حاج أحمد الطيب «قصـــة قـلـب»

يوسف عوض الباري

:: كـاتب نشــط ::
قصـــة قـلـب

إلى الأخ العزيز (مولانا) الأستاذ الطيب عباس الجيلي، إلى شخصه الكريم، إلى حرمه وأنجاله وبقية أفراد أسرته وعشيرته، إلى أصدقائه وزملائه، إليهم جميعاً أينما كانوا، أهدي هذه الأبيات بمناسبة شفائه بعد إجراء عملية القلب وعودته بالسلامة- مع خالص تحياتي.
أخوك / حاج أحمد الطيب

يوم امتحنت فما استسلمت (مولانا)
ولا اتجهت لغير الله معوانا

ولا ضللت دروب الصبر تسلكها
فان في الصبر عند الهول ايمانا

ويوم اسمك الجراح مبضعه
ويوم اذعنت للأقدار اذعانا

ورغم آلاف من الأميال تبعدنا
كنا هناك زرافات ووحدانا

طرنا اليك على أوتار افئدة
تشدو بودك انغاماً والحانا

وأطرب النبل اذ يشدو جوارحنا
طرباً وكم غنى فأشجانا

ما قض مضجعنا الا قضيتكم
لو تعلمون فانها كبرى قضايانا

أجسادنا بقيت تجتر محنتها
حتى شغلنا بكم روحاً وابدانا

واهتزت الأرض من جراء هزتكم
أو هزها الأمر أرجاء واركانا

مرت بنا وبكم اهوال تجربة
من خوض ويلاتها ما كان أغنانا

أكفنا ضرعت لله في وله
والله يدرك ملتاعاً وولهانا

كان الدعاء من الأعماق منطلقاً
لله من أجلكم سراً وإعلانا

ولولا سفين من الايمان يحملنا
لا غرق اليأس بالأمواج دنيانا

ويلطف الله في قدر فنحمده
والشكر لله فيما كان أولانا

ومن سواه لدى كربٍ يؤازرنا
وعينه في صروفِ الدهرِ ترعانا

وكبوة (القلب) هذي ليس أولها
الا إمتحانا وآخرها اجراً وغفرانا

وانها حكمة المولى يقدرها
عزيز فمن بأمور الغيب أدرانا؟

والعوذ بالله من وسواس أنفسنا
والنفس تضعف للوسواس وأحيانا

سحابة ألهمتني رغام شدتها
قصيدتي هذه .. نظماً وأوزانا

فان في (الطيب) الآلاف تحضرني
من المآثر أشتاتاً وألوانا

لا يستطيع يراعي سبر غايتها
فحصرها أعجز الفصحى وأعيانا

من كان من شأنه أو شأن سيرته
ما قد علمتم فلا يحتاج تبيانا

صدق المشاعر بالأبيات أرصده
كشاعر أدمن التقريظ ادمانا

لكنه الصدق للتاريخ أذكره
كممعن في تقصي الحق امعانا

لولا الثناء على أمثاله لغدا
لا فرق بين الناس واللآناس لولانا

والفضل يجزاه عند الله صانعه
كحافز بامتداح الفضل اغرانا

اردت بالشعر أن أحصي مناقبه
فان في الشعر للأفذاذ اغرانا

ومهما نظمت فلن توفيه قافيتي
وغيرها حتى ولو اعددت ديوانا

ام (الطلال) لها منا بلا عدد
فيض التهاني التي شملت تحايانا

بنصر مبين بعون الله طوقهم
وما زال يغمرهم أهلا وجيرانا

فها هو اليوم في طلاب مجلسه
يبدو كعادته فرحا وجزلانا

ليملأ الدار من آيات حكمته
ونلقاه من بعد ما لاقى ويلقانا

وكان (فاروق) لا ينفك يتحفني
بما استجد وفي الاخبار سلوانا

لم يلهه أبدا ما كان يشغله
فما عهدناه في الاحداث ينسانا

