الفصل الأخير من رواية جديدة (ظلال وريفة)

فيصل مصطفى

:: كاتب نشـــط::
الفصل الأخير من رواية جديدة (ظلال وريفة)
09-20-2015 12:23 AM


#تتمة تطهيرية# بينما كان " الفاتح " يقرأ في صحف اليوم .... تناهى الى سمعه قرعاً خفيفاً
و قبل أن يصل "الفاتح" إلى المدخل
كان "شول" في لباسه الأبيض
قد ولج بصخبه و ضجيجه المعهود
عبر دلفة المدخل المواربة
إحتضنه العريس معاتباً
- أين كنت خلال اليومين السابقين
بينما يده الطليقة تهم باغلاق الدلفة المشرعة
إلا إن "شول" إستوقفه في مرح
- تمهل يا رجل
ألا ترغب في إستقبال مزيد من الضيوف ؟...
- طبعاً.. أين هم ؟...
- لا تجزع ليسوا هم
إنها واحدة فقط
ثم في نبرة مسرحية
- تفضلي على الرحب و السعة بالدخول
يا إبنة سلاطين (الدينكا)
جاراه "الفاتح" بذات النبرة
- سليلة سلاطين (الدينكا) عندنا
يا مرحبا يا مرحبا
إستكمل "شول" التعريف بالقادمة الجديدة
للإنضمام إلى شلتهم الآخذة في الإزدياد
- "مريانا" إبنة خالتي
و خطيبتي الحالية و زوجتي لاحقاً
و هنا تدخل "محمود"
الذي كان قد أقبل ليشارك في الترحاب
بقريبة صديقهم الحميم "شول"
- أليست هذه تلك التي أستقبلتها قبل عدة شهور ؟...
في مطار الخرطوم و كنت وقتها
متعجلاً ألا تلحق بها
كما قلت إنها وهي لأول مرة تأتي
من الجنوب إلى الشمال ؟...
- بل كانت هاربة
لم تأتِ بمحض إرادتها
قام أبوها بتهريبها في معية طوف
خوفاً عليها من الإغتصاب
ثم مستطرداً
- منذ أن أعلن هؤلاء الجهاد علينا
ظل أهلنا في الجنوب
من المدنيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل
في مآلات الحرب الطاحنة هناك
يهربون إلى الأمام صوب الشمال
و على أثر ما أحدثه قدوم "ماريانا"
من حفاوة و ترحيب
من قبل "الفاتح" و"محمود"
وبصوتيهما الجهوريين
أقبلت العروس و"علياء"
فأحاطها بمزيد من البشاشة والإهتمام
و أدخلاها معهما إلى المطبخ
حتى لا تشعر بأنها دخيلة عليهم
بعد أن وضعت أكياس الفاكهة الأستوائية
بينما واصل الرجال حوارهم
حول ما يحدث في جنوب البلاد
إلتقط "محمود" طرف الحديث و قال بغضب
- هذه محرقة أكلت خيرة شباب الوطن من الجانبين !!...
و دمرت ماتبقى من البنية التحتية
و صروح التنمية التي شُرع في إنشائها سابقاً
- ليس هذا فقط
ألم يوهموا هؤلاء المتدافعين بحماس أعمى ....
صوب الشهادة الزائفة
كفراشات الضوء المحترقة
بزواج الحور العين في جنة
تضمنها لهم سكوك غفران الإنقاذ
- و الفاجعة أن شيخهم بعد أن عزلهُ حيرانه ؛؛؛
فضح أكذوبتهمم الكبرى
و نعت قتلى محرقة الجنوب بأنهم مجرد (فطائس) !!!....
و عند هذا الحد كان جمعهم
قد إلتف حول المائدة المستديرة
تتوسطهم أطباق الأطعمة الدسمة
بألوانها المختلفة
و كان الإحتفاء بـ"مريانا"
يفوق الوصف
كل الحضور من نساء و رجال
يغمرونها بالإهتمام البالغ
ويقدمون لها مما لذ وطاب
من أصناف المأكولات الشهية
يحيطهم جو صاخب
من المرح و الحبور
تتعالى من خلاله
ضحكات محمود المجلجلة
و تعليقات "شول" الساخرة
بينما "علياء" تحاول عبثاً
أن تلجم عنانهم تحسباً لحرمة الجيران
ظلت "ماريانا"
خلال هذه اللحظات الفارقة
مبهورة بهم
وسعيدة إلى حد كبير
بحفواتهم بها و إلتفافهم حولها
غير أنها لا تمتلك من مفردات العربية
ما يعينها على التعبير
عن مشاعرها الصادقة
تجاه هذه الشلة الإستثنائية
التي تحتشد
في وجدانهم أنبل العواطف الإنسانية إحتشاداُ !!؟....
