الشيطان و عسكري البلاستيك - لأحمد الملك .... قراءات

علي حاج علي

:: كاتب نشـط::
محاولات للقراءة لنص: الشيطان وعسكري البلاستيك – لأحمد الملك
(عشية عيد الفطر كنا نتحلق حول والدتي في الفناء وهي تغسل كومة من الملابس على ضوء مصباح الزيت، سمعنا صوت نهيق حمار يمزق صمت الليل. قال أخي، أنه حمار جارنا سيد، وصمت قليلاً قبل أن يتذكر شيئاً: هذا الحمار معتاد على قطع رباطه والاعتداء على مزارع الآخرين لا بد أن شخصاً ما يقوم الأن بضربه!
قالت أمي: هذا ليس حماراً.. إنه شيطان!") انتهى الاقتباس
بهذا المدخل المباشر، يضعنا أحمد المك أمام فكرته الرئيسة للنص، وهو بكل إتقان وبراعة يقودنا بمفرداته المتماسكة من أمام "ضوء مصباح الزيت" حتى يوصلنا إلى " تلك الشمعة التي تضيء من حولها دوائر، دوائر رذاذيه من الضوء".
وما بين " الضوئيين" ضوء مصباح الزيت وضوء الشمعة الدائري الرذاذ. وكأنه ينقلنا من واقع الخيال إلى خيال الواقع إلى حقيقة نعيشها.
بحكائيه الراوي العارف الممسك بكل تفاصيل النص. "واقع الخيال" هو ما كان يحسه هو وأخوه عشية العيد، كنا نعيش تلك اللحظات بالرغم من إنها جاءت مخفية في فضاءات المقدمة للنص. كنا نشعر بالعيد ونحس به، كنا نعتقد بأن العيد كائن محسوس يمكن أن نلاقيه في الشوارع صباح العيد. يمكن أن نلاقيه في العيدية في حلوى العيد في الخبيز و الكعك في الفسيخ في السينما في البحر في المقابر في دار الرياضة في المراجيح في ميدان المولد. طيلة يوم العيد كنا نتخيله ونحسه ونعيشه كاملاً، إنه واقع عشناه في الماضي وسعدنا به وها هو الأن يصبح واقع أقرب منه إلى الخيال. ومن المؤكد أن كاتب النص "احمد المك" تعذب كثيراً وهو يتنقل بين تلك العوالم:
العالم الأول: عاشه بكل تفاصيله الرائعة ولحظاتها التي لا تنسى، عالم الطفل الصغير الذي يفرح بالعيد والجديد، عالم الطفل الذي يسأل كثيراً ليعرف: أنظر:
.. قلت ألم يتم حبس كل الشياطين في رمضان؟
.. ذكّرته ان امي منعتنا من استخدام تلك الالفاظ
.. لماذا نغرس جريد النخيل فوق قبر والدي؟
.. سألته لماذا لم يحضروا جريد النخيل لوضعه علي قبر والده؟
.. قلت له والدتي حضرت مبكرا لزيارة زوجها الميت فلماذا تتأخر والدته؟
.. سألت والدتي هل ستذهب غدا مبكرا لزيارة والدي أم ستذهب متأخرة مثل والدة الصبي الذي وجدناه في المقبرة في العيد الماضي؟
.. قلت لأخي لا داعي لأن نبخره ، المخزن ملئ بالعقارب والفئران وليس المكان المناسب لتقيم فيه الشياطين
.. قلت لأخي: هل يحب الشيطان الهدوء؟
.. قلت: لكن الشيطان يحب الشجار!
... هل يوجد شياطين طيبون؟
