المجموعة الكاملة لدواوين { ودالرضي }

ضى القمر

:: كــاتبة نشــطة ::
المجموعة الكاملة




ديوان ود الرضى





إعداد




الطيب محمد ود الرضى
2010 م
















 

بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمـة
بقلم الطيب محمد الرضي


ولد الشاعر محمد ود الرضي بالعيلفون عام 1884م من أب ينتسب الى قبيلة العسيلات (الرفاعيين)
وام تنتسب الى أسرة الولى الصالح الشيخ إدريس ود الأرباب (المحس)

نشأ وترعرع بالعيلفون وتلقى أولى جرعات المعرفة بخلوة الشيخ إدريس ود الأرباب بالعيلفون
ثم انتقل مع والده إلى أم ضواًبان فاكمل حفظه القرآن الكريم بخلوة الشيخ العبيد ود بدر
على يد الخليفة حسب الرسول ود بدر.

قرض الشعر وهو طالب بالخلوة ولم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره
وقد تأثر في بدايته الشعرية بالنمط الشعبي المسمى بالدوبيت نظمه متغزلاً ومادحاً وواعظاً ومرسلاً بعض الحكم،
وله في ذلك قصصاً كثيرة تروى ووقفات مع الخليفة حسب الرسول ود بدر الذي أطلق عليه لقب تنبيه الغافلين.

نظم على نهج الدوبيت في بدياته الشعرية لكن عبقريته الشعرية ونبوغه المبكر جعلاه يختط لنفسه أسلوباً جديداً ونمطاً مغايراً
للنمط السائد خاصة في مجال الشعر الغنائي والنسيب.

فقد كان الطنابرة يتغنون بالبيت الواحد أو البيتين مع التكرار، معتمدين على الايقاع الصاخب والمثلثات والعصي مع الصفقة
بالإضافة إلى الأصوات القوية الصادرة من الحناجر بنغمات متواترة ومتناغمة على أربعة أنماط
- الخفيف – المتوسط – المشيقح – والتقيل.
وكل له وزنه الخاص به وإيقاعاته مثال ذلك من المتوسط.

الليل ياليل الليل ياليل الليل ياليله
جات تمشي الرتوع الليله درب أثنين
كالضابط المركب تاج ودبورتين
النقرابي كتل الفيل درب يومين

أخذ من الطنابرة أسلوبهم فنظم عليه القصائد الطوال التي حالما تلقفها الفنانون وشدوا بها إبداعا وترنيما
وفي مقدمتهم الفنان عبد الله الماحي
فذاع صيتها وبدأت بها شهرة – ود الرضي الغناي –

وأولى قصائده في هذا المجال قصيدة جاري ثم تبعتها قصيدة بت وهب وجده وصرت كالفاني وغيرهن.
 
اشتغل ود الرضي في الزراعة
وكان يقوم بزراعة الجروف على ضفاف النيل الأزرق بقرية أم تكالي موطن ومقام والده،
أما في فصل الخريف فكان يقوم بمساعدة والده في زراعة الباجة – وهي مساحة محددة من الأراضي -
يعتمد في الزراعة فيها على نجاح فصل الخريف.

كبر شاعرنا وكبرت معه مسئولياته وأخذ ينظر إلي الحياة نظرة مستقبل مرجو والي المستقبل نظرة شاعر طموح
لا يألوا جهداً في سبيل أن يتبوا مكانة أسمى ولم يرضي طموحه
عمله كمزارع صغير يعتمد في زراعته على نجاح فصل الخريف فشد عصا الترحال في أول هجرة له إلى العاصمة
حاملا معه سلال القرع متلفحاً بالتوب الزي المعروف في تلك المنطقة.

تعرف أول ما تعرف من الشعراء بالشاعر احمد حسين العمرابي
الذي كان يعمل ترزيا في دكان والده نمت بينهما صداقة متينة ساقته إلى مجالس الشعراء فتعرف على العبادى
الذي أوصله بدوره الي بقية الشعراء البارزين أمثال
الخليل وأبو صلاح والمطبعجي
وأخذ يؤم مجالسهم ومنتدياتهم الشعرية التي كانت تقام بالمقاهي وبعض منازل التجار المشهورين بالخرطوم وأم درمان.

