خوازيق البلد: ثانيهم (بعد الحبيب الإمام), محمد أحمد محجوب

أضيف فيما يلي جزئين آخرَيْن أترجمهما مباشرة من النص الإنجليزي مع تحريري كما هو مشار إليه


مواقف المحجوب البائنة: الجزء 5


هكذا أعِدت الساحة لاجتماعين حَرِجَيْن وتاريخيّيْن في الخرطوم: إجتماع لوزراء الخارجية العرب متبوعا باجتماع الرؤوساء – إجتماعين خلف أبواب مغلقة لم يتم بصددهما نشر محضر وقائعهما
..
إبتدأ اجتماع وزراء الخارجية في أغسطس وترأستُه بصفتي ممثلا للدولة المضيفة. (ملاحظة المترجم, التسلسل التاريخي للوقائع كما يلي, من ترجمتي وتحريري للنص الأصلي)


1 أغسطس 1967 في الخرطوم: قمة وزراء الخارجية العرب


15 أغسطس 1967 في بغداد: بموجب إجتماع 1 أغسطس, إجتمع ببغداد وزراء المالية, الإقتصاد والبترول من الدول العربية الثلاثة عشر والمشايخ الخليجية للبحرين, قطر وأبي ظبي, وعملوا قائمة بالأسلحة الإقتصادية التي يمكننا استخدامها في كامل مشترك استراتيجيتنا.


26 أغسطس في الخرطوم: تم مناقشة التوصيات من قِبَل وزراء الخارجية العرب والتي رأسَها كذلك محـمد أحمد محجوب. تم تحديد موعد القمة في 29 أغسطس.


1 سبتمبر 1967: نتيجة القمة العربية بالخرطوم, لاءات الخرطوم الثلاث, لا سلام مع إٍسرائيل, لا اعتراف بإسرائيل, لا مفاوضات مع إسرائيل, والإصرار على حق الشعب الفلسطيني في أرضه.
المصدر السابق, ص. 136-37
 
مواقف المحجوب البائنة من نصرة القضية الفلسطينية: الجزء السادس والأخير

(ملاحظة المترجم, التسلسل التاريخي لقطع السودان للعلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وبريطانيا هكذا, من ترجمتي وتحريري للنص الأصلي):
5 يونيو 1967م: ضربت إسرائيل. ذهب محجوب إلى الجمعية التأسيسية التي دُعِيَت <لمناقشة سياسة الحكومة>, أذاع الأخباء السيئة, و<أعلن أن السودان سيقطع علاقاته الدبلوماسية مع أيّ دولة تساند إسرائيل,> و<أجّل رئيس الجمعية الجمعية, واستمرت الحكومة في حالة انعقاد طوال اليوم والمساء. ص. 117
(ملاحظتي, م.س, يبدو جليا أن السودان في هذه المرحلة لم يقطع بعدُ علاقاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة).

6 يونيو: عقب <محادثة هاتفية في الساعات الأولى من الصباح بين الملك حسين والرئيس عبد الناصر .. قالت رئاسة أركان الجمهورية العربية المتحدة: "هناك دليل دامغ على إمداد الولايات المتحدة وبريطانيا لإسرائيل بالعون الجوي". واستطردت: "زودت الطائرات من ناقلات الطائرات غطاءً جويا للقوات الإسرائيلية في كل من الجبهتين المصرية والأردنية".

6 يونيو: <تأججت المظاهرات في كل أرجاء العالم العربي – عمّان, دمشق, بغداد, بيروت وغيرها من المدن الكبرى. قطعت الجزائر, السودان, سوريا, الجمهورية العربية المتحدة واليمن علاقاتها مع الولايات المتحدة, بينما قطعت كل من سوريا والسودان كذلك العلاقات مع بريطانيا.
تقدّمت إسرائيل في عمق سيناء .. سقطت مدينة غزة .. سقطت أريحا .. أذاع راديو القاهرة أن القوات المصرية في شرْم الشيخ قد انسحبت .. إستسلم الضابط المصري الذي كان قائد قطاع غزة رسميا بعد قطع قواته تماما.

6 يونيو: في قاعة إجتماعات الحكومة استمعنا لتقارير الراديو: "القوات الإسرائيلية التي طوّقت القدس خلال الليل قد اقتحمت المدينة القديمة عبر بوابة ساينت ستيفَن وسقطت القدس". من ضمن كل لحظات الألم ذلك اليوم, كانت تلك الأكثر إيلاما للمشاعر. لقد أسقط في أيدينا جميعا. وزير المالية, الهندي أجهش بالبكاء.

المصدر السابق, ص. 118-119
 
الإزدواجية وبيع القضية (1): إنظر, فالبداياتُ كواشفٌ


أعتقد إتضحت الوقائع ومن قال ماذا, وبيان موقف محمد أحمد محجوب المبادر والقيادي لـ (نصرة) القضية الفلسطينية. وطبعا هذا الموقف المشرّف هو الموقف الظاهر وحسب. لأن هناك موقفا آخر على النقيض تماما. قبل الشروع في جرد واستنطاق وقائع هذا الجزء المظلم, نسجّل لمحجوب أوّلا قوله (راجع الصفحة الأولى من البوست, المشاركة رقم 18), إقتباس:

إستمر الجانب المتطرف* بالمطالبة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وبريطانيا

والذي قلنا في شرحنا لتلك الجزئية على هامش النص:

* من منطق السياق, محجوب يبدو هنا وكأنه يقول إن السودان لم يكن مع الموقف المتطرف
المصر على قطع العلاقات الدبلوماسية.
 
الإزدواجية وبيع القضية: مواقف محجوب الخفية
ترجمة مازن سخاروف للجزء المهم من الحوار (م. س بين الأقواس إضافة المترجم) مع دبلوماسي أمريكي سابق:



الجزء الأول من إثنين
Sudan Country Reader​



ويليام هِنري وِذَسْبي, سفير, 1965-1967
تمت دعوة وِذَسْبي للإنضام لخدمة إعلام الولايات المتحدة
USIS
في عام 1951. خدم في مصر, الهند, والسودان.
أجري الحوار مع السيد وِذَسْبي, جاك أوبرايَن في الأول من أغسطس 1989
جمعية الدراسات والتدريب الدبلوماسية (ج.د.ت.د), تقع بمركز تدريب جورج ب شولتز الوطني للعلاقات الخارجية.

نقلي لبيانات ج.د.ت.د أعلاه مأخوذة من موقع الجمعية الشبكي:
Association for Diplomatic Studies and Training
ADST has facilitated the publication of over 100 books by members of the Foreign Service.
We support the work of the State Department’s Foreign Service Institute, providing critical source material for those who are training today’s diplomats – and tomorrow’s."