فتلوذ "ماريانا" بلغة عربي (جوبا) دون جدوى
فلا تجد في نهاية المطاف سوى الدموع
دموع الفرح و السعادة بلقاء الأحبة
بعد أن ذاقت الأمرين في رحلة هروبها العسيرة
بين الجنوب و الشمال عبر الأحراش و المستنقعات
بواسطة العديد من الأطواف
إلى أن أوصلوها إلى مطار (جوبا)
و ها هي الآن في معية "شول"
إبن خالتها و رفيق دربها
خلال مسيرة حياتهما المقبلة
تنعم بمذاق جديد لوضع مختلف
تستغربه و تكاد ترفضه
لكنها سرعان ما تميل إليه
و تستملحه حينما تشملها
نظرات "شول" الحانية بمزيد من العطف ؛؛؛
أهو عطف فقط ، مصدره صلة الرحم
التي تربط بينهما ؟....
أم حب حقيقي خاتمته رباط مقدس
كما أشار إليه "شول" وهو يقوم
بتقديمها إلى أفراد شلتهم ؟....
ربما تصدق هذه الفرضية من حانبه
و على الأرجح هي كذلك ....
لكن ماذا عن مشاعرها هي تجاه "شول"؟
هل تبادله ذات الميول ؟...
أم أنها لا زالت في طور التعرف
على مفردات عالم جديد
تتلمس خطواتها وهي تلج إلى فضاءاته ؛؛؛؛
التي تتميز بمزيج من الأعراق المتباينة
يجمعهم وطن كبير يتسع متشاسعاً كأنه بلا تخوم !!!؟....
تتمايز فيه الثقافات و الأديان و الإثنيات
و تتنوع لغاته و عاداته و تقاليده
حتى أنه يكاد أن يضاهي قارة بأكلمها
و"ماريانا" منذ صافحت عيناها وجه "شول"
أدركت بحس الأنثى الفطري
أن نظرات "شول" إلى جسدها الممشوق
لا تخلو من شبق دفين
يواريه إهتمام ظاهر
يصدر عادة من الأقارب تجاه بنات العائلة الواحدة ؛؛؛؛
و خلال الأيام الأولى
عاشت صراعاً محتدماً إحتل جُل تفكيرها ....
بين مكانتها المرموقة في أكبر قبائل الجنوب
و مكانة "شول" الذي لا ينتمي
إلى قبيلة (الدينكا) من جهة الأب ...
ثم من أين له مهرها من الأبقار ؟...
و أبوه ، لازال حتى الآن يسدد في مهر خالتها
و هناك أيضاً أرواح الأسلاف
و تأثيراتها على مجريات حياة (الدينكا) !!؟...
و موروثاتهم من عادات و تقاليد صارمة ....
لا يمكن تخطيها إلا بمشورة (الكجور)
و لعل كل هذا جعلها في بادئ الأمر
تتباعد عن "شول"
و ترفض الخروج معه منفردة
حتى إنها كانت السبب الرئيس
في عدم مشاركته
في حفل زاوج "رُمانة و الفاتح"
و لكنها
حينما رأته قابعاً في غرفته
لا يبرحها
رق قلبها
و شعرتْ برغبة جامحة
أن تقتحم خلوته و تحتويه
إبتداءً ترددت
ثم أحجمت
و قررت أن تلجم رغبتها الجامحة
لكنها بغتة
وجدت نفسها
تنقر باب غرفته نقراً خفيفاً
و لدهشتها لم تمهله ليأذن لها بالدخول
ولجت عبر الباب الموارب
و جلستُ قبالته
كان ساهماً يرسل بصره
من خلال النافذة المفتوحة
يحدق في لا شيء
همستُ بلغة (الدينكا)
- ألا زلت غاضباً مني
- كلا
لم أصدقهُ
و قلت بينما يدي تربت على كتفه
- إذن لماذا تجلس وحيداً يا توأم روحي !!؟...
كانت لغته (الدينكاوية) عاجزة
عن نقل مشاعره و أفكاره على الوجه الأكمل ؛؛؛
فكان يمازجها بلهجة عربي (جوبا)
و أحيانا يطرزها ببعض المفردات الإنجليزية ...
- ربما "ماريانا" هي السبب في حزني و شقائي
- أنا أدركت ذلك لا حقاً
لذلك جئت إليك
- أدركتِ أم شعرتِ ؟....
