الفصل السابع من رواية جديدة (ظلال وريفة)

فيصل مصطفى

:: كاتب نشـــط::
08-01-2015 09:42 AM


#تقاطع المفارقات# ( 7 )

كنت قروياً
شببت عن الطوق بين النهر والنخيل
لم أغادر القرية إلا بعد مبارحة سن البلوغ ...
أحببت القرية ، لكني عشقت المدينة
هناك فرق بين الحب والعشق
الأول فطري
والثاني إستثنائي
في القرية أحببت "فاطمة"
كانت تشبه "فاطمة السمحة" في أحجيات حبوبة آمنة ....
خلت نفسي "الشاطر حسن"
أمتطيت صهوة حصان من خشب الطلح ...
و أمتشتقت سيف من جريد النخل
حلق بي الحصان الخشبي في الأعالي !!...
خلقت عالماً من الأحلام
ظلت عوالمي تخفق في السماء و لم تهبط على الأرض !!!....
و حينما تخطيت عتبة دار أبيها
كسر الحراس أرجل ركوبتي
لم يبق لي سوى الخيال
إستخدمت خيالي إلى أقصى حد
وظفته ...
عوضت حرماني بالخيال !!....
حققته من خلال إستدعاء شخوص "بندر شاه" .....
في جزأها الثاني "مريود" للروائي الراحل "الطيب صالح"
جمعت أمها أنقاض حصاني الخشبي
و قالت
- ده طلح السرور ينفع لدخان "فطومة" في ليلة دخلتها على ود العمدة
عندما أراد "محميد" أن يتزوج "مريم"
قال الجد لحفيده (لا) ، كبيرة !!...
حينما حلم "الفاتح سلمان" بالإقتران ب"فاطمة السمحة" أُجهض الحلم لحظة تحققه !!؟....
لكنه لم يمت في دواخله
ظل عالقاً في ذهنه ، بعيداً و قبض ريح ، كمدائن السراب !!؟....
في لحظة ما
لحظة وسن عابرة
بين الحلم و اليقظة
إستعاد ألاعيب الصبية
صبية و صبايا
تحت ظلال النخيل
بجوار شاطئ النيل
كانت "فطومة" أحد طرفي الثنائي اللذان يمثلانه ضد الفريق الآخر في لعبة " دسوسية"
فكان عليهما الإختباء عن الأعين
وأخذها أخذاً
و أختفيا بين حقل البرسيم المتطاول الأعواد ؛؛؛
و دون أن يقصدا مس صدرها صدره
ما أحسه لحظتها لم يدرك كنهه
إلا حينما قرأ رواية "مريود"
و بلغ الفقرة التي تتحدث عن توصيف نهد "مريوم" بالشراسة ، هنا تلقى الوصفة الدقيقة لما أحس به و صدر "فطومة" ، يلامس صدره
نهد شرس !!؟....
هل تمتلك "رُمانة" مثل هذا النهد ؟...
لقد أخبرته وهي تحكي له عن أسرار البنات في السكن الداخلي ، أن أحد المشرفين في ورديته الليلية ، خمش صدرها وهي تعبر أحد الممرات لتروي ظمأها من مزيرة القسم الداخلي ، لا بد إنها وقتها وهي لم تغادر بعد سن الصبا كانت تمتك صدراً شرساً !!؟...
كان "محيمد" يدلل "مريم" فيناديها يا "مريوم"
و كانت تدعوه يا (تفاحة قلبي يا مريود)
و كنت أدلل (فاطمة السمحة) بقولي يا "فطومة"
و كانت "فاطمة" تهمس في حياء فطري يا (فؤاد القلب فتوح)
كان صوتها الهامس يطلق حمائم بيضاء تحلق فوقنا ....
بينما كان صوت أبيها يقرع صداه طبول الحرب !!...
خلال سانحة نادرة الحدوث
تلاقينا خلسة خلف حقول القمح
كان القمر في ليلته الرابعة عشر مستديراً كوجهها ، مضيئاً كوجنتيها
يرسل ضوءه الفضي على سنابل القمح
فينفجر لون الحنطة منعكساً على أعطافها ...
أخذت يدي اليسرى و وضعتها فوق صدرها الشرس !!...
لأتسمع عبر يدي خفقات قلبها البكر
أرتعشتْ يدي
و تصبب جسدي عرقاً على الرغم من هبات النسيم العليل التي كانت تضمخ الفضاء حولنا بعبير نوار أشجار الفواكه الآخذة في الإثمار ....
كدتُ أن أكاوشها و أقع عليها
و نذهب مذاهب شتى
لولا أن الواعز الأخلاقي
الذي تربينا عليه و تغلغل في نسيج الوجدان ألجم عناني ....
