أبو ذر بابكر «اللوحة»

ضى القمر

:: كــاتبة نشــطة ::
قال لها ذات عشق

أحلم بأن أرسمك يوما، أن أكتب تفاصيلك الملهمة فى لوحة

هو رسام بارعا، مولع باللون وحديث الألق الذى ينبع من جسد اللوحات

قال لها

هذا ما كنت دوما أتمناه

قالت
على الرحب والمحبة دائما، متى تريد أن نبدأ ؟

أخبرها أن الجلسة متعبة وغير سهلة على الإطلاق، وأنها سوف تضطر للجلوس
ساعات طوال وايام أطول

لا يهم، لا يهم، ليكن، حتى وإن إستغرق الأمر شهرا أو دهرا

كانت الرغبة مضمرة، والنية مسرجة على صهوة الأمنيات بالتحليق عاليا عاليا الى
مدارات التلاقى وأكوان الرؤى العاشقة

جلست أمامه بكامل زهوها وحضورها المتألق، وطفق هو يناجى أطياف الضوء
وعبق الحضور، كان يعد لها القهوة، فترشف هى من كأسها، ويرشف هو من
عينيها، وبدأ حوار له رائحة الصمت الهادر، نظرة إليها، وأخرى على اللوحة،
تداعب أصابعة مساحة ضيقة ورقعة صغيرة، ولكنها فى نظره كانت لتتسع الكون كله

ثم صدحت موسيقى بوليرو، كان يعرف أنها تحب موسيقاه

وبدأ ديالوج اللون والأصابع، وأخذ يسجل كل تفاصيل ذلك النسق الإلهى البديع، العينان،
الإبتسامة، الإلتفاته، الإطلالة، وكل فسيفساء تلك الروعة الطامحة

ثم سأل نفسه
كيف لى أن أرسم رائحة هذا العطر السماوى؟

ألم تملى من الجلوس ها هنا؟

حسنا لأسمعك بعض الموسيقى، ما رأيك بسيمفونية موزارت الرابعة، فهى من
أجمل وأرق إبداعات هذا العبقرى، وبالمناسبة، قال وهو ينفث بدخان سيجارته
بعيدا، فيحلق الدخان حاملا معه صدى ووقع هتاف تلكم الأرواح الهائمة

بالمناسبة، أخذ عاصى الرحبانى الحركة الرابعة أو الثالثة، غير متأكد والله، وصاغ
عليها بعض كلمات جميلة تحلق بها فيروز بنا

يا أنا يا أنا
أنا وإياك
وعرفو إنك حبيبى

ما رأيك لو نستمع لفيروز بعد أن تنتهى سياحة الطرب مع موزارت؟

إبدأ، ولم تسألنى؟

ثم وبعد جلسات عديدة فى حضرة البهاء قال لها

أخيرا سوف ترين صورتك مجسدة فى اللوحة، أتمنى أن تكون على قدر جلالك
وأمنيتك، ومحبتى

ليس هناك لوحة مكتملة فى هذا العالم، فكل لوحة تستطيع أن تأخذ العالم الى داخلها،
ولا تنتهى، ولكن لنقل أنى قد أكملت بعضا منك فقط، هيا لتشاهدى نفسك الآن

رشفت آخر قطرات قهوتها، وقامت يحيطها سناء غريب وفرحة بوهيمية، ونظرت
فى اللوحة تشاهد
صورتها

وحين أطلت عليها
رأت اللوحة وقد إمتلأت بالعصافير والفراشات الملونة، نهر هنا، سهل هناك، غابة
فى الأسفل وغيمات عاشقة فى أحد الأركان، ثم أطفالا يتوسطون اللوحة، والبهجة
تسيل من عيونهم

هذه هى أنت

كان قد رسمها بالفعل، ثم أهداها اللوحة
 
أعلى أسفل