وما كان (فاروق) الا أن معدنه
عنوان مسلكه قلبا ووجدانا

وكم تمنى كلانا أن نشاطره
ما قد يلاقي فما أولى وأحرانا

أحسست آلامه ابان حدتها
وعانيت من مثل الذي عانى

وقد أحس بها (الفاروق) حدثني
فامطرت من غزير الدمع عينانا

وكان (يس) والتوفيق حالفه
لم ينس بالأمس ما حملت وصايانا

حط الرحال بما كنا نؤمله
وسدد السهم تسديدا بمرمانا

لعلها لفتة من طبعه نبعت
أو أنها نفحة فاقت سجايانا

و (فاتح) قبل هذا كان خبرني
بما استقر قرارا في حنايانا

في كل يوم له الأفضال ينثرها
بلا عداد ومنها زاد اخرانا

لعله كان سباقا لنجدتنا
نبثه دون خلق الله شكوانا

أما (الرؤوف) الذي بنيت طبائعه
على المحبة والاخلاص بنيانا

فلم يدعني وإلا كان يسألني
ليوقظ السؤل للأشعار شيطانا

أفضي بهذا (لعبد الله) يخبره
بهذا وهل يستطيع كتمانا
؟
طافت بذاكرتي اطياف (حادثة)
كان الفداء لها أرضا وميدانا

تقاسمتموها وكنتم نخبة رضيت
من أجل رفعتها عزلا وحرمانا

وهذه بقيت ذكرى نرددها
وهي العزاء الذي ابقته ذكرانا

وعزة النفس للتاريخ مفخرة
في عالم باء يالله خسرانا

من كان مطلبه العلياء يعشقها
يروح من أجل ما يبغيه قربانا

قضيت عشرين مرتاحا لصحبته
فما رأيت له صنوا واقرانا

ولى القضاء فما اهتزت مبادؤه
عن الصراط فلا لانت ولا لانا

دور العدالة من أرقى شواهده
كقابض بزمام العدل ميزانا

ودأبه الحق يرضى تجاوزه
فكان للعدل والانصاف عنوانا

فخر القضاء بلا أدنى مبالغة
وهل أسوق لما أرويه برهانا

كأني به هكذا من يوم مولده
فظل تواقا لهذا الشأو ظمآنا

مراتع الصدق لم يألف تجنبها
مثل الالى الفوا زورا وبهتانا

عشرون مرت بها من وده صور
تزهو بروعتها دهرا وأزمانا

خبرته عبرها أو عبر أزمنة
لم يدر الاّنا ما حملته .. الاّنا

ما كدرت صفوها لليوم شائبة
حتى ظللنا بهذا الصفو أخوانا

ومنذ التقينا وهذا (القلب) أعرفه
ما كان يحمل في جنبيه أدرانا

من ذا يصدق إن الهم غادرنا
واقبل السعد إقبالا فوافانا

ففيه الكثير الذي أحببت من شيم
وهكذا دون خلق الله إنسانا

والحمد لله حمدا لا يضارعه
قول وبشرى لنا .. بالعود بشرانا

أهداك ربك من آلاء نعمته
وفضله خافقا أهديت (شريانا)

وتلك معجزة من عند خالقنا
إن شاء يأخذنا أو شاء أبقانا

أرى الاهل في (الجيلي) وقد فرحوا
كما فرحنا فبات الكل فرحانا

وإنها فرحة عظمى بعودتكم
عودة (القلب) خفاقا كما كانا

إنا سررنا بما ابتهجت به أسر
طارت بكم فرحا شيبا وولدانا

رأيت انجالكم والبشر يغمرهم
وكلهم بات يوم العود نشوانا

نهديك تهنئة حرى لأسرتكم
فالله أهداكها قلبا واهدانا

وان أبياتنا لاشك قاصرة
عن المقام الذي يعلوه (مولانا)

الخميس: 10 نوفمبر 1983م
 
أعلى أسفل