المحطــــــــةُ الأخيـــــــرة في سفــــرِ العمـــــر

Mansour

:: كاتب نشـــط::
المحطــــــــةُ الأخيـــــــرة في سفــــرِ العمـــــر

سأبدأ اليوم الكتابة من جديد
سأحمل ريشتي ودوايتي ملؤها ليس حبراً ولكن دموع ،،،
فريشتي قصت من جناح نسرٍ بريٍ حمل أوجاعه لأقصى قمة لا ينوي الرجوع ،،،
ورسائلي وكتاباتي ليست إليك
قد تكون عنك، ولكن ليست إليك
سأكتب أوراقاً ملونة وأضعها في زجاجاتً سوداء كلون الحزن في قلبي، وأرمي بها في البحر، علّ الموج يأخذها لشاطيءٍ نائيٍ يستلقي به عاشقٌ مجروحٌ مثلي،
يبحث في طيات ملابس غربته عن بعض كلماتٍ يبعثرها على خدِ حبيبٍ غدرَ فغادرَ ميناءَ روحه ِوتركَهُ تتقاذفُ أذنيهِ صافِراتُ الرحيل ...
سأكتب للسمك في البحر،
فللسمكِ أقصر ذاكرة في تاريخ الكائنات، عندها سينسىى ما قلت ولن يمل من شكواي وأنيني،
وسأظل أكتب له كل يوم بعمر ذاكرتي أنا التي لا تحفظ سوى ذكراها ...
تلك التي علمتني معنى أن تتقاذفك قطارات الحب عند كل المحطات ، فلا تجد مستقبلين ولا مودعين، بل ولا ركاب سواك ..
وحدك تجلس على قارعة الحديد تنتظر أن ينادى باسمك أن تقدم، ثم لا تلبس أن تسمع هوهوة قطارٍ آخر أن قم، فمحطات أخرى (بلا ركاب) تنتظرك ..
(ثم سافرنا على أيامنا أغراب
لم يودعنا بها إلا الصدى
أو نخلة تبكي على الأحباب) ،،،، مظفر النواب