و أوقف تدفق الدماء الحارة في مجرى شرايني
عقب إمتلاكه لنوازعه
أدارت وجهها لتستجمع ما تشظى من أنوثتها !!؟...
ثم تبعها حتى أوصلها مداخل الدار الكبيرة ....
كانت تلك الأمسية آخر المطاف في قصة قصيرة
لم تستكمل أدواتها
و ظل فحواها عديم الجدوى
في نظره على الأقل
ومن يومها قرر الهرب
توارى عن سحر العيون
إحتشد بالصمت
كأن ديناه قد ظعنت عن مسقط الرأس بعيداً ...
فكان لا بد له أن يحمل عصاه و يرحل
هكذا إلتقط "فتوح" أنفاسه بعد أن أنهكه حبه العفيف لسليلة الحسب و النسب "فطومة"
ارتحل قسراً من أرضه
كنخلة أُجتثت من جذورها
و غُرست في قلب الوطن
كأنه استبدل الفطري بالاستثنائي
هل أنا رجل اسثتنائي أم فطري ؟...
"رمانة" كانت امرأة فاخرة !!...
هل يمكن أن تكون "رمانة" بديلاً ل "فطومة" ؟؟....
ما كان بيني وبين بنت العمدة حباً عذرياً ...
لعل (ابن الملوح و جميل بثينة و قيس لبنى) حلوا في جسدي و لم يبق في جسدي إلا إياهم !!؟...
لساني ألسنتهم
و عيناي عيونهم
و حسي إحساسهم
و شهوتي شهواتهم
و حينما إختل ناموس هذه المنظومة
و كدت أخرج عليها
سرعان ما إستجبت لروادعها
و إلتقطت أنفاسي ...
* * *
"مريود و مريوم" و نهدها الشرس يضغط على صدره ، يغطسان و يطفوان و هما متماسكان في لجة النيل
كلاهما شاهد على بهجة الحياة و مواتها !!؟...
كلتاهما بفعل مؤامرة الطبيعة و العرف الإجتماعي السائد تحولتا إلى مجرد أنثتين بين قطيع من الحريم !!؟...
"مريوم" رغم رحيلها المبكر ظلت رمزاً لزهارة الحياة و تجددها !!؟...
و "فطومة" صارت تذكاراً معلقاً في عنقي كتميمة ....
لا تبرح موضع فؤاد القلب مني
ظلت طوال إقامته بين رحاب القرية هاجسه الملازم له !!...
كدت أترسم خطي "الزين" حينما ضقت ذرعاً بحرماني من رؤية "فطومة"
و قفت في لحظة ما وسط سوق القرية و هممت بإطلاق عقيرتي
- يا ناس الحلة أنا مكتول كمد في حوش (الشيخ حمد) ....
لكن حبال صوتي تقطعت ونزف حلقي دماً !!؟....
و حتى هذه اللحظة لم أجد تفسيراً طبياً يشرح ما حدث لي ، ربما الأمر يتعلق بعدم فاعلية الأثر الذي يمكن أن يتركه صياحي لأنه تكرار ممسوخ لتجربة إنسانية صادقة ....
لا يمكن نسخها مجدداً دون أن تفقد طزاجتها !!...
فضلاً عن أن هناك فرقاً شاسعاً بين ( نعمة الزين )
و (فطومة فتوح)
الأولى قادره، فاعلة
و الأخرى عاجزة
و رغم عجزها الفاضح
أحببتها
لا لأنه تستهويه المرأة الطيعة، الهشة، المكرسة أنوثتها لرجلها الشرعي
و لكن ثمة سحر كامن بين أعطافها يسلبه لبه !!؟....
عيناها تشع بنداء خاص يقتحمه محرضاً له !!...
"خذني.. فأنا لك.. أرضاً بكراً.. إعمل فأسك في تربتي الخصيبة ، دون أن تعلق فعلك بمشاجب الأعراف !!؟...
لكنه لا يأخذها و يتوجس خفية من إعمال فأسه في أرضها الشبقة لأنه يراها هدفاً بعيد المنال !!؟....
لأني في لا وعي أريدها أيقونة
تُعلق على الجدران.. غير قابلة للأخذ
كأنها لوحة (الموناليزا) تُوضع في المتاحف !!؟...
حتى تهب المتعة البصرية عبر ابتسامتها الساحرة !!!....
لكل من يراها
"مريوم" دفنها "محجوب" و"محميد" في ود حامد ...
بعد أن غرس الأخير في قبرها شتله نخيل و أنا دفنت حبي لأيقونتي "فطومة" بين شغاف فؤاد القلب ؛؛؛؛
