى حضنه تبكى بشدة وتقول ليهو : يا ابوى عليك الله تعفى لى ، انت الشئ الوحيد الباقى لى فى الدنيا دى ، انا مستعدة اسوى أى شئ يرضيك وما بتحمل اشوفك كدا ، عليك الله يا ابوى سامحنى وما تتعب نفسك اى شئ دايرو بسويهو حتى لو اخسر الدنيا دى كلها ما يهمنى بس ما اخسرك .
- انتى لو بهمك عفوى ورضاى ما كان سويتى السويتهيو ، انتى شنو ياخ ، ما عندك رحمة
- خلاص يابوى انا تبت والله تبت وبصلح كل شئ . بس انت ريح نفسك
- لو دايرة تريحينى وتكونى بتى فعلاً بت امك ، المرة الكل ما اتذكرها ابكى ، عمرى ما نسيت عشرة امك معاى ، كانت مرة صالحة ومرة بلسم وزلة تداوى القلوب ، بتعرف ربها كويس
- اوعدك يابوى اكون زى امى الما شبعت من شوفتها .
*********************************
بحثت غادة عن زوجة ابيها واختيها وارتمت فى احضانهن باكية ومعتذرة وطلبت منهن ان يعذرنها على ما فعلت بهن وهن طلبن منها ان تسامحهن على مع فعلن بها وبأخيها المرحوم عامر وهن جاهلات ، وألتئم شمل العائلة واثناء جلوسهم معاً فى يوم من الايام قالت سعاد لهم : انا نويت افتح ملجأ للمشردين ومأوى لهم وحا اسميه ملجأ عامر للاطفال المشردين ويكون اجره صدقة جارية لاخوى عامر وذكرى طيبة ليهو .

النهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــة​
 
أعلى أسفل