كان كل شاعر يرغب في الانضمام إلي سلك الشعراء عليه بالخضوع لامتحان يضعه له أحدهم فتعين علي ود الرضي ذلك
فنظموا له مربعا في حرف (الزاى) مع تكرار الحرف داخل المربع إمعانا في التعجيز وقيل أن ناظمه الشاعر عكير الدامر
وقيل العبادي ونحن نرجح العبادي لما عرف به هذا الشاعر من سلاطة في اللسان وقوة في السبك يقول:

عكت جات تميل من الأرض خزَّازه
زينت الخلقة داب ماحسبن بزَّازه
دارت ليها داروه الفي الرزم عام زازه
شفنا الدقة والزرزور فصل حزَّازه
فلم يتردد ود الرضي بل أخذ القلم وكتب على التو:
قاده غزيز زراقه زاولنا جيده غزازه
صارت تعترينا جنان وصرنا جزازه
صرنا كزى زوال والقلب ذاب واتزازه
زارت الزام زبرجده من فميله غزازه
 
هالتهم شاعريته وسرعة خاطره فأجازوه بالاجماع وانخرط في عقد الشعراء
من حينها أخذ يتردد على منتدياتهم وكان دوامه الدائم منتدى شعراء الخرطوم بدكان الفاضل الشيخ
ومنتدى قهوة الواثق ثم قهوة حسن الخليفة و غيرهم – في أم درمان -

ويؤمها من الشعراء العبادي وعبيد والعمرابي وسيد و غيرهم ومن الفنانين عبد الله الماحي وسرور و غيرهم ،
ومن الطبيعي أن ينسجم معهم وتصبح له مكانة بارزة بينهم لفتت أنظار المطربين فغنى له سرور دمع المحاجر قرن

أولى قصائدة وغنى له عبد الله الماحي قصيدة حبابو للكدر زايل والسلام يا روح البدن
كما غنى له إبراهيم عبد الجليل أحرموني
ويلوحن لى حماماتن وفي عهد ازدهار الحقيبة وسموقها

اشتهر ود الرضي بالرميات التى لا يكاد ينافسه فيها احد من الشعراء وكانت تجد الاستحسان عندهم وعند الفنانين.

أخذ ود الرضي يتردد بين أحياء العاصمة حاملاً سلال القرع ولكن نفسه القلقة لم تتركه يهنأ ولم يهدأ له بال
فأخذ يتحين الفرص حتى لاحت له فرصة للعمل في خزان مكوار (سنار) وقيل سيق لأمر سياسي وقيل لأمر اجتماعي
وقيل للاثنين معاً،
وعمل بخزان مكوار حال إنشائه عام 1919م في وظيفة رئيس طلبة فكان ذلك مفتاحاً لبعض ما تمنى
ولمستقبل يرجو إلا أن القدر كان له بالمرصاد وكأنه لم يرد له أن يهنأ فلم يطب له المقام في مكوار
إذ لم يجدها كما تصور وخاصة أن طبيعة عمله الجديد تتطلب وجوده على استمرار
بعيداً عن الأحياء السكنية والتجمعات السكانية فعاش حياة موحشة افتقد فيها لياليه السامرة.

مكوار الظلام بى ظبية ما ضفتينا
ولا بى طيف خيال الناعسات طفتينا
لسنا من عسكرك لو تنصفي ترفتينا
والمستاذي يؤجر صبر يا مفتينا

لاقى في الشفاء ألوانا و ذاق و من معه صنوف العذاب و مرارة الغربة فبكي الفراق واشتاق المزار
فنذر نذرا ضمنه قصيدة متى مزارى.

وهو في غربته هذه وعذاباته تلك يعالج بالشعر مرارة الاغتراب ويناجي في لياليه خيالات الحبيب
أتته رسالة من صديقه الصدوق ورفيق دربه عباس ود كندورى مشفوعة بفوطة من الكستور الجميل
مملوءة بالكعك والخبيز وبعض الحلوى زاداً له في غربته هدية.
 