سأكتب على جناح الفراشات علها حين تحط على أزهار الصباح، تضع حروفَ لقاحِ قصائدي على الورود، فتتفتقُ حينها أزهار (هالفيتي) السوداء التي على ندرتها ستزهر بالآلاف لأن لقاحي أسود مستمد من حروفي السوداء التي تصف حزني الأسود ....
ورغمها، لن أكتب إليك
حين أخبر العالم بحبي وحنيني إليك، لن أكتب إليك
حين أصف إنسدال شعرك فوق كتفيك، لن أكتب إليك
حين أصف إحمرار الكرز على خديك، لن أكتب إليك
حين أُعلم النحل صنع العسل كالذي بشفتيك، لن أكتب إليك
وحين أقسم بالعشق واصفاً توقف قلبي عند أول حرفٍ خطته إلي يديك، لن أكتب إليك
فقد أصبحت الكتابة إليك مؤلمة جداً ..
كل حرف كأنما ينتعل ألف حذاء، ويطأ على جرحٍ غائرٍ لا يبرأُ ولا يزال ينبضُ بالدمِ .......
الكتابة إليك تحتاج قبل الحبر إلى ضمادات وشاش ومطهر للجروح !!
قد تسألين لماذا؟
أبسطها لا أعرف بأي صفة أكتب لك
أنا أعرف لمن أكتب
ولكن كيف تقرأين رسائلي
أنا أكتب لحبيبتي، ولكن من تقرأ هل تقرأ لحبيبها أم ......
أنا أكتب لأصف شوقي ولهفتي، ولكن من تقرأ هل يصادف ذلك شوقها ولهفتها؟
أم أكتب وأكتفي بوخز الحروف على جرحي، وأستنشق الصمت من جانبك ؟
أهون لي وأرحم أن تقولي لي كف حبك وأغلق عليه ودعك مني، فما كنت لك ولن أكون
عندها أغلق على نفسي ألف باب وأبكي جنازة قلبي لوحدي وأضحك أمامك بكبرياء، علك تدركين أن الموت ضحكاً في محرابك يشبهني تماماً ،،،،،،
قال الشاعر (عاطف خيري) يوماً ذات تجلي: (أجملُ الناجين من الذبحِ صار يعبدُ خنجراً)
ولأنني الناجي الوحيد من إعصار عشقك وطوفان حبك، صرتُ أعبد كل ما له قرابةً بحذائك ....
فبحذائك إرتميتُ أول ما رماني الوجدُ، وهو آخر ما سأرى منك وأنتي تلملمين بقايا أثمالك من قلبي وترحلين
فإذاً بين ضفتي حذاءٍ كانت قصتي معك
لا أدري لماذا ننتظر أحباءنا ليغادروا لنملك الشجاعة كي نكتب لهم بين شراعي الحب والوله كل ما حملناه لهم من حب وشوق وحنين ولوعة وغضب وعتاب وغيرة وربما بعض الألم؟
وبما أنني أُتخمت يقيناً برحيلك ومغادرتك قطاري الوله ونزولك كعادة المحبين في محطة غير محطتك التي كتبت بالتذكرة - مع إني لم ولن أكتب لك محطة نزول- فلن أنتظر رحيلك كي إبدأ بالكتابة إليك، فحينها سأنفق ما بقي من عمري في محاولة الشفاء منك كي أكتب لك ....
وللشفاء من حبيب وتضميد جرحِ مروره بثنايا روحك ،لا يكفي ما تبقى من عمرك كي يرتق هذا الفتق فيك، وإنما يلزمك أعمار وأعمار وأعمار،
أو أنْ تكون من قومِ نوحٍ -عليه السلام- فتقضي ألف سنةٍ إلا سويعات حبك تضمد جرحاً علّه بعد ذلك أن يطيب ،،،
جرحٌ كلما آنست منه شفاءاً وذبولاً وشى بك عطرٌ كعطرها لذاكرة النسيان فوهبك سكيناً تفتق به جرحك لوحدك كأنك ما تفتأُ تشتاق مسامك للجراح ...
وسخرية الأقدار تحتم علي دوماً كلما أيقنت بالشفاء منها، إذ بجرحٍ جديدٍ يذكرني كيف هي طعم الدماء في فمي …
يخبرني أن ترجّل من كبريائك الزائف وأبكي على كل المحطات التي عدت من بعدها دونها،
دع أطفال المناديل تكسب قوت يومها من جراء تلك الدموع ،، فمحطات عمرك لا تربو بها تجارة غير تجارة الإنتظار ،،،
انتظار من لا يأتي في مكان لا يمت للأفراح بصلة دم ولا قربى ولا يعرف غير طعم النزيف ….
في كل حادثة عشقية، وعند الشفاء منها نجلس لنتذكر كيف تورطنا فيها؟
رغم تمام يقيننا بكامل الخسارة، ولكن نصر بوعي كامل أن نرمي بقلوبنا للتهلكة
ما من حادثة عشقية قد تخرج منها منتصراً سليم القلب مبتسم الفؤاد ...
قلبك أيها الراعي صار أثمالاً بالية، لا يصلح دثاراً ولا إزار، إذا غطيت به رأس العشق، خرجت أقدام الخيبة تكيل لك الركلات، وإذا سترت به أطراف ولهك، أخرج الهجر لسانه ساخراً من يقين تمسكك بالإنتماء لهذه الصحراء العشقية، إيثارك الموت حد العطش عشقاً، على عيشك خاوي الفؤاد سليم الجراح ...
ولهذا لا أذكر كيف تورطت فيك سيدتي،،
لا أدري كيف نسجتي حبال عشقك حولي ،
لا أدري ما الذي جعلني أسعى سعياً كي أعلق عنقي بحبالك ،
وتجاهلي لكل صافرات التحذير التي ضجت من حولي: أن قف أيها الساعي لحتفك ،،
أما كفاك كل الألغام العشقية التي أصابتك في كل مرة ورطت بها نفسك؟؟
ألا تنذرك آثارُ الحبالِ حول عنقك ؟
آثار من تسلقت قلبك قبلها ونشبت آظافرها على جراحك تنبشها لتدميها أكثر ....
لا أذكر ... لا أذكر
ولكن يكفيك أن تعلمي أني تورطت بملأ إرادتي، تورطت فيك وأنا أعلم أنك عصية المنال، بعيدة المدى، محصنة الفؤاد
وأن هذا القطار هو قطار حتفي الأخير
فما من محطات بعدك ولا من ركاب ولا مسافرين ولا دموع
ها أنا آتيك عاريًا حتى من أقلامي وأوجاعي، فلا كتابة بعدك ولا أنين ،،
ولا أشواق قبلك ولا حنين ،،
فلم يعد في العمر مزيدًا من القطارات ولا المحطات ،،
كان بالإمكان أن أبدأ بصياغة آلاف القصص حول عشقك ، وما أحلم به من أجنة أقذفها في قلبك فتنجبين لي أطفال فرح الكلام ، وشهي اللقاء، ورعشة اللمسات،،
أن أحلم بك في أوراقي تتمشين بين الضلوع وخلف الزفرات،
تضميني إليك ويضم الشوق كلانا فنتماهى منديلًا عند كل المحطات نشاور لكل من ضل الطريق من العشاق ..
أن أراك تدثريني بشعرَكِ في أشعاري، فتصبغ كل خصلة منك لون السماء بالبنفسج وتتفتح في الحقل الأزهار …
ولكن!!
وآه من لكن ،،،
لن أفعل شيئاً غير أن أهديك حزمةَ أقلامٍ وأسطرٍ معدوداتٍ، وأترك لك أن تكتبيني كما شئتِ ،،،
عله يكون كما أشاء ،،،،
 
أعلى أسفل