- كلا الأمرين
- إذن لقد عفوتُ عنك يا مليكتي المبجلة !!....
- وبما أنك قد عفوت عني
و لم تعد غاضباً و لا حزيناً
لماذا لا نذهب سوياً لزيارة
العروس و العريس ؟؟...
و التعرف على بقية الشلة
- و لحسن الحظ نحن اليوم نحتفل
بخطوبة "محمود" و"علياء" غير الرسمية ...
و قبل أن تعلق على ما ساقه من خبر
همس لنفسه
- ليت هذه اليوم يشهد أيضاً خطوبتنا نحن
"غير الرسمية" لأطفئ نيران شوقي
و أحتضن هذا الجسد اللدن بين زراعي هاتين ....
و أغرق في بحر من الدنيا و لذاذاتها الماتعة ....
التي حُرمت منها طويلاً
- ألا نتهيأ للذهاب ؟....
- طبعاً أنتِ على حق الوقت لن يسعفنا إذا تلكأنا ؛؛؛
- إذن دعني أنصرف لأعد نفسي للخروج معك ؛؛؛؛
* * *
"ماريانا" تجلس بجانب "شول"
و عيون الشلة جميعاً تشملهما
بنظرات حانية ، في انتظار إعلان الخبر السعيد ....
إستوعبت "ماريانا" مرامي علامات الإستفهام ،،،
التي إرستمت على قسماتهم بوضوح صارخ !!...
فهم قطعاً يستبنطون "شول"، بل و يستنطقونه
إذن هذا التساؤل الكامن في العيون
موجه إليها هي بالذات ؛؛؛؛
إعتدلت في جلستها و فضلت أن تخاطبهم
بلهجة عربي (جوبا) دون أن تضفرها
بلغة (الدينكا) المحببة لديها
- أنتم تعلمون جميعاً
إن هناك صلة رحم تربطني بـ"شول"
و لكن هذا لم يكن كافياً
لتنشأ بيننا علاقة حب تؤدي إلى زواج
فقط ثمة أحداث و حوارات و مشاعر أحاطت بنا
عمقت رابطة القرابة و دفعتها دفعاً
لإتخاذ مسار متعرج أوصالنا إلى نقطة غامضة
كشف سترها أخيراً ما حدث من
تلاقي حميم بيننا ، جسداً و روحاً
و نحن في طريقنا إليكم داخل سيارة الأجرة ...
كلهم في صوت واحد
- ماذا حدث ؟...
- نطقت لغة الجسد
فأزاحت لغة اللسان
و دون أن تفضح عن منطوق اللغة البديلة !!....
إستوعب أفراد الشلة مقصدها
فأقبلوا نحوها و"شول"
يباركون لهما ميلاد حياتهما الجديدة
أطلقت "علياء" زغرودتها الحبيسة
تعبيراً غامراً بلم شتاتهم ؛؛؛
بعد أن ظنوا كل الظن ألا تلاقيا
و ساهمت الطبيعة بافشاء أسرارها
و هي تشاركهم فرحتهم
بتتويج هذا الجمع
بمزيد من هبات نسيمها
وضخات إريجها الفواح
الصادر من نوار شجرة النيم العتيقة
وهي تتماليل طرباً !!...
بينما أرسلت "ماريانا" نظرها
صوب السماء حيث الأعالي
كأنها تستجدي أرواح أسلافها
أن يرحموا ضعفها !!....
و يباركوا هذا الرباط المقدس
بينها و بين ما إختارته قريناً لها
بمحض إرادتها الحرة ؛؛؛
دون قهر من إي جهة إياً كان شأنها
مضت هنيهات من الصمت العميق
قبل أن يجترحه "الفاتح سلمان" قائلاً
- ماذا لو أقمنا حفلاً واحداً
لكلا الزيجتين ؟...
إستملحوا جميعاً هذا الطرح
لكن "علياء" بعد لحظة صمت عميقة
تساءلت في حيرة
لكن كيف نجمع بين طقسين مختلفين تماماً ؟؟...
تصدى لها "محمود" مُحتجاً
- الفرح أممي و ليس عرقياً
- أعلم ذلك.. لكن لا بد من الإحتفاء
بممارسة الطقوس التراثية لأفراح قبيلة (الدينكا) ....
في مناسبات الأعراس
تدخلت "مرايانا"
لرأب صدع الخلاف الآخذ في الإتساع
- لنخلع أقنعة التقاليد المهترئة
ونكشف عن المعدن الإنساني الأصيل
ثم بعد هينيهة صمت ...