والتي تُصدر سلسلة مرشد إلى الدول, أو
Country Reader
عبر توثيق من لقاءات مع دبلوماسيين أمريكيين سابقين خدموا في السودان. من هنا فهذه الترجمة لقاء من مرشد القارئ للسودان أو
Sudan Country Reader

الموقع الشبكي:
www.adst.org

ملحوظة المترجم: يرد في النص إختصار
USIS
ويعني شيئين مختلفين, الأول هو خدمة إعلام الولايات المتحدة
US Information Service
والثاني هو قسم المصالح الأمريكية
US Interests Section
الذي إستضافته السفارة الهولندية بالخرطوم بعد (قطع) السودان العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة, الذي هو بالطبع موضوع تحقيقنا لكشف حقيقته)


الآن إلى الترجمة, الجزء الأول

وِذَسْبي: ذهبتُ إلى الخرطوم
سؤال: ووظيفتك هناك
وِذَسْبي: سفير
سؤال: وما كم استمر ذلك
وِذَسْبي: أقل من سنتين. لقد غادرت زوجتي روث وابنتي مسبقا في إجازة إلى الوطن عندما وقع ما يسمى بحرب الستة أيام. كل من سفارتنا كما السفارة البريطانية كانتا محاصرتين ليلا ونهارا .. وجه جمال عبدالناصر إتهاما خاطئا بأن طائرات بريطانية من قبرص وطائرات أمريكية من مدرّج ويلًس في ليبيا قد إشتركت في الهجوم الإسرائيلي. لقد أخذت تطميناتٍ من وزير الخارجبية رَسْك والرئيس جونسون أن إتهام ناصر كان غير صحيح, وقد أراد رئيس الوزراء السوداني محـمد (أحمد, م.س) محجوب تصديق تلك التطمينات. كنت على ثقة أنه قد صدّقها. لكن الجموع المناصرة لمصر نُظـّمت لتطويق ومهاجمة السفارات بالطوب والحجارة ليلا ونهارا. إستمر ذلك لأيام .. ضربت الشرطة السودانية طوق حراسة حول مباني السفارة, لتثبيط مهاجمة الأشخاص, لكن سامحة بحدف الطوب على المباني. لحسن الحظ حُصّنت النوافذ بموصدات خارجية من الحديد. لعدة أيام وليال حرقنا الأوراق في فرن خاص وحرقنا الأوراق على السقف الذي كان مسطحا, لكن بالنهار فقط حتى لا يُلاحظ اللهب.

...

أخبرني محجوب أن ثقته في الرسائل التي أبلغتها إياه من رئيسنا ووزير خارجيتنااهتزت بعد تقرير من الملك حسين الأردني. لقد قال إنه تلقى معلوماتٍ منالملك أن المخابرات الأردنية أكدت أن إشتراك الأمريكان والبريطانيين في الهجوم الإسرائيلي. بعد ذلك بقليل تم استدعاء السفير البريطاني وشخصي, في ذات مساء من قِبَل وزير الخارجية. كان الهدف واضحا. لقد دُعيت أولا إلى مكتبه وأبدى الوزير (نفسه محمـد أحمد محجوب الذي جمع بين رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية, المترجم, م.س) عميق أسفه أن الحكومة قد قررت بعد التصويت قطع العلاقات مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. لم يكن متأسفا وحسب لكنه أراد أيضا "فراقا ناعما" يتطلب فقط مغادرة السفير والملحقين العسكريين, أما بقية موظفي السفارة, بما يشمل برامج المعونة فقد كان بقاؤهم على الرحب والسعة. إدعاء عبد الناصر حول الطائرات الأمريكية والبريطانية أصبح يعرف فيما بعد "بالكذبة الكبرى."*


حثـّنا وزير الخارجية على أن نأخذ وقتنا في المغادرة, وقد مكثت لعدة أسابيع مرتبا مع الهولنديين ولضمان أن كل من رغب مِن الأمريكان بمغادرة السودان أتيحت له الفرصة.

المصدر: مرشد القارئ للسودان, جمعية الدراسات والتدريب الدبلوماسية, ص.85

هامش
------------------
* "الكذبة الكبرى" التي أوردها السفير فيها قولان بائنان. راجع تحليلنا في نهاية ترجمتنا للقاء.
 
التعديل الأخير:
الإزدواجية وبيع القضية: مواقف محجوب الخفية
ترجمة مازن سخاروف للجزء المهم من الحوار (م. س بين الأقواس إضافة المترجم) مع دبلوماسي أمريكي سابق


الجزء الثاني من إثنين


أخيرا فُتح المطار للطيران المدني واستطعنا تأجير رحلات على الخطوط الأثيوبية لنقل كل الأمريكان الراغبين في الخروج.
إتصل صديق ووزير سابق في الحكومة: "ما هذا الذي أسمعه عن ذهاب الأمريكان إلى بلادهم؟ أنتم لن تقطعوا العلاقات معنا لمجرد أننا قطعنا معكم؟" قلتُ, ليت شعري إذا ما كان السودانيون اكتسبوا التراخي في قطع العلاقات كعادة جديدة. قبلئذ بوقت يسير أدانت منظمة الوحدة الأفريقية عملا للحكومة البريطانية واقترحت أن تقطع الدول الأعضاء علاقاتها مع المملكة المتحدة, وأعتقد أن السودان كان الدولة الوحيدة التي نفـّذت. تم تكليفي بالنظر في المصالح البريطانية لفترة ستة أشهر, وتضمن ذلك المشي على البيض لإعادة تلك العلاقات.


نائب رئيس بعثتنا, كلِيو نويْل, موظف قدير بالخدمة الخارجية بقي في الخرطوم مع عدد قليل من الموظفين تحت حماية (دبلوماسية, م.س) هولندية. إستمر عمل قسم المصالح الأمريكية



(US Interests Section) USIS​



, وتم إعادة فتح المكتبة بعد فترة. إنزوى برنامج المعونة. بعد عدة سنوات, إبان إعادة العلاقات كلِيو الذي كان وقتها بواشنطن, تم تعيينه في الخرطوم كسفير. كما ستستحضرُ, كلِيو وموظف قدير آخر, جورج كيرتِس مور الذي كان مسؤولا عن الموظفين هناك, تم أخذهما في حفل استقبال لـ كلِيو, ووداع لـكيرتِس في السفارة السعودية, وقتلهما على يد إرهابيين أجانب استطاعوا اختراق السودان.


ص. 86, المصدر السابق
 
نفض الغبار

على ضوء كل ما سبق يبدو جليا أن العلاقات السودانية الأمريكية لم تتأثر كثيرا خلف الكواليس من تداعيات حرب النكسة, بل تم تقديم التسهيلات والبدائل. والحكومة السودانية بإزدواجية منقطعة النظير وعلى رأسها محمـد أحمد محجوب, رئيس الوزراء, كما وزير الخارجية, كانت تحمل بوق القضية الفلسطينية في المؤتمرات, وخلف الستار تقول للأمريكان, لا تثريب عليكم.
 