من أحبائه بام ضواًبان.
أثرت الرسالة في نفس الشاعر وأثرت قريحته بجيد أشعاره فنظم قصيدة مشيراً فيها لصديقه عباس بحرف العين.
يا (ع) شوقت قلبي وهن دموعى يصبن
يا (ع) تركتني وكأني ملقى في جبا
تذكاركم ايا (ع) بفاكهة وابا
الله والكسيتير كدت أبلعه حبا

يشده الشوق إلى أحبائه والحياة التي تركها ولم يجد متنفسا ينفث به ما في صدره سوى الشعر والمناجاة وحلو الأمانى
فتلوح له في الأفق حمائم فيناجي ويصدح وتهمى دموعه حرى..
يلوحن لي حماماتن ومن ثم لم يجد له ملاذاً سوى ان يحمل الطير رسائله ونفاثة صدره.

يا طير إن مشيت سلم على البنحبه
وخصَّ بذلك ناس المقرط حبه
قول ليهم مكوار مجينا ولا رحَّب بُه
والبطيخ بعد ما ناكلو بنقشِّر حبه

هكذا عاش أيامه قلقاً لا يهدأ له بال ومغترباً يرجو العودة، قضى على هذا الحال ما يجاوز العامين
عاد بعدها على أجنحة من الشوق محملاً بأجمل الهدايا وارقى العطور والأماني الطيبات
ولكن للأسف يجد القدر قد خبأ له لتقابله زوجه سافرة دون وجه حياء و دون احترام لرباط الزوجية
فهاله الأمر و اصيب بصدمة و خيبة رجاء إذ علم أنها طلقت منه. طُلِّقت من الشاعر (الصائع) فكتب متأسيا.

تاريهم النجوس دار الحلب نزلوها
أوصاف الرزالة على النسيب بذلوها
على إيدن براهم طبعتن عزلوها
إن غبت ساعة تلقى مخدتك غزلوها

هجر الزواج وفكرة الزواج سنينا طويلة رغم إلحاح ذويه وفي عام 1938م
اقتنع ود الرضي بالزواج فتزوج (بتول) بنت أخيه محمد على موسى
وأسس لها منزلاً كبيراً بام تكالى ليكون بجوار والده و لم يدم فيها طويلاً إذ حكمته الظروف للرحيل إلى أم ضواًبان
فعاشا بقية عمرهما هناك وأنجبا من البنات اثنتين رحمة والدلسة ومن البنين اثنين الطيب والرضي
وكأن الزمن لا يريد له الهناء و لا حياة الاستقرار ففاضت روح زوجه عام 1951م
فحزن عليها حزنا عميقاً ولم يفكر بعدها في الزواج إلى أن توفاه الله فعاش على ذكراها وكتب وغنى.

ست البيت بريده براها
ترتاح روحى كلما أطراها

الدارس لشعر ود الرضي يجده ينطلق من تراث قومه المتمثل في العقيدة والأخلاق ويتجلى ذلك واضحاً في شعره
عموماً من غزل ومدح ورثاء وهجاء ساعدته في ذلك تربيته الدينية ونشأته الريفية وانطلاقه منها،
ويلاحظ أيضاً أثراً يبدأ ضئيلاً ثم لا يلبث أن يشتد ويقوى ويكون له صدى عميق الرنين في شعره،
ذلك هو الأثر الاسلامي. فكثير من تعابيره الشعرية والفاظه تكاد تكون صوفية المنشأ
فالدراسة الدينية التي تلقاها في الخلوة وعكف على تنميتها والحياة التي عاشها في الظلال الصوفية
بامداحها وأذكارها لازمته في نظمه وظهرت سماتها بارزة وواضحة في جميع قصائده بلا إستثناء
وليس أدل على ذلك من قصيدة أحرمونى التي بدأها بإشارة لسنة من سنن الإسلام وهى السلام .

أحرموني ولا تحرموني
سنة الإسلام السلام

أما قصيدة بريدك والتي نظمها في الستينات وعمره قد تجاوز الثمانين
نجد ذلك الأثر قد تمدد وظهر في تعابيره وألفاظه القرآنية وإشارته الواضحة ورموزه.