العالم الثاني: هو ذلك العالم الحزين الذي فرض عليه من الكبار، واقع حزين ممزوج بفرحة العيد، يا له من إحساس غريب، فرحة العيد، والحزن على الفقيد!! عادة صعبة جداً نعيشها دائماً في الأعياد... أهلنا يمزجون الحزن بلحظات الفرح! فهم عند الضحك والفرح يتذكرون البكاء والهم والغم، كأنهم يخافون من اللحظات السعيدة والفرح...! إنهم بفرضهم على الطفل الصغير هذا العالم الحزين الممزوج بالفرح، ويخرجونه من لحظات العيد السعيدة المبهجة إلى لحظات حزينة بائسة ستظل عالقة في ذهنه دائماً.
العالم الثالث: عالم خيالي أقرب إلى الواقع، عاشه الكاتب، بل أحس به بدليل مادي ملموس: أنظر:
" عثرت علي لعبة فقدتها منذ شهور وقلبت البيت كله بحثا عنها دون جدوي. لعبة بلاستيكية خضراء اللون أهداها لي أحد اقربائنا دمية في صورة جندي يرقد في وضع تأهب لإطلاق النار وتغطي رأسه قبعة
عسكرية ضخمة تشبه اطباق السعف التي تستخدم لحفظ الخبز."
في مقدمة النص نجد تمهيد لهذا العالم الثالث الذي أراد الكاتب أن يوصلنا إليه منذ الوهلة الأولى للقصة بالإشارات المتعددة " الشيطان والمقابر والموت... " عالم الشيطان وعسكري البلاستيك، الشيطان الذي قام بسرقة عسكري البلاستيك من ذلك الطفل المسكين... يا لهذه الإشارة الرائعة وكأن الكاتب يقول لنا أن الشياطين الذين يمشون بيننا بثياب الواعظين هم الذين يقفون خلف التدخلات العسكرية في السياسة... إنها الانقلابات العسكرية التي عانينا منها الأمرين في هذا البلد... إنهم شياطين تماماً يدفعون العسكر إلى متاهات السياسة ثم يسحبون البساط من تحتهم لتبرز أنيابهم الشرسة التي تتمسك بالسلطة ويدافعون عنها ولو كان على حساب شعبهم ودمائهم...
وصدق ذلك الرجل العجوز المسن عندما عرف أمنية الطفل الجديدة:
أنظر: " ... قررت حين اكبر أن أعمل في الجيش. ضحك رجل مسن من أقارب والدتي كان يزورنا يوم عيد الأضحى حين سمع بأمنية حياتي الجديدة وقال: هناك لا يعمل احد!. "
ويقول في مكان أخر تأكيداً للفكرة ذاتها:
أنظر: " ... وقال الرجل المسن حين زارنا في المرة التالية ليحضر لأمي شيئا ما: ما ان تخرج الي الشارع حتي تجد الكثير من هذه الدمي التي لا تصنع شيئا سوي إزعاج الناس!" انتهى الاقتباس.
إزعاج الناس بإيعاز من الشياطين... "شياطين الإنس"....

إنه عالمنا الذي نعيشه الأن عالم الصراع حول السلطة وكيفية الوصول إليها بشتى السبل، وأكثر هذه السبل والوسائل انتشاراً هو الإيعاز الشيطاني بالتدخل العسكري بالانقلاب على الديمقراطيات...
ولكننا كلنا آمل بالعودة إلى عالم هادي ومستقر وآمن وديمقراطي وسعيد، إنها الإشارة التي تركها لنا الكاتب في نهاية النص:
أنظر: "قالت: هل ستنامان يوم العيد حتي تشرق الشمس؟
انتبهت عندها الي بيتنا ورأيت الدمية الضائعة للعسكري الذي يتأهب لإطلاق النار ترقد جوار صدري.
قالت امي: متي عثرت علي لعبتك؟
قلت لم أعثر عليها أنا!
قالت امي ومن الذي عثر عليها؟
ترددت قليلا قبل ان اقول: عثر عليها الشيطان!
تركتني أمي وأنا أسأل : هل يوجد شياطين طيبون؟

- انتهت القراءات - ..
علي محمد
24/2/2014م
 
أعلى أسفل