التعديل الأخير:
أما فيما يخص المشاركة الأمريكية والبريطانية مباشرة (خطان تحت مباشرة) وحسب في الهجوم الإسرائيلي الخاطف والكاسح ضد الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا), الأردن والأراضي الفلسطينية فالمسألة في رأينا, بعد البحث والمراجعة ليست في المبدأ, بل في التفاصيل. إذ أن الأمر, كما تبيّن المراجع يعتمد ليس على الكم, بل على الكيف, كما على التوقيت (قُبيل الحرب, إبانها في يومها الأول, كما بعد ذلك فيما تلى من أيام). بعض المراجع تفيد بتلفيق عبدالناصر, بالتنسيق مع الملك حسين للمشاركة المزعومة لطائرات كما حاملات طائرات بريطانية وأمريكية في الهجوم الإسرائيلي. وهذا القول يستند على رواية لوسائل الإعلام تفيد بأن الإسرائيليين قاموا باعتراض, ثم تسريب مكالمة بين عبد الناصر والملك حسين بعد بدْء الهجوم الإسرائيلي تفيد بفبركة جزء من رواية الجانب العربي, أي تواطؤ طائرات كما حاملات طائرات بريطانية وأمريكية في الهجوم الإسرائيلي. راجع على سبيل المثال صحيفة نيويورك تايمز, عدد 9 يونيو 1967.

للوصول إلى الحقيقة كان لا بد من مراجعة عدد من المراجع التاريخية المختصة بالوقائع.

(1) فيما يخص التدخل الأمريكي في المجهود الحربي الإسرائيلي إبان الحرب:

القول الفصل في الأمر يعود إلى باحث من الولايات المتحدة هو ستيفَن قْرين في كتابه, التحيز لطرف بعينه: علاقات أمريكا الخفية مع إسرائيل المتعسكرة
Taking sides: America’s Secret Relations with a Militant Israel
الكاتب حدد الفترة بين عام 1964 إلى 1967 بفترة إنشطار وفقدان الولايات المتحدة لأي قدرة موازنة في سياستها الشرق الأوسطية بين الدول العربية وإسرائيل, لتصبح لصالح الأخيرة دون حياء. وكانت حسب تعبير الكاتب "سياسة بلا أخلاق أو نزاهة", ص.244 الكاتب استخدم كلمة بلبلة confusion كوصف لتلك السياسة العجيبة قائلا:

على سبيل المثال, إدارة الرئيس جونسون أجازت حربا محدودة ضد مصر, لكنها توقعت من اسرائيل الإمتثال لحكم أمريكا حول توقيت وحدود أراضي النزاع. بينما على أرض الواقع فإن العون المالي والعسكري الأمريكي أعطى إسرائيل المقدرة على احتلال أيٍّ من أو كل الدول العربية في أي زمان ومكان تختاره إسرائيل, دون خوف من العواقب.
المصدر السابق

الوصف الأنسب من بلبلة هو بالطبع إزدواجية لدرجة قف تأمّل. على أية حال ملخص تدخل الولايات المتحدة في المجهود الحربي الإسرائيلي إبان فترة الحرب يمكن تلخيصه من هامش في ص. 208 من الكتاب:
لاحقا في جلسة إستجلاء المهمة في قاعدة مورون, علم الرجال بالإتهامات العربية في الأيام الأولى من الحرب, للمساعدة العملياتية الأمريكية لإسرائيل على شكل دعم جوي تكتيكي من طائرات مقلعة من حاملات طائرات تابعة للأسطول السادس. لقد كوّن العرب الفكرة الصحيحة لكن العملية الخطأ. لم توجد طائرات أمريكية من الأسطول السادس أو غيره أطلقت نيران أسلحتها لصالح الإسرائيلين. لكن الإتهامات أشعلت الغضب العربيّ في كل المنطقة, مؤدية إلى هجوم على السفارات والمنشئات الأمريكية. لقد كان الرئيس جونسون مُرغما على النفي علنا أن أيّ شكل من المساعدة قد تم تقديمه لإسرائيل, ومن هنا جاعلا العملية التي وصفناها هنا حتى أكثر حساسية مما ستكون عليه في تاريخ القيام بها.

والعملية المشار إليها يمكن للقارئ الرجوع لتفاصيلها الكاملة في الكتاب من ص.204 إلى 211 كجزء من ذلك التدخل, الذي شمل (متعلقا بهذه العملية): واحد, إبتداء من 4 يونيو (اليوم الذي سبق إبتداء الهجوم الإسرائيلي) عمليات إستطلاعية مهمة لصالح إسرائيل بطائرات أمريكية وطيارين أمريكيين مكّن إسرائيل من تحقيق أهدافها الإستراتيجية وكسب الأراضي المحتلة؛ كما (في عدا ذلك) إثنين, تغطية سياسية ومواقف عسكرية قوية منذ إعلان وقف إطلاق النار في السادس من يونيو (قبلت به الأردن في السابع من يونيو ثم الجمهورية العربية المتحدة ممثلة في مصر وسوريا بعده بيوم) أعطت إسرائيل وقتا حيويا لكسب أكثر ما يمكن من رقع أرضية بما فيها القدس الشريف ونهاية مرتفعات الجولان؛ ثلاثة, على لسان الكاتب, وما بين الأقواس كما في النص الأصل:

أنواع أخرى من المساعدة المادية تطلبته إسرائيل. في 23 مايو صرّح جونسون بحمولة عسكرية طوارئية لناقلات جنود مدرّعة, قطع غيار دبابات, قطع غيار لمنظومة هوك لصواريخ الجو الدفاعية, فتائل أمان قنابل, ذخيرة مدفعية, أقنعة غاز وماهو أكثر من ذلك (تم قص أجزاء من محتويات القائمة). لقد تم شحن وإيصال تلك الأشياء قبل وقت وجيز من الغزو في يوم 5 يونيو, كاستعداد للغزو, في وقت كان خلاله الرئيس جونسون قد أعلن رسميا بحظر للسلاح على أيّ قطعة تذهب إلى الشرق الأوسط. للمرء أن يتساءل إن كان هناك نسختان من جونسون في البيت الأبيض.
المصدر السابق, ص. 201
 
التعديل الأخير:
الواقعة بشأن العملية التي أشار إليها الكاتب فيما استبق, إقتباس
العملية التي وصفناها هنا حتى أكثر حساسية مما ستكون عليه في تاريخ القيام بها

هي عملية بالغة التعقيد خطط لها من يهمه الأمر في الأجهزة الأمريكية, وشملت طائرات استطلاع متقدمة أقلعت من ألمانيا, إضافة إلى طائرة نقل أقلعت من إنجلترا, لتهبط الطائرات الخمس في قاعدة مورون الأمريكية في الأراضي الإسبانية, والتي تقدم ذكرها في الإقتباس. يقول الكاتب:

