الهَمْبَاتة « الشعراء الصعاليك» في السودان { دوافع الهمبتة }

ضى القمر

:: كــاتبة نشــطة ::
دوافع الهمبتة

عاش العرب في السودان منذ ما قبل تصدع الاخدود الافريقي
الاسيوي العظيم عندما كانت اسيا وافريقيا قارة واحدة، ينداحون
في الارض، فلا تحدهم الا الجبال بين الفرس والترك والبحر الابيض
المتوسط غربا وعندما استشرى الجفاف والتصحر في شبه
الجزيرة العربية.

ثم راحوا يهاجرون الى وديان الانهار في العراق
والشام ومصر والسودان، وظلت الهجرات العربية تتواصل الى
السودان، وكانت اخرها هجرة حمير قبل الاسلام بخمسة قرون.

الامر الذي يؤكد ان الوجود العربي في السودان لم يكن امرا طارئا،
وواضح ان العرب لم يعيشوا في المنطقة الاستوائية من السودان
بل استوطنوا شرقه ووسطه وشماله وغربه.

وعندما وفد العرب الى السودان بعد الاسلام عاشوا فيه كما كانوا يعيشون
في جزيرتهم، وظلت حياة الترحال وراء الماء والكلأ هي ديدنهم وحمدا لله
ان الباحث قد استرشد باشعارهم، وهي «عربية فصيحة» فلينظر الاقحاح من
العربان في نسبتها الى جذورها في احرف لسانهم السبعة.

وقد توارث العرب في السودان الالتزام بقيم القبيلة وتقاليدها واعرافها
ومعاييرها الجماعية، وكما قلنا فان تفشي الجهل اواخر السلطنة
الزرقاء وسياسة التجهيل التي طبقها الغزاة الاتراك والانجليز، وضعف
الواعز الديني الناجم عن الجهل بالدين «الهمبتة» مكان الاعتزاز
والفخر، ودليل على الشجاعة والبسالة والاقدام والنبل والكرم
الفياض.

وهي تكسب صاحبها تقدير واحترام القبيلة والمجتمع،
حتى ان بعض القبائل لم تكن لتعترف للشباب ببلوغ قدر الرجال اذا
لم يمارس الهمبتة، وكانت القبائل تتفاخر بهم، وتحتفل بهم حين
يعودون بعد رحلة موفقة، ذلك انهم يشركون في كسبهم كل
محتاج في القبيلة من الأيتام والأرامل والمسنين والفقراء،
كما ان الهمبتة كانت تكسب الرجل اعجاب الغواني..

فالرجل الصنديد «الولد» الذي يخاف ان تكومه القبيلة وتعيره بالخوف،
عليه ان يمتطي «يخلف ساقيه» جملا فحلا« تيسا» رقيق الفم
«قدومو» فاما ان يأتي بمال يرضي الظبية «البهم» ذات الرضاب
الذي يقطر عسلا« لهيجو مسكر»

او ان تثكله نساؤه يحثو الرماد على رؤوسهن
«وهي عادة كانت سائدة في السودان عند موت»
عزيز حيث تملأ الاقداح بالرماد، وتحثوه الباكيات على رؤوسهن.

ان الباسل الذي يريد «بدور» ان يحظى بشكر القبيلة عليه ان يركب
ويتوغل «يتوكر» في بلد العدو، فاما ان اتى «جاب» بما يرضي
الظبية ذات الرضاب المطعم بالسكر، او قضى وتبخترت الصقور
الصلعاء فوق جثته وصوتت «اب صلعة تيتل وكركر»!!

وواضح ان المرأة زوجة وبنتا واختا وأما وخليلة في حالة حضور دائم في
وجدان «الهمباتي» بل هي سبب رئيسي لاقتحام المخاطر وركوب
الصعاب، اذ هي الواحة التي يعود اليها «الهمباتي» من حياة المخاطر،
فتنسيه كل ما عانى من أهوال قاتلة ومشاق مرهقة، وفي كل
اشعارهم يتضح كمون المرأة في وجدانهم، ووراء مجازفتهم
بانفسهم من اجل اكتساب ودها!!
 
أعلى أسفل