و حينما عاد "محميد" إلى ود حامد عقب غيابه عنها ، عدة عقود من الزمان وجد أن جريد نخلته صار يابساً وشاخت كما شاخ ، و شعرها تساقط كما سقط شعره !!...
أما "فتوح" فحمل نعش حبه بين الجوانح و نزح إلى مستقره الجديد حيث مركز الوطن و حاضرته المثلثة بمدنها الثلاثة ....
الخرطوم
طاب له المقام بين ربوعها
و لكن لم إنقطع من ضلعيها
بعض الأهل الذين نزحوا من الشمال و الأحباب و الأصدقاء كانوا يقيمون في معظم الأحوال بمدينة بحري بإعتبارها مقراً للسيد (على الميرغني) رئيس طائفة الختمية و أحياناً يفضل بعضهم الإقامة في بقعة المهدي !!؟...
" فتحية مرجان" حطتْ رحالها في أم درمان
"محمود منصور" ينحدر من العوائل الكبيرة التي كانت أول من سكن في حلتي (حمد و خوجلي) ببحري ، قبل أن ترتحل أسرته الصغيرة الى حي المقرن ،
أما "شول آدم" فقد ولج جدوده عبر بوابة "البقعة" في معية أنماط متباينة من البشر إبان الثورة المهدية ، كانوا أرهاطاً شتى من كل جنس و لون.. تمازجوا وتناسلوا ...
وحينما تزوج أبوه (آدم) من أمه الجنوبية أقاما في إحدى حارات مدينة المهدية التي أصبحت فيما بعد يطلق عليها مدينة الثورة و منذ مولده لم يعش في الجنوب . لكنه تربى تحت مظلة أم جنوبية أرضعته حليب الأسلاف وسطوتهم على الأحفاد و من جهة أخرى تشرب وجدانه بأعراف البيئة التي تمرغ بين أحضانها ، فظل هدفاً لقطبي الزنوجة و العروبة !!؟...
يتنازعانه
داخل تخوم الأم ، يتخاطب مع الأسرة بعربي جوبا
و خارج سطوة الأسلاف ينطلق لسانه دون عجمة أو حتى اللكنة التي تشوب لهجات بعض سكان الشمال أصحاب الرطانات .....
كان خطابه بيننا صافياً
يتحدث مثلنا تماماً
بلهجة أهالي أواسط السودان
بإختصار ، كانت لهجته خرطومية ...
حينما وطأت أقدام "فتوح" أسفلت الخرطوم ، خلع إهابه و لقبه هناك
بل سلخه و ترك جلده تحت تراب القرية !!...
كما دفن حب "فطومة"
و حمل تذكارها فقط
كتجربة عاطفية عابرة
كان لابد له أن يخوضها
كحبات البذار
التي توضع بين أحشاء مسامات التربة الخصبة
لتثمر لاحقاً وعداً و عشقاً و تمني ،
هنا في الخرطوم إختلفت الأحوال
و تبدلت الأدوار
و أعتلى خشبة مسرح أخرى
مغايرة تماماً للآنفة !!...
المحيط، الشخوص، الأحداث
الذكرى آخذة في التلاشي ...
في لحظة ما كنت بلا ذاكرة !!!
هل يمكن لحياة أن تكون بلا ذاكرة ؟
أن تكون حراً ، ينبغي أن تمتلك ذاكرة
لا حياة بلا ذاكرة !!....
الحرب ، الهزيمة ، الإنتصار ، تظل جميعها متناً للتاريخ
مجملها من صنائع الذاكرة
في البدء كدت أقبرها وإسترح
و أقيم حفلاً صامتاً لوأدها
لكن ذكرى (فطومة) المعلقة على عنقي
بعثت الحياة في رميمها
فأستعادت الذاكرة ، حياتي، صحوتي
فتفجر مخزونها متناثراً !!؟...
كمستصغر الشرر
لم يلبث أن صنع ناراً كبرى
أضاءت سراديب
و فتحت أقبية
و كفت دهاليز الأسرار الدفينة عن إغلاق أبوابها
صرتُ عارياً
إقتحم الأشرار أرضي
إستباحوها
جندلوا حراسها
نهبوا مقدراتها
باعوها في سوق النخاسة !!!...
ظللت في قارعة الطريق
تتقاذفني الريح
بلا مصدات
وسط سهوب صحراء بلا حدود
خُمدت دهراً
لم يذكرني أحد
القوافل تعبرني
لا شيء يستوقفها
ظللت هناك
أحثو التراب
مفتوناً بفجر كذوب
ضالعاً في نسج أضاليل الساسة
مسكوناً بفضح أكذوبتهم الكبرى
و لكنه يراوح بين خطي نعومة الإستكانه و ضراوة التصدي ...
* * *
[email protected]
 
أعلى أسفل