حملت الطائرات الأربع من نوع RF-4C, وهو تمميم معدل من طراز إف أربعة, أنواعَ جديدة من أجهزة الملاحة وقياس الإرتفاع, وكنّ مُزَوّدات بجهاز راديو عالي التررد يتيح للطيار التواصل مع القاعدة المسؤولة عن الطائرة من أيّ نقطة في "محيط أدائها" performance envelope. لقد كانت الـ آر-إف أربعة سي طائرة عسكرية حديثة جدا.
ص. 205, المصدر السابق

أما طائرة النقل الأمريكية القادمة من إنجلترا فقد:
حملت في جزئها الأسفل نظام تصوير إستطلاعي كامل من نوع WS 430a, علبتي أفلام, علبتي تحميض, علبة مركزية, مولدين كهربيين, علبتي أفلام محمضة, وإثنين من الإحتياط
* علبة تعني هنا خزنتين من الألمونيوم بارتفاع ثمانية أقدام ومتراوحة في مساحتها من ثمانية في إثني عشر, إلى 20 في إثني عشر (قدم, م.س). تستخدم لنقل معدات معالجة الصور ومعدات أخرى. في موقع مهمة "تشتت" (أي موقعا أعد بسرعة في منطقة نائية) يمكن إتخاذ العلب كملجأ ومكان للعمل.

النص والهامش من ص. 205, المصدر السابق.

قامت تلك الطائرات وطياروها الأمريكيون, كما يسرد المؤلف بمشاركة مباشرة في الإستطلاع والتجسس جنبا إلى جنبا مع القوات الإسرائيلية, لتقوم بمعدل, إقتباس, ثمان إلى عشرة طلعات في اليوم على إرتفاع منخفض كما ارتفاع عال .. الجزء الأكبر من معالجة الصور قام به الإسرائيليون. ص. 207, المصدر السابق.

جزئية تاريخية صغيرة. المرحوم العقيد طبيب محمد حسين من القوات المسلحة السودانية كان في مهمة رسمية مع زملائه المصريين. إفادته على لسان أحد أبنائه أنهم ضُربوا مرتين في سيناء, لو متذكر كويس. الأولى في مواقعهم. وضربوا مرة ثانية وهم منسحبون, ربما تحت ستار الظلام. من الممكن جدا أن طائرات الإستطلاع الأمريكية المشار إليها ساهمت في تحديد أهداف عسكرية بدقة فائقة ليست فقط على الجبهة المصرية, بل بقية الجبهات. المرحوم العقيد (كما أذكر رتبته) طبيب محمد حسين, كما تقول شهادة الوفاة, مات متأثرا بجراحه (التي كما تقدم حصلت على الجبهة المصرية في حرب النكسة).
 
عن مصداقية الواقعة التي ذكرها المؤلف ستيفن قرين بشأن مساهمة الولايات المتحدة المشار إليها في المجهود الحربي الإسرائيلي والتي تثبت الوقائع هنا أنها مشاركة مباشرة, نقتبس ما يلي على لسان المؤلف:

المصدر الرئيسي لهذه القصة زعم بأنه كان من المشاركين في العملية التي سبق وصفها. لقد برهن المؤلف القصة ظرفيا؛ أي عن طريق مراجعة تاريخ وحدات القوات الجوية (الأمريكية, م.س), أسماء القادة, التفاصيل الفنية وما إلى ذلك. فوق ذلك, جزء بعينه من تفاصيل ما أدلى به ذلك الشخص كان من الصعب جدا الإلمام به باستثناء شخص تسنّت له المشاركة في عملية مثل هذه في إسرائيل. على أية حال, فإن المحاولات لتأكيد هذه القصة إما عن طريق التواصل مع أشخاص آخرين قد يكونوا من المشاركين في مثل تلك العملية, أو عن طريق مسؤولين كبار في البنتاقون, البيت الأبيض, وقسم الدولة (وزارة الخارجية الأمريكية, م.س) لم يتسنى لهن النجاح. خلال جهد المحاولة للإثبات (يوليو إلى سبتمبر 1938) قامت شعبة إستخبارات القوات الجوية بالإتصال بالعديد من أعضاء سرب الإستطلاع التكتيكي رقم 17, معيدة تذكيرهم بواجبهم في المحافظة على الكتمان بشأن أي مهمة ذات طبيعة استخبارية تسنى لهم المشاركة فيها.
هامش, ص.209-210, المصدر السابق
 
(2) فيما يخص التدخل البريطاني في المجهود الحربي الإسرائيلي إبان الحرب:

أحد المراجع المهمة الذي وقع في أيدينا هو كتاب للصحافي البريطاني جيريمي بُوِن بعنوان, ستة أيام: كيف شكلت حرب عام 1967 الشرق الأوسط, جاء فيه ضمن ما جرى في يوم 4 يونيو (عشية الحرب):

في ميناء فيلِكْسْــسْتو البريطاني, بمجرد أن حل الظلام تسللت سفينة الشحن الإسرائيلية ميريام واتخذت سبيلها في عرض البحر. على متنها كانت صناديق من المدافع الرشاشة وقذائف الدبابات عيار 105 ملم. وأودعت عربات مصفحة على سطحها. تم منع الصحافيين الذين اشتموا رائحة الخبر من رصيف الميناء. حرس أفراد الشرطة العسكرية الأمريكية في منطقة المرسى شحنة للأسلحة. لقد كانت شحنة ميريام أحدث شحنات الأسلحة العديدة التي تم إرسالها إلى إسرائيل من الإحتياطي البريطاني والأمريكي للسلاح منذ بدء الأزمة. كانت طائرات النقل الإسرائيلية منظّمة لخدمة ذهاب وعودة shuttle service من وإلى مطار وودنقتون للقوات الجوية الملكية في مقاطعة لنكولنشير, منشأة ذات تأمين عال كانت إحدى أكبر قواعد الأسطول البريطاني لحاملات القنابل الإستراتيجية من نوع V
كتب رئيس الوزراء البريطاني هارولد وِلسون إلى إشكول (ديفيد إشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي, المترجم) أنه سعيد بقدرته على المساعدة, لكن "وجب الإبقاء على أكثر درجة للسرية". لقد عطلت الولايات المتحدة شحنة أسلحة إلى الأردن. لكن العقودات مع إسرائيل تم الإيفاء بها والتسريع في تنفيذها.

جيريمي بُوِن, ستة أيام, ص. 89
 
يتضح ما سبق, كما أسلفنا أن التدخل الأمريكي والبريطاني في المجهود الحربي الإسرائيلي في حرب 1967 ضد الدول العربية وعلى حساب قضية فلسطين واضح ومثبت بمفاضلة الأدلة من مصادر أفضل, أحدها مصدر أمريكي ذي مصداقية الذي اقتبسنا منه. وهناك أيضا مصدر بريطاني إقتبسنا منه كذلك.