تميس متزنه خطواتك مشى الناسك على المنبر
حماك قرينك المسلم إذا فلنبك نستغفر
أبكي علي الثلاثين وأندب جلسه البكر
أسليها بماضيها إذا ما كنت بتذكر
وافرح بي شبابنا يعود يوم الوقفة في المحشر
كلانا في عقدنا الثالث فراحى بحظنا الأوفر
نلبس سندس الجنة جوار الزهرة وحيدر
هناك لا نجوع و لا نعرى شباب لا نموت و لا نكبر
 
إن الفترة الأولى من حياته تركت علامات عميقة اتسمت بها شخصيته

فيما بعد وجعلته يستفيد من تنقله بين القرى في البادية ومخالطته لسكانها مما زادت به تجاربه في الحياة
وفتحت آفاق نفسه على معالم من حياة جديدة حتى إنقاد له الشعر على الفطرة

فحمل لواءه مجدداً ورائداً واستطاع وزملاءه شعراء الحقيبة العبور بالشعر الغنائي من مجال الدوبيت
الذي كان ينتظمه آنذاك إلى القصائد الطوال ذات المضمون والمدلول فكانت تجربة رائدة وناجحة.

وبعد.. فان الحديث عن هذا الشاعر على دربه الطويل الذي بدأه ليطول حتى يصير عمراً هو مجموع ما قطعه الشاعر
من حقبة زمنية تحكى عن تاريخ هذه الأمة الفنى والأدبي والثقافي والاجتماعي .

وان الحديث ليتشعب ويزداد لو انسرح القلم ليسجل بعض ذلك التاريخ الشعري ليربط بين النشأة والممارسة في حياة ذلك الشاعر
التي إمتدت حتى مساء الجمعة 28 ربيع الثاني 1403هـ الموافق 12 فبراير 1982م

ففي مساء ذلك اليوم الحزين أسلم روحه الطاهرة إلى باريها ووري جسده الثرى بأم ضواًبان في موكب باك حزين.

وإنه ليسعدنا أن نقدم للقارئ والدارس والباحث ديوان ود الرضي

أستطعنا جمعه من رواة ثقاة وبعض النصوص بخط الشاعر نفسه لنبدأ به حلقة من الشعر الغنائي
في بداية ونهاية متصلين بالشعور والجدان.

وفي الختام نشكر كل من ساهم في إخراج هذا الديوان
بالنصح أو التوجيه أو خلافه . و السلام عليكم و رحمة الله .





والله ولى التوفيق ،،،

 
عزيزي القارئي تعال نتفق بان محمد ود الرضي ليس بشاعر

وإنما حالة شعرية وشعورية ممتدة
انبجست من منابع ثرة دفاقه السلسبيل ،
كانت بداية الحالة حينما أدار الفكي الصغير محمد وجه لوح قرآنه يسطر علي ظهره أول منشور شعري نصه:

شيخنا قال لينا إتو حرفتو
أراكم يا مباديل كلكم هفتو
شيخنا إت كان شفتو
تجدع الكراس و الفكي تكفتو

وكان المنشور أيضاً جسراً للربط بين عالمين ، عالم يفيض بالجمال بكل ما فيه من بريق و جاذبية
وعالم يفيض بالورع و الزهد و التقشف .

لم يكتف الفكي الصغير بالتحديق بدهشة و إنبهار في عالم الجمال و إنما أراد أن يفتح حتي عيني شيخه
عليه بالإعتذار عن الهيافة التي دمغة بها .
و كان الربط بين العالمين هو مسيرة ود الرضي الشاعرية حتي نهاية المشوار ،
و قد نجح ود الرضي فى أن يصوغ منها عالماً واحداً لحم نسيجه لحماً لا تري فيه أثر رتق
فقد كانت إبرته ابرة بصيرة.