- أنا لست مصرة على إقامة أي طقوس قبلية
جنوبية أو شمالية
فقط لنفرح سوياً فرحاً مطلقاً
دون التعصب لأي إتجاه
أثلجت قناعات "ماريانا"
صدر "الفاتح سلمان"
فأمن على كلامها بقوله
- هذا ما كنت أرمي إليه تماماً
ثم مستكملاً فكرته
- عقب إنهاء الإجراءات الدينية لكل زيجة .....
في الجامع بالنسبة ل"محمود و علياء"
و في الكنيسة بالنسبة ل"شول و ماريانا"
و في المساء تأتون إلى هنا و كل في معيته
بعض المقربين من الأهل و الأصدقاء
لنحتفل سوياً بهذا الحدث السعيد
و هنا توجهت "رُمانة" بالحديث إلى العروسين
- أما أنتما فلا تحملا هماً
سأقوم أنا بإعداد كل شيئ
فقط عليكما أن تكونا
أجمل عروستين في عيون زوجيكما
* * *
توالت الأيام
و الشهور
و السنين
و ظل "الفاتح سلمان"
يقطن في منزله الصغير
لا يبرحه
حتى حينما أنجب ولديه
و أطلق على الأول "محمود"
و الثاني "شول"
فضل أن يستظل
بظلال شجرته الوريفة
الضاربة بجذورها
في باطن الأرض
كأنها شريان الحياة
يمتح من سليل الفراديس
و يروي فروعها
و أغصانها
ليبعث فيها الخضرة
و النضارة
كان "الفاتح سلمان"
في كل أمسية
من أماسي
أيامه
الآخذة في الأفول
يقتعد كرسياً
في مكانه الأثير
تحت شجرته
و بجانبه "رُمانة"
يتوسطهما طاقم الشاي
تصب "فتحية مرجان"
السائل الأحمر
على الحليب (الباودر)
و هي تقلبه بعناية
ليختلط بذرات السكر
حتى تصل إلى المزيج المطلوب
دون جدوى
فالذاكرة لا زالت
تختزن لبن كافوري
و مذاقه الطبيعي و الطازج معاً
و كأنه يقرأ أفكارها
- أين مزارع كافوري الآن ؟....
إستحالت إلى غابة من الأسمنت
إبتسمت في حزن قائلة
- كل شيء الآن
لم يعد كما كان
- لعلها سنة الحياة
- ماذا تقصد ؟....
- أليس التغيير قرين الإصلاح ؟....
ثم مردفاً
- ماذا فعلنا نحن ؟...
- أحدثنا ثورتين !!...
- أين حصاد الثورتين ؟...
ظلت صامتة ...
لكنه توغل في الحديث منفعلاً
- قفزنا بالزانة إلى مرحلة التحول الديموقراطي
دون أن نضع بالاً لشرعية الثورة
"رُمانة"بعد تأمل
- لعل لهفتنا لإعادة
إحياء الديموقراطية الأولى
التي أُغتصبت منا ، عنوة على حين غرة !!؟....
هي التي جعلتنا نتخطى الشرعية الثورية ...
في هذه الأثناء
كان إبناهما "محمود" و "شول"
قد إستيقظا من قيلولة الظهيرة
و أخذا يدوران حولهما
و هما يحدثان ضجيجاً
قطع بينهما حبل الحوار
و كان والداهما قد سبقاهما في النهوض ؛؛؛
إستعداداً لأداء فريضة الصلاة الوسطى
فأنصرفت "رُمانة" إلى شأنها
بينما إنكفأ "الفاتح" على هامش الشعور ؛؛؛
ينبش في خلايا الذاكرة
عن وقائع و أحداث
الماضي القريب
بترتْ "رُمانة" إنسياب
تسلسل منلوجه الداخلي
- أتدري بماذا يفكر ولداك. ؟....
إنتبه منتظراً أجابتها
- "شول" يريد في إجازة
هذا العام المدرسية
أن يقضيها في أحراش الجنوب !!....
علق الفاتح مستفهماً
- و الآخر أعني "محمود"
- هو الأخر يريد أن يجوب
أصقاع الشمال ؛؛؛؛
حتى يبلغ حدوده مع الشقيقة مصر
- و متى يحقق هذه الأمنية ؟...