على أية حال, فما هو متوقع ومأمول تبعا لظروف القضية والنوايا المعلنة هو التضامن العربي والإلتزام بما اتفق عليه حسب خطة محجوب نفسه التي, "مضت إلى .. توحيد السياسة العربية الخارجية من خلال مبدأ معاداة أعداء العرب وود أصدقائنا" (إنظر مواقف محجوب البائنة, الجزء الأول). ولكل ذلك فإن البون بين الموقف الشجاع إنحيازا لعدالة القضية ومساندة للشأن الفلسطيني ولكل الجبهات المتضررة في تلك الأيام العصيبة, الذي أبدته الدولة السودانية ممثلة في وفد السودان ورئيس الوزراء محـمد أحمد محجوب, وبين (نعومة) القطيعة الدبلوماسية على يد الأخير تجعل المرء يتساءل, مثلما تساءل الكاتب الأمريكي, إذا ما كان هناك نسختان من محمد أحمد محجوب, أحدهما ود قـَلِبها, والآخر البايعها؟
 
التعديل الأخير:
بيد أن بعض القراء قد يحتج (أو يتحاجج) مثلا, بأن السياسة ليست بهذه البساطة بأن تكون فقط أبيض أو أسود, حيث إن في شجون الدبلوماسية الكثير من الرمادي الذي (قد) يجعل رجل السياسة مثل محـمد أحمد محجوب يسلك مسالك مزدوجة سعيا للمصلحة الوطنية العليا. لنمض مع هذا الإفتراض, ولنفترض جدلا أن محجوبا برزانة لعب مع العرب لعبة المشاعر لصالح (القضية), بينما سلك مع الولايات المتحدة مسلكا متوازنا حتى لا تتضرر مصالح السودان مع دولة كبرى مثل الولايات المتحدة. وهذا المسلك المتوازن هو (إفتراضا) ما جعل محجوبا (ووزارة الخارجية السودانية) وحكومته يتهاونون في تنفيذ طريقة طرد الأمريكان من السودان, عدد المطرودين, كما المهلة المعطاة لهم لمغادرة البلاد, إضافة للسماح للولايات المتحدة بالعمل من داخل السفارة الهولندية عن طريق قسم للمصالح الأمريكية يرأسه الرجل الذي كان قبل قطع العلاقات نائب رئيس البعثة الأمريكية, كْلِيو نويْل.

لهؤلاء القراء هناك مفاجأة صادمة!
 
التعديل الأخير:
الكارثة: السفارة في العمارة. من هو كْلِيو نويْل: نائب رئيس البعثة الأمريكية؟

البحث المستنفذ لنهايات التقصي من مازن سخاروف أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الرجل الجديد المسموح له بخدمة المصالح الأمريكية في الخرطوم بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا بسبب انحيازها السافر لصالح إسرائيل في حرب الستة أيام, والذي كان قبل قطعها نائب لرئيس البعثة الدبلوماسية بالسفارة الأمريكية, لم يكن سوى .. رئيس محطة السي آي إيه في الخرطوم!
وليس ذلك فحسب, بل بحوث مازن سخاروف أثبتت أن كل نائب رئيس للبعثة الدبلوماسية الأمريكية في أي دولة في الشرق الأوسط* هو في ذات الوقت مدير محطة الوكالة المركزية أو
CIA Station Chief
ويشار إليه أحيانا بالإختصار COS
والذي يعني Chief of Station


----------------
* إسرائيل هي الاستثناء الوحيد, وهو أمر تسنى للكاتب تأكيده. مدير محطة السي آي إيه في تل أبيب يعمل بصفته الحقيقية هناك باعتبارها, أي إسرائيل دولة صديقة.
 
السفارة في العمارة: نائب رئيس البعثة الدبلوماسية الأمريكية في السودان (أو أي دولة شرق أوسطية باستثناء إسرائيل), هو نفسه مدير محطة السي آي إيه

أحد الأدلة الدامغة بتطابق وظيفة نائب مدير البعثة الدبلوماسية الأمريكية في أي سفارة أمريكية في الشرق الأوسط (وهناك ما هو غير الشرق الأوسط) مع مدير محطة السي آي إيه في العاصمة المعنية هي حالة الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي في سبتمبر لعام 2012. قتل ضمن من قتل السفير الأمريكي الذي هو بالطبع رئيس البعثة الدبلوماسية.
حين حدث الإعتداء نال هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية في تاريخه الكثير من سهام النقد والهجوم في تداعيات الحدث في الإعلام كما مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة. دون تطويل, ومن قلب الموضوع, ظهر إسم نائب رئيس البعثة الدبلوماسية الأمريكية في ليبيا, قريقُري هِكس.
Gregory Hicks

حينها ولسنوات بعدها تم تقديمه تحت الأضواء بصفته نائبا سابقا لرئيس البعثة, أي كدبلوماسي وحسب, مثل هذا اللقاء بعد عام من الإعتداء بعنوان, قريقُوري هكس: كان بالمقدور إنقاذ حياة أشخاص في بنغازي
على الرابط:

ولم يتحدث بصفته كرئيس لمحطة السي آي إيه في تاريخه حتى يناير 2016 في مقابلة مع صحيفة واشنطون بوست, وبإسم كودي هو (بوب) على هذا الرابط:


أي حتى ذلك التاريخ لم يكن بمقدور أيّ شخص غير متتبع لبواطن الأمور الإحاطة بأن قريقوري هكس في صفته كنائب رئيس البعثة الدبلوماسية الأمريكية في ليبيا ليس سوى غطاء دبلوماسي لدور مزدوج آخر لنفس الشخص, ألا وهو مدير محطة السي آي هناك.

لاحقا في عام 2016 تم كشف إسم قريقُوري هكس كمدير لمحطة السي آي إيه كما في مقابلة بتاريخ الخامس عشر من سبتمبر من ذلك العام. الرابط هنا:
https://www.americanthinker.com/articles/2016/09/hillary_lies_says_benghazi_station_chief_hicks.html
 
التعديل الأخير:
محمد محمد محجوب: سقوط الأقنعة

داخل النص, وعودة إلى الموضوع, الخلاصة أن المتحدث بإسم الدول العربية في الأمم المتحدة وأحد أبرز الزعماء المناصرين للقضية الفلسطينية ظاهرا, يقدم تسهيلات من الباطن للسي آي إيه لمواصلة العمل في السودان من داخل السفارة الهولندية*, في نفس الوقت الذي يتظاهر فيه بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا. أي بإزدواجية ليس لها نظير في أحد أشد الأوقات محنة على السودان والدول المتضامن معها وعدالة القضية المتبناة.