صاغ ود الرضي إطاراً رائعاً من عالم الورع و التقي و أودع فيه صورة الجمال المجسمة .
القرأن أمسك بجماع قلب محمد ود الرضي ، تجده يحلي به جيّد روائع غزله فلا تجد مناقضة أو نبواً لآية من آية يطرز بها قصيدة غزله
هنا و هناك ، فحبيبته نجم مضي تحفها حلكتان سواد الشعر و ظلام الليل رغماً عن هذا ينفذ اللألاء إليه
فلا يجد ما يستدل به علي هذه اللوحة الرائعة غير بيان أروع وأحلى – و الفهيم بالآية إستدل -

في نفس الوقت الذي تمتمت فيه شفتا الصبي اليافع بأبيات الغزل تدفقت الحكمة الرائعة
و اندست في شعر ليس بالموازي و إنما المتكامل .
و يريد عالم الإشراق الروحي أن يجوزه كاملاً فقد رأي فيه بذرة الشيخ ذي النفحات و البركات
و كان سعي - أمهاني - المبكر لتوثيق هذه الشاعرية في طريق – القوم -
فسعت به إلي شيخه وارث مقام الجيلاني حسب الرسول فأسرج فيه فتيلة الحكمة و البركة وأطلقه بلبلاً صدّاحاً
يغرد أنّي شاء في روض متعدد الأزاهر و الثمار .

حمل الفقيه الشاعر أو الشاعر الفقيه نار التقي من تقابة أم ضو إلي ساحة أم در فنظم دراً مضيئاً ، تحلي به جيد الحسان
- أحرموني - و اخترطه الثوار سيفاً من عزيمة عام 1924م فى حليل - الجيش الرحل – و -
مدير الري المضت أيامو- وقلادة أدخلها الزعيم غرفة الإستعمار - البي النفاق مفروشة - فدكها وتل عروشها .

طارت إلي الأفاق فراشات ود الرضي الزاهية فعرفت فراشة الغزل و يراعه الوطنية المضيئة وأشرعت نسور حماسته أجنحتها في سماء الوطن
ولكن بقيت درر كلماته مكنونة في أصدافها في الأعماق و ما أخرج منها كان نادراً
وهذا النادر دفع بعشاق أكوابه المترعة طلب المعتق النادر فكانت الانطلاق إلي جمع درر ود الرضي الغوالي .

ولتغلق عينيك عزيزي القارئ فسنقلب ود الرضي في حالة شاعرية وشعورية إلي نهر عريض ،
وصلتك أمواجه إلي الشاطي متكسرة ناعمة الخرير ، ولكن الآن ندلف الي قلب النهر وأعماقه وتياره المركزي الجياش
ما تفرع من هذا التيار كان غزلاً رفيعاً وحماسة دافقة قوامها الفخر والمدح والتغني بالوطن.

ولكن التيار نفسه هو جذور ود الرضي الضاربة الغور في تربة البصيرة التي يرفدها ورعه وتقاه ومنابعه القرآنية الأصيلة
التي عب منها واستقي. و شيخ نوراني عابد يوجه المسار .

هذا التيار في قلب بنائية ود الرضي الشعرية والشعورية التي لم ينفك منها أبداً وإن نسج علي أطرافها ما يشف من ضروب الشعر ،
و يتجلي التيار المركزي في شعر الحكمة والموعظة بعنفوان هادي و مرارة مرّة مستساقة
ربما كانت - الأهلية - هي البواكير التي تلاها ما تلاها و لكنها تشكل المدخل الصحيح
لنقد اجتماعي رائع لم تتغلب قتامة محصلاته علي رشاقة اللفظ وايحائه أو موسيقي الشاعر الجارفة
المتدافعة التي تخلق للمتلقي روحاً من التوتر تتسق مع المعنى المراد نقله. وهنا يبين الفاصل بين ود الرضي
وغيره من شعراء الحكمة والموعظة الذين درج معظمهم أن يعطيك ما يريد نقله مباشرة معتنيا فقط بايصال معناه

ولكن ود الرضي يعني بالرسالة المرسلة شكلاً ومضموناً وينتزع لما يريد ايصاله على مرارته
– صوراً نابضةً بالحياة فهو حين يوصيك بجارك والأقارب:

جارك واقرباك ما هم صفوف لكفاح
عامل بالهدوء لا بالسيوف ورماح
الحر العفيف لازم يكون صفاح
إذا رمى بالحجر فليرمِ بالتفاح
 
وبين الحجر والتفاح يكمن التلوين والنقلة الرائعة في الحالة النفسية
وتأتي النقلة وامضة ومشعة كشكة السهم، وهي خير كلمة موحية اختارها محمد المكي
حينما أراد إبانة مقدرات ود الرضي وجيله على انتراع المعنى وغرسه في دائرة التلقي الحي .