في العام المقبل طبعاً
عقب فراغنا نحن جميعاً
من تلبية رغبة "شول"!6
قررنا معاً أن نذهب
في العامين التاليين سوياً
إلى الغرب
ثم من بعد إلى الشرق
أمن "الفاتح سلمان"
على أقتراحهما
ثم أردف قائلاً
- هكذا ينبغي على المواطن الحقيقي
أن يتعرف على ملامح
و تضاريس وطنه
علقت "فتحية مرجان" على ملاحظته
- كأنك تقول
( أن الأجيال الصاعدة
تعلمنا معنى أن تكون
مواطناً حقاً )
- أصاب صغارنا
و أنتِ أيضا كبد الحقيقة
ثم بعد هنيهة صمت
- أتدرين أن "شول آدم"
قد إنضم إلى الحركة الشعبية
قطاع الشمال ؟...
- من أخبرك ؟...
- و من يكون غير "محمود منصور" ؟
- حسناً فعل "شول"
- كلي أمل أن أدرى بشعاب نفسه !..
- و نحن ما دورنا ؟...
- لن نعدم السهام
التي تفصح عن توجهنا
وسينضم إلينا
كل من تمور دواخله
بالغضب النبيل
أمنت على بوحه برضٍ تام
لكنها أرادت أنت تغير مجرى الحوار
- الأولاد يستعجلون البدء
في الإعداد لرحلتهما الأولى
- من الغد ؛؛؛؛
سنشرع في رسم خارطة الطريق
- حسناً دعنا الآن
نستكمل الصورة المتخيلة
عن هذه المغامرة
يغرق "الفاتح" متوغلاً
في عوالم مجهولة
- يبدو إننا مقدمين
على خوض تجربة
غير مأمونة العواقب
- أتريد التراجع
عن وعدك للأولاد ؟...
- قطعاً لا
ثم بعد هنيهة صمت
- بل أنا الآن أكثر توثباً
للقيام بهذه الرحلة
ألا ترين أنها تبدو كرحلة سفاري
كما قرأنا عنها
و شاهدناها في الأفلام ؟!...
- بل أكثر خطورة و مشقة
- لكنها ممتعة أليس كذلك ؟...
- في سبيل معرفة الوطن
يهون كل شيء
حتى لو لم تكن الرحلة ممتعة ...
* * *
بعد عدة أسابيع
جاءهم "شول" محتجاً
- ألم يحن موعد الرحلة بعد ؟...
- ما عادت هناك رحلة
- لماذا ؟...
- الخريف هذا العام غير مسبوق
ساند "محمود" أخاه
- متى كانت الطبيعة تمثل عائقاً لطموحاتنا ؟...
رأتْ "فتحية" أن تفضح
ما بدور هناك
- هذه المرة ليست الطبيعة فقط
أكمل الفاتح جملتها
- بل هناك ما هو أخطر
الإثنان في صوت واحد
- ما هناك !!؟...
- الحرب
هنا ألجمهما رد أبيهما
و إنصرفا إلى شأنهما
على الرغم من السؤال الجارح
الذي تردد صداه في صدريهما
(أتنشب الحرب بين أبناء الوطن الواحد ) !!؟...
بينما أخذت "مرجانة"
في أعداد الشاي
كان "الفاتح"
يطيل النظر صوب البعيد
و المساء يسدل ثوبه الرمادي
على وجه الأشياء حوله
و ذاكرته تستعيد
ما كتبه "الطيب الصالح"
عن مرامي النظام الشمولي
الذي أناخ بكلكله
على صدر البلاد
و كتم أنفاس العباد
و كانت "رُمانة "في تلك اللحيظات
تسترضي "شول" و"محمود"
وتعدهما بالإيفاء
بتحقيق رغبتهما
في العام المقبل
بعد أن تضع الحرب أوزارها
فلمحت "الفاتح"
غارقاً في تهويماته
إنتبه مأخوذاً
و هي تضع يديها
حول عنقه برقة
- مالك ؟...
- فقط أفكر
- فيما تفكر ؟...
- هل ما قاله "الطيب صالح"
كان ينطبق على السودان الحالي ؟...
ردت بغضب
- لا أدري ، ربما
- ألم يكن محقاً !؟....
حينما قال
"من أين جاء هؤلاء الناس؟"
كأنها تستكمل مناحته
- هل سمعوا مدائح حاج "الماحي"
متابعاً
- و أغاني "سرور" و"خليل فرح"
مجارية له
- أما قرأوا "العباسي" و"المجذوب"
كأنهما في مناظرة هجائية
- ألا يحبون الوطن كما نحبه ؟....
- إنهم يحبونه و كأنهم يكرهونه !!...
- من الذي يبني لك المستقبل ؟...
- و أنت تهدم أركانه !!!،،،
تمت



[email protected]



تعليقات 4 | إهداء 0 | زيارات 454
 
أعلى أسفل