كليو نويْل تحديدا ليس حتى جديدا على العمل الإستخباراتي في السودان, فقبل رئاسته لمحطة السي آي إيه هناك تحت غطاء دبلوماسي كنائب لرئيس البعثة الأمريكية, بداية من عام 1962 (صحيفة نيو يورك تايمز** بتاريخ الثالث من مارس لعام 1972, فقد عمل قبلها في السودان مرتين على الأقل في أحدها بصفته مسؤولا سياسيا أو Political Officer واختصاره P.O, الذي يقابله في العربية م.س. أما عن دوه الآخر فحدث ولا حرج***. نقطة مهمة: بصدد المسؤول السياسي في دوره الظاهر كدبلوماسي داخل السفارة الأمريكية, فعندما نرتب منطق الأمور سيتضح أنه كذلك تحت إمرة من يكون مدير محطة السي آي في البلد المعني, كما سنثبت الآن.

أضواء على التجسس: أ, دور المسؤول السياسي في النشاط الإستخباري لبعثته الدبلوماسية
مدير المحطة هو مركز النشاط التخابري للبعثة الدبلوماسية الأمريكية, وهذا مفروغ منه. أما بصدد المسؤول السياسي, فهذا تعريف لمهام منصبه, ترجمتي:
المسؤول السياسي هو مسؤول بالخدمة الخارجية Foreign Service Officer في التطورات السياسية وينقل آراء وسياسات الولايات المتحدة إلى المتصلين معه ... المسؤول السياسي أحد المساهمين الرئيسيين في الصورة الإستخبارية الشاملة.
المصدر
https://www.globalsecurity.org/military/library/policy/army/fm/90-29/Ch2.htm

أضواء على التجسس: ب, إقتران المسؤول السياسي مع مدير محطة الوكالة المركزية
في ملخص لوزارة الخارجية الأمريكية بعنوان, تعيين نواب رئيس البعثة (ن.ر.ب) والـ م.س (المسؤولين السياسيين, إضافتي) ورد ما يلي, ترجمة وتصرف مازن سخاروف:
يسري على موظفي البعثات الدبلوماسية (حرفيا:بعثات الخدمة الخارجية, إضافتي)
ألف: المدير العام (م.ع) يرأس لجنة تدعى لجنة ن.ر.ب (نواب رؤساء البعثات, إضافتي) تقوم بمعاينة وتقديم مرشحين للعمل كـ ن.ر.ب و م.س (المسؤول السياسي) في وظائف خارج البلاد.
باء: يختار م.ع أعضاء من إداريي القسم (الخدمة الأجنبية, إضافتي) في فريق اللجنة. تقوم اللجنة بمعاينة المتقدمين لـ ن.ر.ب وم.س (المسؤول السياسي) في الوظائف خارج الولايات المتحدة. بعد ذلك تقرر اللجنة قائمة المرشحين لشغل الوظيفة.
جيم: تبعث اللجنة قائمة بمرشحي ن.ر.ب إلى ر.ب (رئيس البعثة): يقوم رئيس البعثة بالإختيار من (أولئك) المرشحين لشغل وظيفة نائب رئيس البعثة.
إنتهى الإقتباس والترجمة. المصدر
https://diplopundit.net/category/dcm/
يتضح مما سبق عدة أشياء: أولا ارتباط اسم لجنة ترشيح وظيفة نائب رئيس البعثة كما المسؤول السياسي بالإختصار الشهير, ن.ر.ب, الذي كما أثبتنا يعني إختصارا أشهر هو م.م, أو مدير المحطة! ثانيا, إرتباط وظيفة مدير المحطة مع وظيفة المسؤول السياسي عن طريق تخصص هذه اللجنة في الترشيح لهذين المنصبين تحديدا, مما يشير بوضوح إلى طبيعة العمل الإستخباري للوظيفيتين. أخيرا, وليس آخرا, رئيس البعثة (سعادة سفير الولايات المتحدة) ليس بوسعه سوى أن يبصم على أحد الأسماء التي تقدم له للمنصبين، ن.ر.ب و م.س.

أضواء على التجسس: ج, مدير المحطة ليس سوى كبير المسؤولين السياسيين في السفارة الأمريكية, بينما السفير مسؤول إداري

ترجمتي:
السفيرة, والتي خدمت لفترة طويلة كمسؤول مميز بالخدمة الأجنبية وصل إلى ليسوتو في يناير 2018. نائب رئيس البعثة (ن.ر.ب) كذلك من موظفي الخدمة الإجنبية لفترة طويلة وصل إلى ماسيرو في أكتوبر 2017. السفيرة مسؤولة إدارية زوّدت ن.ر.ب بالإرشاد في العمليات الإدارية, بينما كان ن.ر.ب وهو موظف سياسي بتقديم النصح للسفيرة في الشؤون السياسية.
المصدر, قسم الخارجية الأمريكية, مكتب المراجعات (المراجع العام), مكتب الشؤون الأفريقية: مراجعة السفارة بماسيرو, ليسوتو, أكتوبر 2019.
الرابط:
https://www.stateoig.gov/system/files/isp-i-20-01_0.pdf



--------------------
* السفير لم يطرد في ظرف 48 ساعة مثلا, إذ قال, كما تقدّم, "مكثت لعدة أسابيع مرتبا مع الهولنديين ولضمان أن كل من رغب مِن الأمريكان بمغادرة السودان أتيحت له الفرصة". إذن أعطي كل الأمريكان والسي آي إيه مهلة لترتيب كل ما يريدون ترتيبه

** الرابط هنا:
https://www.nytimes.com/1973/03/03/archives/cleo-a-noel-jr.html

*** كليو نويْل مدير (المحطة) قدم إلى السودان لأول مرة في نهاية الخمسينات في دور لم يُفصح عنه, بل ترك التأويل للقارئ. راجع المصدر السابق. وعلى ضوء ما نعرفه الآن فالأرجح أن ذلك الدور كان كذلك دورا تخابريا. إذن السي آي إي من العمق في السودان. بإستثناء فترة وجيزة في بداية إنقلاب مايو, التي أنهت مهمة كليو نويل التجسسية, وإلى حين.
 