وذم الدنيا عند ود الرضي لا يفقد مسحة الجمال وتنوع الطعوم فيها ولكن يريعك ويخيفك بحطامها وحصادها وهشيمها:

إن سوتك مك لا يعجبك تمكيكه
مرة تنعنعك فوق هودجه وتتكيك
حالا ليك تعقب حنضلة وترويك
الليلة إن ضحكتك باكر صباح تبكيك

ود الرضي لا ينقد فقط وإنما يطرح البديل الذي به تتم إزالة التشوهات في الصورة الراهنة أو بمحوها ورسم صورة جديدة.

حسب الرسول، وما أدراك ما حسب الرسول،
هو عند ود الرضي باب الكنوز الإلهية ومرواد مكحلة النور، تتلمذ على يديه وآخاه وأحبه وتآمرا في الخير والوطن
سويا وخرج من سوح الفقراء إلى باحة المقاتلين عن كرامة الوطن ولكن كلاهما دثر نفسه في ثياب عدم البوح المباشر
فهى قيمة تربوية صوفية أكثر منها مبدأ تقية.

حسب الرسول سعى رسله يطرقون أبواب بيوت الثوار حينما أودت بهم مقاصل المستعمر وحبس بعضهم،
كان رسله في هزيع الليل يحملون الرواتب مالاً وعيناً لأسرهم.
بينما شد التلميذ ود الرضي أوتار لهاة شعر الجمر الغاضب - ياحليل الجيش الرحل -
و - مدير الري المضت أيامو -
ولا يصح الاسترسال في مقدمة الحديث ، وحسب الرسول مثبت في ديوان ود الرضى
نصحاً لا مدحاً فحينما كان شيخاً كان ود الرضي له ناصحاً واستزاد المنصوح من الناصح فسمي ود الرضي
بتنبيه الغافلين فيا روعة الأستاذ و يا إبداع التلميذ في إرساء خلق رفيع.

و يأتي نصح ود الرضي موشي بالحكمة والفطانة ويشكل برنامجاً متكاملاً لولاية بكل مافيها من مسئولية الراعي عن الرعية
ولم تكن نظماً بائخاً لأرواح فيه وبرنامج التكيف يبين في شمّر و اجتهد.

ثم بعد ابانة المنهاج يأتي التبصير بالمسئولية فى ات مجبور علي الكسلان تهمه.
ولكن يأتي الحافز كمدح مضمون ، للاضطلاع بهذا الحمل الثقيل في شطرة يختتم المنهاج و المضمون
- كل لله يكون لك تستلم كونك .

طبت ياحسب الرسول ممتدحاً ومنتصحاً وطاب تلميذك ناصحاً ومادحاً صادقاً فما أكثر متونه مستحقة الشرح
وما أكثر قوافيه وروائعه مستحقة الطرح ، جنياً لكل من هز جذع نخلة عطائه.

قارئي العزيز

انا صب مستغرق مفتونُ دنفَ بود الرضي وكثير البوح مخل مذل فأمامك مائدة ود الرضي الحميمة التي لايدعي لها
إلاّ الأصفياء الخلص وعباءة وجده ومواجده.

فان ذقت حلاوة نسايم الليل علي الأطراف ولبست طاقية حمراء اللون أخذت بها شبال أم زين
وركزت علي عكازة رجولة دافعاً مهر الشبال سياط العريس كالصاعقة بعد أن عببت من عيون مويتن ناقعة
توضأ وسنضع علي كتفيك عباءة البصيرة وادلف الي مائدة الحقيقة مهيئاً مجامر أسماعك لصندل الروح المعتق.




هاشم عبد الرازق صالح​
 
أعلى أسفل