حاج أحمد الطيب «لو كان مثلك يفتدى»

يوسف عوض الباري

:: كـاتب نشــط ::
لو كان مثلك يفتدى
في رثاء الشاعر الكبير الشيخ إبراهيم العبادي
ألقيت في حفل تأبين فقيد البلاد الذي أقيم في نادي الخريجين بأمدرمان أمسية الأربعاء 23 ديسمبر 1981م عليه رحمة الله ورضوانه


فقدت بفقدك قافيات الضاد
نجماً تألق في سماء بلادي

أو فارساً حمل اليراع مهنداً
ليخط خير مناهج ومبادي

أو معلما كل المعالم دونه
أو رائداً من خيرة الرواد

أو شاعراً تخذ القوافي ديدناً
كالدر ينظمها بغير عداد

فقدت بإبراهيم شيخ فحولها
من ظل دهراً ممسكاً بقياد

هو ثروة -والله - قل مثيلها
بل شاعر متعدد الأبعاد

ذاك الذي حفظ التراث لجيلنا
وتراثنا ضرب من الأمجاد

يا شاعراً ملك القريض ترنماً
وبراعة في عالم الإنشاد

يا بلبلاً بالشعر أطرب أمة
من معجبيه فياله من شاد

غنى فكان العود طوع بنانه
وبه سما عن سائر الأعواد

ما كنت إلا واحة في قفرنا
كالماء كنت لظامئ أو صاد

يرتادها في كل صبح فيلق
من صفوة الأدباء والنقاد

تاريخ أمتنا بكل فصوله
أوردته فنبغت في الإيراد

بوأته من روح فنك منزلاً
فبعثته من نومة ورقاد

وأقلت عثرته وكنت مجاهداً
حتى بلغت الشأو بعد جهاد

من كل شاردة جمعت خيوطها
جمعاً حوى لمناقب الأجداد

أما الحديث فكان حين تسوقه
سيلاً جرى متمخطراً بالوادي

تسعون حجة لم يزدك عناؤها
غير ابتسام دائم ووداد

أنفقت أطراف النهار مكافحاً
وقضيت جوف الليل رهن سهاد

وحملت أشتات الهموم مصابراً
فجنيت خير مغانم وحصاد

قد هزني نبأ الفجيعة هزةً
تفري -لعمرك - جامد الأكباد

موسوعة التاريخ إذ أعددتها
شعراً يضارع قمة الإعداد

تبقى على مر الزمان منارةً
لبنيك ميراثاً وللحفاد

ها أنت آثرت الرحيل مسارعاً
صوب الجنان الغر في استشهاد

كانت حياتك لا تقل تقشفاً
عن مسلك الرهبان والزهاد

أنى لنا بعد افتقادك موئل
تسعى إليه مواكب القصاد

أما خصالك والفعال فقدوتي
أما القصيد فعدتي وعتادي

ستظل نبراساً ينير طريقنا
نسمو بها لمدارج الإرشاد

وتظل ذكراك العظيمة في دمي
ويظل طيفك عالقاً بفؤادي

موسوعة حفلت بحشد معارف
فاقت على الرصفاء والأنداد

كنا نؤمل أن يطول بقاؤها
لننال بعض فوائد ومراد

قد كان خطبك في البرية فادحاً
ومن الخطوب نوازل وعواد

لو كان مثلك يفتدى لفديته
ولكنت أول مفتد أو فاد

لكن أمر الله فوق مرادنا
سار على خلق له وعباد

في كل أرجاء البلاد مآتم
لبست على إبراهيم ثوب حداد

كسيت من الهول المريع بظلمة
من هوله اتشحت بلون سواد

قلبت صفحات الرجال فلم أجد
شيئا يعادل سيرة (العبادي)

قد كان قمة جيله وعماده
واليوم قد أمسى بغير عماد

لا غرو كان فقيدنا مترفعاً
متباعدا عن زمرة الأوغاد

وعزاؤنا أن الفقيد وقد مضى
ببياض صفحته من الأحقاد

ما شابه حتى الكهولة شائب
أو شائن من لحظة الميلاد

تالله لم تلج العداوة بابه
بل لم ترقه معاقل الحساد

ومضى كما يمضي لغايته التي
يبغى فكان الموت بالمرصاد

حتى دعاه إلى المنية ربه
فأطاع ممتثلاً بغير عناد

ومقره الفردوس ليس بغيرها
فلقد أتاها حاملا للزاد

تقوى الإله تمثلت في طبعه
فنأي بذا عن خسة وفساد

سيظل إبراهيم حياً بيننا
حتى ينادي للنشور مناد

وبقدر ما أسدت يداه لأجلنا
تنهال بالدعوات منا أياد

لينام في رحب الجنان منعماً
بالحور في دعة وفي إخلاد

فقدت بلادي والأسى يجتاحها
نجماً تألق في سماء الضاد
 
أعلى أسفل