التعديل الأخير:
تنويه : قمت بمراجعة وإضافة تفاصيل حرجة لهذا الجزء, فعلى القارئ إعادة القراءة وقد أكتمل العمل

يتضح مما سبق وبجلاء أن مدير محطة السي آي إيه هو المسؤول الفعلي في السفارات الأمريكية في دولنا المنكوبة. وهذا يفسر ما قلناه في مكتوبنا, أقبض: رئيس الوزراء (الحبيب) الإمام الصادق المهدي عميل الإستخبارات الأمريكية*؛ إقتباس:

الغريب أن الشخص الوحيد الذي لم يأت لزيارتي كان رئيس الوزراء صادق المهدي .لقد علمت أن ذلك الإحجام عن لقائي بدا أن سببه كان يعود لأن رئيس محطة السي آي إيه منعه من ذلك (سبحان الله, رئيس الوزراء يأتمر يا دكتورة مريم بأمر السفارة الأمريكية يمين خلف شمال دُر. وفي السفارة الأمريكية محطة السي آي إيه ,المترجم.)
كل أصدقائي السودانيين أخبروني أن رئيس المحطة كان الآمر الناهي في السفارة. سألتهم كيف عرفوا أنه من السي آي إيه, واُخبِرْتُ أن ذلك لم يكن سرا. كلهم أيضا علموا بصلاته الوثيقة برئيس الوزراء. المصدر, ج.د.ت.د, جمعية الدراسات والتدريب الدبلوماسية, لقاء مع روبرت أوكلي موظف الخدمات العامة, أجرى الحوار تشارلْز س. كينيدي وتوماس ستيرن في السابع من يوليو 1992

ليس للقارئ الآن أيّ عذر في ألا يدرك أن السي آي إيه هي المسؤولة عن تنفيذ السياسة الأمريكية على الأرض في الدول العالمثالثية, مستخدمة غطاء دبلوماسيا مريحا هو ن.م.ب. (نائب مدير البعثة) من داخل السفارات الأمريكية حول العالم. هذا ليس شيئا جديدا في عرف السفارات, ولكننا على النقل كشفنا (لمن لم يكتشف بعد) دور نائب رئيس البعثة في التجسس والعمليات الأخرى في السودان, ومعه المسؤولون السياسيون, مسؤولو العلاقات العامة, م.ع.ع أو PAOs Public Affairs Officers, مثل جايمس موتشِري**, وحتى موظفو الخدمات العامة General Services Officers (مثل روبرت أوكلى الذي وردت ترجمة جزء من الحوار معه في الإقتباس أعلاه), الذين هم أيضا يتبعون مباشرة لـهذا الخاتف لونين, مدير المحطة وفي نفس الوقت نائب رئيس البعثة.

يكشف هذا أيضا لغة الخطاب المزدوج التي يستعملها الدبلوماسيون الأمريكان, حتى بعد أن يتقاعدوا. ولكي لا يتشعب الحديث, نحيل القارئ إلى الهامش رقم أربعة في عملنا الآخر, أقبض: رئيس الوزراء (الحبيب) الإمام الصادق المهدي عميل الإستخبارات الأمريكية, والذي أشرنا إليه أعلاه باقتضاب. في النهاية للقارئ أن يراجع روابط وزارة الخارجية الأمريكية التي تتحدث بشيئ من التفصيل عن المهام الأمنية لمدير المحطة تحت غطائه الدبلوماسي الذي يعرفه القراء الآن. مثل صفحة كتيب إرشاد الشؤون الأجنبية: ك.ا.ش.ا إثنا عشر, الأمن الدبلوماسي
Foreign Affairs Manual: 12 FAM Diplomatic Security



----------------------
* إصدار دورية البحوث الإجتماعية, لندن (دبال), المجلد الأول, العدد الأول, أكتوبر-ديسمبر 2020. يمكن للقارئ مراجعة الرابط أدناه, حيث سيتم عمل رابط لتنزيل المكتوب في تعليق أسفل الفيديو:
https://www.youtube.com/channel/UCjn6jR6XAfnnBUS38_NiGCw

** في لقاء مع جايمس موتشِري, موظف العلاقات العامة يذكر الموظف: تمت دعوة السفارة لمخاطبة نفر من شخصيات سودانية مهمة جدا بشأن مشاكل السود في أمريكا. هذه دعوة لم تكن السفارة لترفضها. تم تكليف ن.ر.ب (مرة أخرى, نائب مدير البعثة الذي هو رئيس محطة السي آي في الخرطوم, المترجم) إنابة عن السفارة. طلب مني السفير أن أعمل مسودة خطاب إلى ن.ر.ب. المصدر (ج.د.ت.د, أجرى الحوار ج. لويس شمِت في 22 مايو 1990)
 
التعديل الأخير:
المسمار الآخير: وزارة الخارجية السودانية وتشريف مدير المحطة

في نهاية هذه الحلقة من الأدوار المخفية لمحمد أحمد محجوب, نذكر هذا التفصيل عن سيرة مدير المحطة, كلِيو نويْل:

Cleo Allen Noel Jr. (1918–1973)
Principal Officer (Sudan)
Presentation of Credentials: August 1967 Termination of Mission: June 1969​

الرابط:
إذن مدير محطة السي آي إيه بعد (قطع) السودان علاقاته الدبلوماسية مع أمريكا كان يتسلم أوراق اعتماده في دوره الجديد كمدير لقسم المصالح الأمريكية الذي تقدم ذكره
USIS = US Interests Section
في أغسطس لعام 1967, في نفس الوقت الذي كان محمد أحمد محجوب في بداية الشهر يرأس اجتماع وزراء الخارجية العرب في الخرطوم لتنسيق استراتييجة مقاومة ضد الإستعمار والتحضير لقمة الرؤساء, كما ترأس إجتماعا جديدا لوزراء الخارجية العرب لبحث توصيات اجتماع وزراء المالية والبترول العرب المعقود في منتصف الشهر والذين على حد تعبير محجوب "عملوا قائمة بالأسلحة الإقتصادية التي يمكننا استخدامها في كامل مشترك استراتيجيتنا". راجع الجزء الخامس من مواقف المحجوب البائنة.

عندما يتم اختبار "كامل مشترك الإستراتيجية" لمواجهة إسرائيل وحلفائها الأمريكان والبريطانيين فيستضح أن البيع في (القضية) جملة وقطاعي. لمثل هذا يذوب القلب من كمد يا سوداننا المنكوب.
 
التعديل الأخير:
تربة السموم: محمد أحمد محجوب: الرجل الذي ظهر في سماء السياسة كالنبت الشيطاني

في تقديري كتاب الديمقراطية في الميزان مليئ بما هو غير دقيق, أو مدسوس, مغالطات تاريخية, إسقاطات لتفاصيل حرجة (تنازع المصالح على سبيل المثال*) بحيث يحتاج لمراجعة شاملة. سأكتفي في هذه المساحة بالتركيز على ظهور محمد أحمد محجوب في دنيا السياسة في السودان, كما على شخصيته. يقول محجوب بشأن أول إنتخابات سودانية,والتي أجريت في عام 1953 م, إقتباس:

تم إنتخابي كمرشح مستقل عن دائرة الخريجين. حتى ذلك الوقت لم أنضم لأيّ حزب سياسي. أحسست أن وجودنا في عمق حركة استقلالية وطنية يحتم علينا إظهار جبهة وطنية متوحدة دون إنقسامات الأحزاب السياسية. الديمقراطية في الميزان, ص.53

في هذا الموضع من الديمقراطية في الميزان, كما في مواضع أخرى يذكر محجوب ويزكّي (استقلاليته) وتمسكه بخط مستقل في التوجه والأدلجة, رغم إستقطاب الإنتلجنتسيا السودانية بين شمال وجنوب الطائفية. وتشظيها شعوبا وقبائل شتى. لكن تطور محمد أحمد محجوب من ممارسة نشاط يحسب أنه سياسي, إلى نشاط داخل السلطة, ونعني هنا السلطة المنتخبة يثير بعض علامات الإستفهام. إقتباس:

ونتيجة لنشاطه السياسى هذا واشتراكه في الاثارة السياسية تقرر نقله إلى كسلا، وقد تقدم باستقالته باعتبار ان هذا النقل يمس كرامته. ثم عاد فسحب الاستقالة عندما ادرك انه لن ينال رخصة المحاماة، وربما لبعض تدخلات. وبعد قليل نقل إلى مدنى ومن هناك قدم استقالته واستجيب الى رجائه هذه المرة مصحوباً برخصة المحاماة. وفي ظننا ان السيد عبد الرحمن وقف الى جانبه فى كل الظروف وخفف من غلواء الحكومة. وبهذه الاستقالة انتقل المحجوب إلى مرحلة جديدة هى مرحلة العمل السياسى السافر فى دعم مطلب الاستقلال. وقد انتهت هذه المرحلة بانضمامه رسمياً إلى حزب الامة.

بروف محمد إبراهيم أبوسليم, المحجوب حليفا لحزب الأمة (مقال نشر في عام 2018).


----------------
* في أحداث مارس 1954, والتي مات فيها العشرات تحدث محجوب عن الجبهة الإستقلالية (راعيها عبدالرحمن المهدي), كما حزب الأمة وتداعيات الأمر باقتضاب في أقل من صفحتين, دون أن يذكر أنه شخصيا كان ممثل الدفاع (ومعه آخرون) عن المتهمين من حزب الأمة, وعلى رأسهم, كما لم يذكر محجوب بالطبع الصديق المهدي, والد الصادق المهدي. معلومة تمثيل محجوب للدفاع ذكرها فيصل عبدالرحمن علي طه في مقال بموقع سودانيز أونلاين في عام 2014. علي طه يبدو أنه لاحقا في مقال سودانيز أونلاين عمل نقلة في موقفه من, كما استيعابه لأحداث مارس (كما وكيفا) في كتابه الأسبق, من أوراق عبد الرحمن علي طه.
 
التعديل الأخير:
تنويه: قمت بترقيم الهوامش إبتداء من هذه المشاركة, وسأفعل نفس الشيئ بالتدريج مع كل المشاركات السابقة, حتى يصبح الأمر أنسب للبحث والمحاصصة, والنشر بالطبع

للتمهيد, رواية محجوب لحادثة الإستقالة الأولى ذكرها في كتابه الذي بين يدينا في ص. 40, لكنه هنا يقول بإنه قدم إستقالته فرفضت, وعوضا عن ذلك ُنقل إلى كسلا. سواء الرواية التي أوردها أبو سليم, أم رواية محجوب, فما يسترعي الإنتباه هو إرتباط ظروف الإستقالة (سواء الأولى أو الثانية12) بحصوله أو فشله في الحصول على رخصة ممارسة المحاماة. على أحسن الفروض فالأمر يدل على سوء تقدير محجوب للأمور, أو العزوف عن تغيير الفعالية السياسية إن استدعى التغيير تضحية مهنية, أي عدم القدرة على ممارسة المحاماة. في كل الأحوال, نستطيع القول, هذا عقل متقلب لا يبدو أنه يزن خياراته جيدا.

أما بشأن تحول نشاطه من المحسوب سياسيا, إلى السياسيّ الفعلي داخل أروقة السلطة حكومة أم معارضة, فقد بدأت حين ترشح (أو تم ترشيحه) لدائرة من دوائر الخريجين كمرشح مستقل في انتخابات عام 1954. إرتباطه هنا بُعَيد الإنتخابات هو بالجبهة الإستقلالية (الجديدة)13 التي مثلت المعارضة ضد حكومة الأغلبية (بقيادة الأزهري) وعينت محجوبا زعيما لها. هذا التعيين يمر عليه المؤرخون مرور الكرام. مثلا, أحمد إبراهيم أبو شوك لا يذكر سوى أن الجبهة الإستقلالية الأحدث نشأت من مشورة الإنجليز على زعماء حزب الأمة14 دون أن يربط الأمر بتبلور الجبهة إلى معارضة داخل البرلمان بزعامة محجوب, ناهيك عن ظروف ذلك التعيين. بينما أبو سليم يكتفي بالقول:

وفى الانتخابات الممهدة لاستقلال السودان انتخب المحجوب في دائرة الخريجين بعد مبارك زروق بينما مُني حزب الأمة وحلفاؤه بانكسار شديد نتيجة لفوز الحزب الوطنى باغلبية كبيرة. وقد اختارته المعارضة الاستقلالية زعيماً للمعارضة فظهر المحجوب في كل خطوات الإستقلال.
أبو سليم, سبق ذكره.


دون أن يقف وقفة متأنية عند ألـَق محجوب وبصْمتِه في كل خطوات الإستقلال؛ بينما يقول في شأن الجبهة الإستقلالية الأقدم (نفس المصدر):

وقد اخطأت الإدارة الانجليزية للمرة الثانية في تقديرها للمحجوب وظنت انها تكوّن عند الحاجة منه ومن آخرين جبهة معارضة لحزب الأمة. لكن هؤلاء كانوا إستقلاليين ويقفون مع السيد (يقصد عبد الرحمن المهدي, م.س) في جبهة واحدة.

نتساءل, أظهور (المحجوب) "في كل خطوات الإستقلال" من همة وكفاح الرجل أم قُدّر له؟

-----------------------
12. محجوب يذكر روايته للإستقالة الثانية في (الديمقراطية في الميزان) في ص.46 مقدما "تنازع الولاءات" بين الوظيفة القضائية ووطنيته سببا الإستقالة. لكنه, مثل رواية إستقالته الأولى, لم يذكر شيئا عن جزئية رخصة المحاماة, والتي أثبتها لنا بروف أبو سليم.

13. الجبهة الإستقلالية الأسبق تأسست في منتصف الأربعينات, وتحديدا في 1946 حيث أصبح محجوب سكرتيرها العام (الديمقراطية في الميزان, ص.46, كما أبو سليم, سبق ذكره) بعد إستقالته الثانية كما تقدّم.

14. The Anglo-Egyptian Sudan: From Collaboration Mechanism to Party Politics, 1898–1956
 
التعديل الأخير:
أعلى أسفل